اتّهم عبدالله، نجل الدكتور محمد مرسي، نظام عبدالفتاح السيسي بالرغبة في موت والده داخل السجن؛ خاصة وأنه يعاني من أوضاع خطيرة في السجن الآن وعائلته ممنوعة من زيارته، كما يتعرض لإهمال طبي قد يودي بحياته.
وفي مقاله بصحيفة «واشنطن بوست»، ندّد عبدالله بموقف الدول الغربية الداعمة للسيسي بالرغم من الانتهاكات الحقوقية التي يرتكبها نظامه، متهمًا الغرب بدعم الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي للتخلص من مرسي بسبب انتمائه للتيار الإسلامي.
وفيما يأتي النص الكامل لمقاله وترجمته «عربي 21»:
يعيش رئيس مصر المنتخب الوحيد بشكل شرعي في السجن منذ ما يقرب من خمسة أعوام. وكان والدي، محمد مرسي، قد فاز بنسبة 52 بالمائة من الأصوات في عام 2012 عندما عشنا تجربة أول انتخابات ديمقراطية حقيقية في تاريخ البلاد، ثم ما لبث أن سجن على إثر الانقلاب العسكري الدموي في عام 2013. أما ما يسمى بالانتخابات الرئاسية التي توشك أن تجري في الفترة من 26 إلى 28 مارس فلا تعدو كونها مسرحية هزلية مقارنة بانتخابات عام 2012.
فمن بين سبعة مرشحين معارضين في مصر لم يسمح سوى لواحد بالتنافس مع عبد الفتاح السيسي، واسم هذا المرشح موسى مصطفى موسى الذي يتزعم حزب الغد. يزعم موسى أنه معارض، ولكنه في واقع الأمر قضى جل وقته خلال الشهور الأخيرة يجمع تواقيع خمسة وعشرين ألف مواطن مصري لدعم ترشيح السيسي، الأمر الذي يجعل ادعاءه أنه من المعارضة مدعاة للسخرية.
أما الآخرون؟ فبعضهم ألقي القبض عليهم بينما انسحب آخرون. بعض من انسحبوا اتخذوا قرارهم احتجاجاً على الطريقة السخيفة التي تجرى بها الانتخابات، بينما تعرض غيرهم للتهديد والإيذاء. ونظراً لأن «اختيارنا» بات محدوداً بطاغية يمارس العنف ضد شعبه وبدمية متواطئ معه، فقد بتنا معشر المصريين غير قادرين على ممارسة حقنا في الانتخاب بحرية.
سُمح لنا برؤية والدي مرتين فقط لا غير، وهو الآن محتجز في ظروف بائسة جداً في حبس انفرادي يحال فيه بينه وبين العلاج الطبي رغم معاناته من أمراض خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري، ولقد ساءت أحواله لدرجة أنه يكاد يفقد الرؤية في عينه اليسرى. وتساورنا شكوك بأن السلطات المصرية إنما تقوم بذلك عن قصد وتعمد لأنها تود أن تراه يفارق الحياة «لأسباب طبيعية» في أقرب وقت ممكن. تعكس ظروف اعتقال والدي ما عليه حال الديمقراطية المصرية في هذا الوقت: فهي الأخرى رهن الاعتقال بحجة ما يسمى إجراءات مكافحة الإرهاب، وتتعرض للأذى، بينما يتجاهلها جل المجتمع الدولي.
وبالفعل، بعد أن أشاد المجتمع الدولي بالربيع العربي الذي انطلق في عام 2011 وبتحرر الشعب المصري من القبضة الحديدية لحكم الرئيس حسني مبارك، إلا أنه لم يتمكن من تقبل حقيقة أن الشعب المصري صوت بأغلبيته لصالح والدي ولصالح حزبه السياسي. وفجأة أصبح حقنا في الاقتراع الحر أقل من مقدس لا لسبب سوى أننا اخترنا «إسلامياً» ليحكمنا. ثم جاء الانقلاب العسكري ليحظى بدعم غربي، الأمر الذي يفضح المعايير المزدوجة لدى صناع القرار في الغرب.
لم يُفعل شيء منذ ذلك الوقت لمنع مصر من الانزلاق ثانية نحو الدكتاتورية، ولم يقل أحد شيئاً عندما أطلقت النيران على الآلاف من أنصار مرسي في ميدان رابعة في عام 2013 ما أفضى إلى مقتل 817 شخصاً بحسب تقرير صادر عن منظمة هيومان رايتس واتش. وظل العالم صامتاً بعد ذلك حينما أصدرت محاكمات جماعية أحكاماً بالإعدام أو بالسجن المؤبد على المئات من الأبرياء. واستمر هذا النمط من التواطؤ حينما خرجت إلى العلن حكايات الاختفاء القسري وممارسة التعذيب ونشرت بعض أخبارها في وسائل الإعلام العالمية. ما من شك في أن الرد الدبلوماسي الضعيف على هذه الممارسات مثل إقراراً لنظام لا ينفك عن ممارسة القمع والخطف ونصب المحاكمات الزائفة وإصدار أحكام الإعدام.
يقوم الموقف الغربي المؤيد للسيسي على أساس من ادعاء باطل بأن اعتقال الزعماء السياسيين الإسلاميين إنما هو جزء ضروري من الحرب ضد التطرف. يبدو أن السياسيين الغربيين يقبلون بالخطاب الذي يسعى لتخويفهم من الإخوان المسلمين على اعتبار أن لديهم أجندة خفية. ويعزز هذا الخطاب ذلك التمييز الذي كثيراً ما نراه في وسائل الإعلام العالمية بين المعتقلين السياسيين «الإسلاميين» المصريين وبين المعتقلين السياسيين العلمانيين واليساريين المصريين. حيث إن المحاكمات الجائرة والاعتقالات غير الشرعية للعلمانيين واليساريين تصور كما لو كانت أكثر هولاً مما يتعرض له الإسلاميون.
لقد أدى القمع الوحشي لكل شكل من أشكال المعارضة السياسية الاعتيادية – سواء في الإعلام أو في المجتمع المدني أو في أوساط مؤيدي الإخوان المسلمين أو داخل الأحزاب الليبرالية – إلى تزويد فرع سيناء من تنظيم الدولة الإسلامية بفرصة سانحة لتجنيد أعداد جديدة من المصريين الذين دفعت بهم الأوضاع المأساوية إلى مصائد التطرف والغلو.
كم من التقارير يحتاج إليها المجتمع الدولي حتى يتحرك؟ كم يحتاج من حالات الاختفاء القسري؟ كم يحتاج من الرؤساء المسجونين؟
لم يعد بإمكاني ولا بإمكان عائلتي انتظار المزيد من ذلك. قبل أسبوعين، وبناء على طلبنا، أسس ثلاثة من البرلمانيين البريطانيين هيئة مستقلة للتحقيق في الاعتقال وذلك لتقييم الظروف التي يتم فيها احتجاز والدي. وجهت الهيئة طلباً إلى الحكومة المصرية بالسماح لها بزيارة سجن طرة حيث نعتقد بأن والدي معتقل. ولكنا لم نتلق رداً حتى الآن.
لا يبدو أن الحكومات الغربية يزعجها ما يقوم به النظام في مصر. ففي عام 2014 وقعت فرنسا ومصر صفقة سلاح زادت بموجبها مبيعات أسلحتها إلى مصر بنسبة 37 بالمائة مقارنة بالعام الذي سبقه. في نفس تلك السنة أرسلت الولايات المتحدة – التي لا تزال الداعم الأكبر للعسكر في مصر – بما قيمته 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية إلى القاهرة.
وإذا لم يكن ذلك كافيا، فقد ورد في تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة ما يثبت أن مصر باتت مستقبلة للسلاح من كوريا الشمالية. لكن مهما كانت الدولة المصرية الحالية مارقة، فلا يبدو أن ذلك يغير من الأمر شيئاً.
لماذا لا يسمحون لنا بزيارة والدي؟
إذا كان يساورهم القلق من أن المطالبة بزيارة سجين قد يهدد سمعتهم – بينما لا يزعجهم الحصول على سلاح من كوريا الشمالية – فلابد أن لديهم ما يخفونهم مما يسيء. نريد أجوبة، ونريدها الآن.