تسبّبت كذبة جورج بوش ورجال الاستخبارات الأميركية في دمار هائل بالعراق، استمر حتى الآن؛ سواء على مستوى البنى التحتية أو السياسات المتخبطة، بجانب موجات الإرهاب التي طالت الغرب بسبب هذه الحرب؛ بالرغم من أنّ العراق لم يكن على صلحة بهجمات «11 سبتمبر» في أميركا.
واليوم يُصادف ذكرى أكبر عمل وحشي تسببت فيه السياسة الخارجية الأميركية، ألا وهو غزو العراق، الذي دمر حياة ملايين الأبرياء وألحق خسائر فادحة بالجيش الأميركي وعائلات أفراده؛ وهو القرار الذي شوّه أميركا إلى الأبد.
هذا ما يراه «وليام سميث»، الباحث في مركز الدراسات الدولية بالجماعة الكاثوليكية الأميركية، في مقاله بصحيفة «ذا هيل الأميركية» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّه بالرغم من أنّ صدام حسين كان ديكتاتورًا مستبدًا، فلم يشكّل تهديدًا مباشرًا لأميركا، ولم يمتلك أسلحة دمار شامل يومًا، وليس له أي دور في هجمات «11 سبتمبر»، والحجة القائلة إنّ غزو العراق كان جزءًا من الحرب على الإرهاب «مثيرة للسخرية»، بل كان غزوًا طائشًا اخترعه صانعو السياسة ذوو الدوافع الغامضة.
ولو قَتَلَ مجموعةٌ من الأطباءِ مرضى بسوء تشخيصهم لحوكموا على الفور، بينما لم يسائل أحد أصحاب قرار غزو العراق، ولم يشعروا يومًا بالخجل؛ بل وما زالوا مستمرين في تقديم نصائحهم لمرشحي الرئاسة الأميركيين، والموظفين السياسيين رفيعي المستوى، ويطلون بوجههم على القنوات الإعلامية محاولين إقناع الجمهور الأميركي بخبراتهم، ثم يظهرون على صفحات الرأي ليلصقوا تهمة خراب العراق بالرئيس السابق باراك أوباما أو الجيش والاستخبارات، وليس أنفسهم؛ حتى لم يعتذروا لآلاف الذين دمروا حياتهم، سواء في أميركا أو العراق.
وبريطانيا سبقت أميركا في الاعتراف بأنّ غزو العراق كان فسادًا وعملًا طائشًا؛ حتى إنّها فتحت تحقيقًا في 2009 أسمته «تحقيق العراق»، استمر سبع سنوات بقيادة السير «جون شيلكوت»؛ وحمّل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وكبار مستشاريه المسؤولية عن الكارثة، خاصة بعدما بعث برسالة لجورج دبليو بوش في 2002 قال فيها نصًا: «نحن معك»، ومن حينها عرف توني بـ«كلب بوش».
وأوضح التحقيق أنّ نوايا توني بلير لم تكن بقدر نوايا بوش بنفسها، واعتقد رئيس الوزراء البريطاني أنّ علاقة بلده مع أميركا تجعل من الضروري على بريطانيا المشاركة، كما حاول إبطاء اندفاع بوش نحو الغزو، وحذره مرارًا من تغيير النظام هناك بالقوة، ونصحه بالتركيز فقط على نزع أسلحة الدمار الشمال «التي تبين بعد أنها غير موجودة»، موجهًا له النصح أيضًا بضرورة اتباع المسالك الدبلوماسية الدولية عبر الأمم المتحدة وجذب دعم دولي، وتخصيص مزيد من الوقت لدراسة التحديات بعد غزو العراق.
لكنّ ما أثار قلق الأميركيين بشأن تقرير تشيلكوت ليست مشورة بلير لبوش، فالتقرير أكد أن جورج دبليو بوش كان عازمًا على غزو العراق رغم نصائح الحلفاء؛ فبغض النظر عما يراه المجتمع الدولي، وبغض النظر عما وجده مفتشو الأسلحة، وبغض النظر عن غياب أدلة على تورط العراق في الهجمات على أميركا أو علاقتها بتنظيم القاعدة، وبغض النظر عن الغموض الذي تضمنته معلومات الاستخبارات الأميركية عن أسلحة الدمار الشامل؛ كانت هذه الحرب صراعًا طائشًا، ولم يُساءَل فيها أحد من الأميركيين.
وبالرغم من محاسبة توني بلير في بريطانيا، من المتوقع أن يُحاسب بوش وكبار مسؤوليه عن جرائمهم هناك، لكن لم يحن وقتهم بعد؛ فعندما أصدر شيلكوت تقريره عن التحقيقات عام 2016 أصدر المتحدث الرسمي بيانًا رسميًا متحديًا «استمرار بوش في الاعتقاد بأن العالم سيصبح مكانًا أفضل من دون وجود صدام حسين في السلطة».
ويكشف الموت والدمار الذي لا يسبر غورًا، اللذان أطلقتهما أميركا في العراق وأماكن أخرى تزامنًا مع الغزو، التحدي المستمر عن براعة أخلاقية مذهلة؛ لكنها في الحقيقة مهينة للغاية للأميركيين.
وبالنظر إلى أنّ مهندسي الكارثة العراقية ما زالوا موجودين، وكثير منهم الآن متلهفون لمجابهة إيران وسوريا وروسيا وغيرهم، هناك سبب إضافي لضرورة وجود نسخة أميركية من تحقيق شيلكوت؛ فجمهوريات التاريخ العظيمة كلها متورطة في حروب طائشة. لكن، إذا كانت أميركا ستسلك هذا الطريق؛ يجب على الأقل أن تفعل ذلك وعيونها مفتوحة عمّن قادها إلى هذا الطريق.