تصعيد عسكري واسع في الغوطة الشرقية، وسط تهجير إجباري للأهالي، في ممرات وصفت بـ«الآمنة»، إلا أن تقارير أكدت عكس ذلك، في ظل محاولة الفصائل التخلص من الوضع القائم، عبر مفاوضات إخراج المدنيين من ناحية، والدخول في معارك الجنوب من ناحية اخرى من أجل تخفيف الضغط على المقاتلين في الغوطة.
التطورات في الغوطة
يستمر سكان الغوطة الشرقية في الخروج من البلدات، على مدار أيام، في أعداد كبيرة إلى مناطق سيطرة النظام، تباينت فيها التصريحات بين 20 ألف مدني بحسب الأمم المتحدة و50 ألف مدني بحسب المرصد السوري، جراء القصف المستمر من الطيران الروسي والنظامي.
كما استمر إجلاء حالات طبية لليوم الخامس على التوالي من مدينة دوما في الغوطة بموجب اتفاق بين فصيل جيش الإسلام -الذي يسيطر عليها- وروسيا.
ويتجه النازحون قسرا من الغوطة إلى مراكز عدة، أبرزها، مركز الدوير قرب عدرا، بينما نقلت أعداد أقل إلى مركز حرجلة قرب الكسوة جنوب دمشق، وعدد آخر إلى مراكز أخرى في ريف دمشق.
وتقدمت قوات النظام السوري، داخل الغوطة الشرقية، لتحكم سيطرتها على مدينة سقبا في الطرف الجنوبي من منطقة الغوطة الشرقية، بحسب ما نشرت أمس وكالة سبوتنك.
وفي تطور مفاجئ، زار بشار الأسد، القوات النظامية في الغوطة الشرقية، وهي زيارة تعد الأولى منذ سنوات، لم تطأ قدمه الغوطة خلالها نظرا، لسيطرة الفصائل المعارضة عليها.
ونشرت حسابات الرئاسة السورية مقطعا وصورا للأسد؛ حيث تجمع حوله جنود أمام دبابة في شارع بدت عليه آثار المعارك.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، إن الجيش السوري وحلفاءه يسيطرون حاليا على 80 بالمئة من الغوطة الشرقية، والتي هي آخر معقل كبير للمعارضة قرب دمشق، وإحدى مناطق «خفض التوتّر» التي تمّ الاتفاق عليها في محادثات العاصمة الكازاخية أستانة، في 2017.
ويصف الدكتور عبدالمنعم زين الدين، منسق عام بين فصائل الثورة السورية، الأوضاع في الغوطة الشرقية بـ«الكارثية» على المستوى الإنساني؛ حيث تم تقطيع أوصال الغوطة وتضييق الحصار على أهلها وقصفها بكل أنواع الأسلحة.
وأوضح زين الدين، في تصريح لـ«رصد»، أن النظام وروسيا ارتكبا أبشع أنواع الجرائم والمجازر بحق أهلها، واتخاذهم دروعا بشرية في بعض البلدات، وسط أنباء عن اقتياد الشباب المدنيين الذين سلموا أنفسهم للنظام بدعوى المصالحة كي يزجهم في صفوف مقاتليه، ويعتقل كثيرا منهم في سجونه.
وعلى الصعيد العسكري، وفي مقابل التقدم السريع للنظام وسطرته على ما يقرب من 80% من الأراضي، قال زين الدين إنه «تمكنت الفصائل مؤخرا من إنجاز عدد من الخطوات الدفاعية التي مكنتها من صد العدو في جبهات عدة، والانتقال إلى مرحلة الهجوم، والآن تجري معارك في محاور عدة لاسترجاع عدد من المناطق التي تقدم إليها النظام المجرم.
أسباب
اعتبر المحلل السياسي خليل المقداد، أن ما حدث كان مفاجأة، وسيناريو لم يكن مأمولا، ويعد انهيار مشبوه وغير مبرر خلال الأيام الأولى من الاجتياح البري.
وقال المقداد، في تصريح لـ«رصد»، إن التوقعات كانت مختلفة تماما عما حدث من اختراقات من النظام؛ حيث تمترس جيش الإسلام والفصائل الأخرى في مناطق الغوطة الشرقية منذ سنين، ما يدفع للعديد من التساؤلات.
وأشار المقداد إلى أن أسباب هذا الانهيار السريع، ونزوح الآلاف من الأهالي في الغوطة، من مساكنهم إلى مناطق سيطرة النظام، ترجع إلى أولا التآمر العربي والدولي على الثوار في سوريا، ثانيا القصف الهمجي للنظام وروسيا دون وازع من ضمير أو إنساني.
واعتبر المقداد أن ما يحدث يأتي في إطار «اتفاقات أستانة ومخرجات جنيف2 والمفاوضات التي يجريها جيش الإسلام مع روسيا برعاية السيسي وأحمد جربا «عراب المفاوضات».
وتتباين أعداد المهجرين من الغوطة، بحسب بيانات وإحصائيات العديد من المراكز فـ«مركز المصالحة» في سوريا، الذي تديره وزارة الدفاع الروسية، قد أعلن خروج أكثر من 25 ألف مدنيّ، أمس الأحد، من بلدات الغوطة عبر معبر حمورية الإنساني، فيما قالت وكالة نوفوستي الروسية، اليوم، إن النازحين من قرى وبلدات الغوطة الشرقية تخطّوا 73 ألف نسمة.
وأوضح أن ما يحدث في الغوطة الشرقية، يشبه ما حدث في المناطق مثل حلب والزبداني، خاصة مع بيان الفصائل الأخير حول المفاوضات مع روسيا، معتبرا هذا البيان «لا يبشر بخير ويحمل كثيرا من المهادنة».
منسق عام الفصائل اعتبر أن أهم أحد أسباب تغير الوضع لصالح الثوار، هو «أن تتوقف الفصائل عن المراهنة على تحقيق أي نصر دون تلاحمهم واتحادهم واجتماعهم على قيادة واحدة.، والعمل على كسر الحصار بين بلدات الغوطة، وإعادة اللُحمة الجغرافية بين هذه القطاعات الثلاثة (دوما- حرستا- عربين) لتقوية عوامل الصمود، ومنع النظام وروسيا من التفرد بكل قطاع وبلدة على حدة عسكريا وسياسيا».
سيناريوهات
الأوضاع الجديدة في الغوطة، تضع الفصائل أمام خيارات صعبة جدا؛ نظرا للدعم الهائل الذي يصل للقوات السورية النظامية، في الوقت الذي تستخدم تلك القوات غارات مشبعة بأسلحة كيماوية ضد المدنيين، في ظل الحديث عن مفاوضات تدخل فيها الفصائل برعاية أممية من أجل ضمان سلامة الأهالي.
ونقلت رويترز عن وائل علوان، المتحدث باسم الفيلق، من مقره في إسطنبول قوله: «نقوم بترتيب مفاوضات جادة لضمان سلامة المدنيين وحمايتهم». وأضاف «أهم النقاط التي يجري تأكيدها والتفاوض على إجراءاتها هي وقف إطلاق النار وتأمين المساعدات للمدنيين وإخراج الحالات المرضية والمصابين لتلقي العلاج خارج الغوطة بضمانات أممية».
وذكر أن موضوع خروج الفيلق من الغوطة غير مطروح على الطاولة.
وتتعرّض مدن وبلدات الغوطة، التي يقطنها نحو 400 ألف مدني، منذ 19 فبراير الماضي، لحملة عسكرية تعتبر الأشرس من قبل النظام السوري وداعميه، أدّت إلى مقتل وجرح مئات المدنيين، بينهم أطفال ونساء.
وفي السياق ذاته، أوضح زين الدين، أنه «ليس هناك من خيار أمام الفصائل إلا الصبر والثبات ورص الصفوف والتلاحم مع الحاضنة الشعبية، فالعدو لا يقبل بغير الإبادة أو التهجير أو الاستسلام مؤكدا أن كل السياريوهات مرفوضة».
وأشار إلى أنه قد تحفف معارك في الجنوب والشمال على جبهات النظام تخفف معارك الجنوب من الضغط الحاصل على ثوار الغوطة، وهي معارك طال انتظارها وتأخرت كثيرا، لكن ننتظر بإذن الله أن يكون تأخيرها لزيادة قوّتها وفاعليتها ضد العدو المجرم بإذن الله.
وفي هذا الصدد قال المقداد: «إنه على الفصائل أن تشن عمليات عكسية وتقوم بمحاصرة قوات النظام بعد أن قطعت أوصال الغوطة وسيطرت على معظم المناطق، لافتا إلى أن «هذه الفصائل تستطيع أن تأخذ مجددا بزمام الأمور لأنها مناطقهم ويعرفونها أكثر من الغرباء، وهناك فيلق الرحمن برعوا في الكمائن والأنفاق».