أثارت جولات ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مخاوف من سعيه إلى تكوين تحالف يميني متطرف عبر المحليط الأطلسي، حتى بعد طرده من البيت الأبيض. ويبدو أنّ فصله لم يثنِ الجماعات القومية من فرنسا لسويسرا عن فرش السجادة الحمراء له؛ وهو ما يمثّل صعودًا جديدًا لليمينيين والعنصريين في كل مكان بالعالم.
هذا ما تراه الكاتبة «ماليا بوطيا»، الرئيسة السابقة للاتحاد الوطني للطلاب في بريطانيا، في مقالها بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمت «شبكة رصد»، وتضيف أنّ بانون يريد جمع الموقوفين البيض والفاشيين والجماعات العنصرية تحت راية واحدة، ولن يكون مفاجئًا إذا ما وصفته هذه المنظمات والمجموعات بأنه «بطل»؛ خاصة في الأماكن التي يتردد عليها.
وفي إيطاليا، احتفل بانون مع اليمينيين وفوزهم بالمقاعد التي حصلوا عليها في البرلمان الإيطالي، وهي أحزاب «مناهضة» للمؤسسات. ثم توجّه من إيطاليا نحو سويسرا، وفي خطابه من زيوريخ أمام التجمع الوطني الذي نظّمته مجلة «دي ويلتشوه» اليمينية، وصف بانون صعود اليمنيين المتطرف في الغرب بـ«الحركة، التي تمثل بداية التاريخ لصالحنا».
وأظهر بانون استهتاره الكامل في خطاباته المختلفة في الخارج أمام اليمنيين أمثاله بتأثيرات العبودية والاستعمار والتدخل السياسي والاقتصادي الغربي المستمر في دول العالم؛ خاصة إفريقيا.
كما أشاد بانون باللقب الذي منحه رئيس الوزراء المجري لنفسه: «المناهض للمهاجرين»، وحشد الكراهية المعادية للأجانب وعبّها، وخصوصًا المسلمين في المجر، متهمًا أيّ مؤسسة تسعى لحماية اللاجئين بـ«التواطؤ في تدهور الثقافة المسيحية لصالح تقدم الدين الإسلامي».
وكان بانون العقل المدبر وراء قرارات ترامب بحظر سفر المسلمين إلى أميركا، وهو الذي قدّم الدعم الصريح لحزب «البديل» اليميني المتطرف الألماني. وفي خطاب بالمؤتمر السنوي للجبهة الوطنية، خاطب الحضور كما لو أنه في ورشة عمل مناهضة للهجرة والمسلمين؛ وهو نهج يتماشى مع تصور اليمنيين المتطرف في كل مكان وصل إليه.
وقال بانون أمام الحضور في ثقة: «أنت تحارب من أجل بلدك ثم يصفونك بالعنصرية، لكنّ هذه الأيام مضت، ووسائل الإعلام هي كلاب المؤسسات والنظم، وكل يوم عن الآخر نصبح أقوى وهم أضعف، دعهم يطلقون عليك كاره الأجانب أو العنصري أو أيّا ما يريدونه، فقط استمر».
وما يفعله بانون تفوق على النزعة العنصرية لدى الألمان إبّان حكم هتلر، مضيفة أنه الوحيد الذي ألبس العنصرية ثوب الشرف، تزامنًا مع الوقت الذي يتسارع فيه الفاشيون والمنظمات اليمينية من كل حدب وصوب في الاختباء تحت عباءة الاحترام. ويرى الناشط الفرنسي في مجال حقوق الإنسان «ياسر لؤيتي» أنّ التعاون عبر المحيط الأطلسي بين المنظمات اليمينية في أوربا وأميركا بدأ في الاتضاح».
وأكد لؤيتي أن عودة «الجبهة القومية للعصرية الفاضحة» جاءت بعد 15 عامًا من الجهود الدؤوبة لإبقائهم تحت السطح بأفكارهم، وساهم مجيء دونالد ترامب رئيسًا لأميركا في إحيائهم من جديدة، ومعه ظهرت شبكة متكاملة من الكارهين للإسلام والمؤمنين بنظرية المؤامرة.
وما يزيد الأمور سوءًا أنّ صعود الفاضية والعنصرية والكراهية ضد الأجانب أصبح أزمة عالمية كبرى؛ فالملاحظ في كل انتحابات أوروبية وأميركية أنهم بدؤوا في الظهور بكثرة والتعبير عن أفكارهم العنصرية بطرق علانية وأكثر صراحة عن ذي قبل، موضحة أنّ بانون وأمثاله لديهم موارد متعددة وداعمون من كل جهة، ويستطيعون إقامة علاقات مترابطة مع العنصريين أمثالهم من كل مكان في العام، ويعملون على جذب «القلوب والعقول معًا».
وذهبت الأمور إلى أبعد من ذلك؛ إذ وصف بانون وداعموه الخائفون من التعبير عن آرائهم هذه بـ«الخائفين الجبناء»، كما ساهمت الأزمة الاقاصادية في 2008 بصعودهم؛ لكن لم يصعدوا بوتيرة متسارعة إلا في العامين الأخيرين، وبدؤوا بإثارة الكراهية أولًا ضد المسلمين وضد المهاجرين، وكانت رسالتهم واضحة من وستمنستر لباريس لواشنطن لنيودلهي وبريتوريا وموسكو: لا تلوموا السياسيين؛ بل لوموا هذه المجموعات العرقية، مثل المسلمين والمهاجرين والسود والآسيويين.
ويصوّر بانون وترامب صورة كئيبة عن الاتجاه العالمي الحالي، رجال أعمال مليونيرات يسيطرون على أقوى دولة في العالم؛ وهو الأمر الذي يشجع الآخرين في الدول الأخرى على انتهاج نهجهم العنصري والمعادي.
وأوضحت أنّ الأمور بنهجها الحالي تعيد إلى الذهان كيف كانت الأوضاع في الثلاينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حينما تمكن الفاشيون من حشد آراء شعبية مواتية لهم هاجموا بها المختلفين، ومثلما يحدث الآن، كانوا يتمتعون بتأييد سياسي وعسكري كبير، وعلى الأطراف العادلة والمنطقية في العالم ضرورة مواجهتهم بأساليب أكثر تحضرًا، أو كما قال المطرب البريطاني الشهير لينتون كويسي جونسون: «عندما يبدي الفاشيون استعدادهم للهجوم علينا أن نقاتلهم مرة أخرى».