يتعرّض المصريون تحت حكم عبدالفتاح السيسي، الذي سيمتد لأربع سنوات أخرى، إلى قمع غير مسبوق؛ بعدما عاد بمصر إلى أسوأ مما كان قبل الديكتاتور مبارك، وقضى على أي متسع للتعبير وعلى المعارضة بشكل كامل، إسلامية وعلمانية.
هذا ما تراه الكاتبة الأميركية «سامر لوبيز» في تحليلها للوضع المصري الآن بـموقع «بين أميركا» وترجمته «شبكة رصد»، وتضيف أنّ مصر تستعد حاليًا للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها من 26 إلى 28 مارس الجاري، وسيختار فيها المصريون بين عبدالفتاح السيسي وموسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد والمؤيد القوي للسيسي؛ بعد أن أجبر باقي المرشحين على الانسحاب والزج ببعضهم داخل السجن.
وبالرغم من أنّ قشرة الديمقراطية في مصر كانت دومًا ضعيفة، فمنذ ظهور السيسي لم يبذل جهدًا في الحفاظ على هذه القشرة بعد توليه السلطة في انقلاب عسكري عام 2013؛ إذ شرع في الهجوم بلا هوادة على المجتمع المدني وحقوق الإنسان، بدأه بالفض الوحشي لاعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس 2013 وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن ألف متظاهر. ومنذ 2014 أصبح الاعتداء على الحريات دوريًا وممنهجًا، تحت غطاء «مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار».
كما زجّ بأكثر من 60 ألف معتقل داخل السجون، بينهم 20 صحفيًا، وأصدر «قانون التظاهر» في 2013 الذي أنهى بشكل رسمي الاحتجاجات الجماهيرية، واقتصرها على التجمعات الصغرى نسبيًا وبموافقة الأجهزة الشرطية، وإذا لم يحصل المنظمون على إذن فهم معرضون للخطر.
كما مدّ قانون الطوارئ مرات عدة، آخرها في يناير المنصرم، ووصف المعارضين ووسائل الإعلام المناوئة بأنها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين. ونتيجة لذلك؛ خلق النظام المصري بيئة يستحيل للمواطنين والسياسيين فيها التعبير عن الآراء؛ حتى إنّ الانتخابات الحالية ستُجرى دون منافسة حقيقية، وفي جو من انعدام الحرية والنزاهة، وشيوع الخوف.
ولم يكتف النظام بهذا القدر من السيطرة، بل ضاعف من هجماته على حرية التعبير في المدة السابقة للانتخابات الحالية، وأرسل رسالة واضحة إلى المواطنين والصحفيين على وجه الخصوص بأنه «لن يتسامح مع المعارضة».
وبعد أن سيطر على المصريين في الداخل، شرع النظام في السيطرة على المصريين بالخارج؛ إذ يشرع في قوانين من شأنها إلغاء الجنسية المصرية للأفراد ذوي الانتماءات السياسية الذين يعبرون عن آرائهم بحرية في الخارج. وبالرغم من أن التشريعات لم تُسنّ حتى الآن؛ فإنها تمثّل تهديدًا قويًا.
كما قيّد حرية الوصول إلى المعلومات داخل مصر؛ فحجب السيسي أزيد من 500 موقع منذ مايو 2017، وذهب الحجب لأبعد من ذلك؛ ففي أوائل فبراير الماضي منعت السلطات مشروع «Accelerated Mobile Pages (AMP»، وهو أداة لتوصيل محتوى المحمول؛ وبالتالي منعت المصريين من استخدام هواتفهم للوصول إلى مواقع الويب مثل «سي إن إن» أو «الجارديان» أو «نيويورك تايمز».
وزادت الهجمات على الصحفيين ووسائل الإعلام المحلية والدولية والإقليمية؛ ففي الشهر الماضي أصدرت السلطات تحذيرًا واضحًا للصحفيين، وعلى إثره اختفى ثلاثة صحفيين مختلفين: «معتز ودنان من هاف بوست عربي، مصطفى الأعصر من ألترا صوت، حسن البنا من الشروق»، واعتقل ودنان بعد مقابلة أجراها مع المستشار هشام جنينة الذي اعتقل أيضًا.
وبالنظر إلى الجهود التي تبذلها الحكومة المصرية للسيطرة على المناخ العام قبل الانتخابات فليس مستغربًا أن يُغضب تقرير لـ«بي بي سي» عن الاختفاء القسري الحكومة المصرية، وأصدرت دعوات لمقاطعتها، ووصفت التقرير بأنه دعاية للإخوان المسلمين، وبعد إذاعته اعتقلت السلطات «أم زبيدة».
ووصفت «أم زبيدة» التعذيب والإساءات التي تعرّضت لها ابنتها على أيدي الشرطة، وبعد أيام من نشر التقرير ظهرت زبيدة في حوار إعلامي على قناة مصرية تنفي فيه احتجازها، وتدعي أنها متزوجة وتعيش مع زوجها في منطقة فيصل بالجيزة. وبعد مدة وجيزة من ذلك، اختفى المحامي «عزت غنيم» الذي كان يعمل على القضية بجانب قضية معتز ودنان.
كل هذا بعد يوم واحد فقط من مطالبة النيابة بتطبيق عقوبة الإعدام على المصور الصحفي «شوكان» الذي اعتقل في أغسطس 2013 لتغطيته فض اعتصام رابعة.
وغالبًا ما يعني الاختفاء في مصر التعذيب، فبالرغم من ظهور مختفين فيما بعد فآثار التعذيب تبدو واضحة عليهم، فيما يُترك آخرون مختفين لسنوات، دون أن تعرف عائلاتهم عنهم شيئًا.
وأصدر النائب العام بيانًا هدد فيه باتخاذ الإجراءات القانونية ضد من ينشرون أخبارًا كاذبة وشائعات تتسبب في زرع الرعب في قلوب المجتمع أو تضر بالمصلحة العامة أو تعطل الأمن والسلم المجتمعيين.
كما طال الاضطهاد مؤيدي الحكومة أنفسهم، فقبل أيام اُعتُقل الإعلامي خيري رمضان بتهمة الإساءة للشرطة؛ بعد إذاعته تقريرًا تضمّن معاناة أسر قتلى الشرطة من سوء الأوضاع المعيشية وتدني الرواتب المخصصة لعائلاتهم.
وتزامنت المدة التمهيدية القاسية للانتخابات المصرية مع إطلاق حملة عسكرية كبرى على تنظيم الدولة في شمال سيناء، وفي 1 مارس أعلن السيسي في مؤتمر صحفي أنذ «انتقاد الدولة أو قوات الأمن خيانة عظمى؛ فالأمر ليس مجرد تعبير عن الرأي».
في النهاية، فقد المصريون أيّ متسع للتعبير عن آرائهم بحرية، ولا يوجد أي اختيار آخر أمامهم؛ وعلى المجتمع الدولي ألا يسمي المراسم المقبلة «انتخابات»؛ فهي خدعة والجميع يعرف أنها كذلك.