الآن، ابن سلمان هو الرجل الأول في السعودية؛ ومن المقرر أن يكون «الحاكم المطلق» لكل شيء بمجرد وفاة والده، وهو الأصغر سنًا بين أسلافه؛ إذ يبلغ من العمر 32 عامًا، ويمتلك قدرًا كبيرًا من النفوذ داخل المملكة، خاصة فيما يتعلق بسياستها الخارجية. كما يتعامل الجميع معه باعتباره الحاكم الأعلى للبلاد، ويُروّج له على أنه «حاكم إصلاحي» يجب على الجميع دعمه لإحداث تغيير حقيقي داخل الدولة المحافظة اليائسة؛ لكنّ كل هذا «كذبة قاسية».
هذا ما يراه الكاتب البريطاني «آسا وينستنلي» في مقاله بصحيفة «ميدل إيست مونيتور» وترجمته «شبكة رصد»؛ مضيفًا أنّه بالرغم من الدعاية التي رافقت زيارة ولي العهد إلى بريطانيا الأسبوع الماضي ووصفها بأنها واعدة وستحقق تغييرًا كثيرًا؛ فما زال يقود السعودية نحو الهاوية بانتظام، خاصة وهو مهندس الحرب اليمنية، وتكثيف التدخل السعودي في سوريا، ودعم أكثر المليشيات عنفًا.
أيضًا، سجل حقوق الإنسان داخل المملكة متدهور؛ خاصة أحكام الإعدامات الكثيرة المنفّذة دون محاكمات عادلة، وإجبار المتهمين على تقديم اعترافات تحت التعذيب؛ وفقًا لما أكدته «هيومن رايتس ووتش»، وكذلك انتشار جرائم المخدرات والشعوذة.
ناهيك عن صفقات الأسلحة التي وقعتها معه بريطانيا الأسبوع الماضي، وهناك قصص طويلة عن هذه الصقفقات وغيرها؛ إذ وقّعت السعودية من قبل صفقة أسلحة بقيمة 43 مليار جنيه إسترليني مع شركة «بي أيه آي سيستم»، وأفادت تقارير بأنّ مهندس الصفقة هو الأمير السعودي بندر بن سلطان، السفير السابق لدى أميركا والمقرب من الرئيس الأسبق جورج بوش، وأطلق عليه في كثير من الأحيان «بندر بن بوش»، وتلقى رشوة قدّرت بملياري جنيه إسترليني من الشركة البريطانية لإتمام الصفقة.
وبالرغم من فتح توني بلير تحقيقات في هذه الصفقة إبان رئاسته الوزراء؛ فإنه أوقفها بزعم «المصلحة الوطنية»، لكنّ رائحة الفساد ما زالت تلوح في الأفق؛ حتى إنّ وزارة العدل الأميركية أثارت تحقيقا عنها.
وتحدّث رئيس التحقيقات في قناة الجزيرة «كلايتون سويشر» عن مذكرة سرية شرحت كيفية تدخل السعودية الفج لوقف التحقيقات في هذه القضية داخل أميركا بعدما أفادت «الجارديان» البريطانية بأن شركة محاماة أميركية استخدمت نفوذها للتأثير على المحققين في مخالفات بصفقة تسليح بقيمة 43 مليار جنيه إسترليني بين المملكتين المتحدة والسعودية.
ونقلت الصحيفة، في تقرير نشرته الثلاثاء الماضي، عن وثيقة مسربة حصلت عليها، تأكيدها أنّ نتائج التحقيقات الجنائية الأميركية عام 2010 في مزاعم تلقي رشاوى ضمن هذه الصفقة الضخمة المعروفة بـ«صفقة اليمامة» بين الحكومة السعودية وشركة BAE، كبرى شركات الأسلحة البريطانية، خُفّفت إلى حد كبير في إطار حملة لوبي سرية.
وأوضحت الصحيفة أنّ الوثيقة المؤرخة في يناير 2010 كشفت تفاصيل نادرة عن مراسلات سرية بين وزارة العدل الأميركية وشركة محاماة «Freeh Sporkin & Sullivan» التي يترأسها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأسبق «لويس فريه» وتعاقد معها الأمير السعودي بندر بن سلطان، الذي تولّى منصب سفير السعودية لدى أميركا لنحو عقدين ويوصف في الوثيقة بالهدف الرئيس للتحقيقات؛ إذ كان يشتبه فيه بتلقي مبلغ تتجاوز مليار جنيه إسترليني من الشركة البريطانية بشكل غير رسمي.
وفي الوثيقة المسربة، أبلغت الشركة الأميركية (التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها) السفير السعودي لدى أميركا حينها بأنها تمكّنت من إجبار المحققين على تقديم تنازلات ملموسة؛ ما أسفر عن سحب «التفاصيل المحرجة» من الوثيقة الرسمية التي تشرح نتائج التحقيقات.
وشدّدت الشركة أنّها بذلت جهودًا كبيرة، بما في ذلك عشرات اللقاءات والمكالمات الهاتفية مع محامي «بي إيه إي» ومسؤولين رفيعي المستوى؛ ما أتاح إقناع المحققين من وزارة العدل بسحب اسم الأمير بندر بن سلطان من نتائج التحقيقات، وكذلك جميع المعلومات عن مبالغ مقدمة إليه بشكل غير رسمي.
ووصفت الشركة نتائج عملها بالرائعة، مضيفة أنّ انتصاراتها على المحققين أتاحت حماية السمعة الحسنة للأمير السعودي والمملكة بأكملها.
وكان لـ«كلايتون» الفضل أيضًا في إجراء تحقيقات متعلقة باللوبي المؤيد لـ«إسرائيل» داخل أميركا؛ أبرزها التحقيق الذي أنتجته وحدته داخل قناة الجزيرة وكشف أنّ اللوبي الإسرائيلي مؤثر وممول بشكل جيد للغاية، لكن قوته تتضاءل ويقاوم في اتجاهات تاريخية لتعزيز نفسه داخل أميركا؛ لكنه جهد غير مجدّ في نهاية المطاف.
وكشفت تحقيقات كلايتون عن الشركة البريطانية أنّ السعودية تمتلك اللوبي نفسه داخل واشنطن.