أيام قليلة تفصلنا عن موعد مسيرة العودة الكبرى، المقررة في تاريخ 30 مارس، والتي تنطلق باتجاه السلك الفاصل شرق قطاع غزة، لتكون بحسب مراقبين نقطة فاصلة في القضية الفلسطينية، بما تحمله من رسائل وتحديات، وتداعيات كبرى على القضية الفلسطينية، والوضع الأمني داخل فلسطين خلال الفترة المقبلة.
وكانت الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار أعلنت، في وقت سابق، انطلاق التحضير لفعاليات مسيرة العودة الكبرى من الضفة وقطاع غزة باتجاه الحدود بين القطاع والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 في نهاية الشهر الجاري.
ومن المقرر أن تتخلل المسيرة، فعاليات التخييم لمدة زمنية محددة على طول الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، وتوجيه رسائل إليه وللمجتمع الدولي برفض الاحتلال والتمسك بحق العودة.
وصرح مروان أبونصر، عضو لجنة العمل الجماهيري بمسيرة العودة الكبرى، أن هيئات ولجان العمل شرعت في الانتهاء من التجهيزات الميدانية للمسيرة، للبدء بالاعتصام الحدودي، يوم الجمعة المقبل، والذي لن ينتهي قبل أن تتحقق أهداف المسيرة.
رسائل المسيرة
تستند الهيئة في دعوتها لمسيرات العودة إلى المادة 11 من قرار الأمم المتحدة 194، وهو القرار الذي يؤكد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وتواصل الهيئة على مدار الفترة الماضية الاستعداد للمسيرة، التي تبعث من خلالها برسائل واضحة للاحتلال وللعالم بأسره، وترفع القضية إلى قمة اهتمامات العالم، بعد أن تراجعت نظرا لما يعانيه العالم العربي، وبروز أزمات أخرى كبرى خلال السنوات الماضية.
واعتبر الكاتب الفلسطيني إبراهيم المدهون، أن مسيرة العودة «فرصة أمام الشعب الفلسطيني للخروج من المأزق والخروج من عنق الزجاجة التي وضعت فيه القضية الفلسطينية، خاصة ونحن نعيش حالة من حالات التآمر الدولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية عبر تصفية القضية».
وقال المدهون، في تصريح لـ«رصد»، إن المسيرة تأتي في وقت وصلت فيه السلطة الفلسطينية لطريق مسدود في عملية التسوية ويبدو أنها غير قادرة على الخروج من هذا الوضع، ولذا فهي تطرح على الطاولة أبرز القضايا المركزية، وهي «حق العودة» و«القدس عاصمة لفلسطين».
وأشار المدهون إلى أنها رسالة واضحة لـ«مواجهة صفقة القرن ومؤامرة ترامب على القضية الفلسطينية والحديث عن أرض بديلة في سيناء».
و«صفقة القرن»، هو مصطلح يطلق على مقترح لم يعلن عنه حتى الآن، وضعه الرئيس الأميركي دونالد ترمپ لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بحسب ترتيبات، وتهدف الصفقة بشكل رئيسي إلى توطين الفلسطينيين في وطن بديل، خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنهاء حق اللجوء للاجئين الفلسطيين في خارج فلسطين.
تحديات
ويبدو من التجهيزات والمحاولات المستميتة للاحتلال، لعدم استكمال التحضيرات، ومنع انطلاق المسيرة، كيف ستكون التحديات التي تواجه المنظمين، والمشاركين، وما هي المخاطر التي يتجهز لها الشعب الفلسطيني جراء تداعيات المسيرة.
وأوضح المدهون، أن المسيرات ستتجه ناحية الأراضي المحتلة عام 1948، وأبرز ما يقلق الاحتلال هو أنهم سيذهبون دون سلاح، حاملين العلم الفلسطيني فقط، وحق عودتهم.
ولفت الكاتب السياسي، إلى أن أبرز التحديات التي تواجه المسيرة ستكون «القوة الإسرائيلية المفروضة» قائلا: «نحن أمام عدو مجرم قد يرتكب مجازر ويواجه المدنيين العزل بالرصاص والقنابل والغاز السام ولهذا هناك تحسب من أن يقوم الجانب الاسرائيلي بالتعامل بالعنف، وهذه أكبر العقبات».
وتابع أن التحدي الثاني سيكون الخذلان للمسيرة من التغطية الإعلامية والظهير الشعبي ولهذا فنحن أمام مرحلة حاسمة وفاصلة لأنها الفرصة الكبرى أمام لشعب الفلسطيني لمواجهة المشروع الصهيوني.
ولكن المحلل السياسي أكرم عطا الله، رأى في تصريحات صحفية، أن «إسرائيل» ستقف عاجزة عن المواجهة ولن تستطع ممارسة القتل بالجملة أمام كاميرات العالم، وبذلك تكون المسيرة عرَّت إسرائيل مجددا أمام الرأي العام العالمي، ويكسب قضيتنا مزيدا من التعاطف على أكثر من مستوى.
ولفت إلى أن «إسرائيل» لم تكن تتوقع أن الفعل السلمي بهذا الحجم يخرج من قطاع غزة، كون القطاع يمتاز بنمط المقاومة العسكرية، وكانت إسرائيل تتوقع الفعل الشعبي والسلمي أن يخرج من الضفة المحتلة.
تحضيرات المواجهة
الاحتلال لم يقف خلال الأيام الماضية مكتوف الأيدي، أمام مسيرة تشكل بالنسبة له تهديدا مباشرا، وتعريه أمام العالم أجمع، وبحسب القناة الإسرائيلية الثانية، فإن الاحتلال بدأ يجهز سيناريوهات عدة لما قد يحمل اليوم من مفاجآت، بما في ذلك مواجهة عنيفة وحملة اعتقالات جماعية لمتظاهرين قد يحاولون اجتياز الشريط الحدودي.
وأشار المحلل العسكري في موقع «والا» العبري، أمير بوخبوط، أن الجيش الإسرائيلي متخوف من تأثير مسيرات العودة بغزة، على الضفة الغربية، والذي يكمن في اشتعال الضفة الغربية، لو تم التعامل بشكل غير جيد مع مسيرات العودة.
كما نشرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الثلاثاء، أن هناك محادثات سرية بين الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، من أجل منع التصعيد عشية مسيرة العودة المرتقبة.
وبحث وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، في اجتماع مع قيادة مصلحة السجون، الاكتظاظ في السجون الإسرائيلية، في احتمالات زيادة كبيرة لأعداد المعتقلين يوم «مسيرة العودة»، ينوي إردان اللجوء للحكومة، وطلب الحصول على إذن خاص لاستخدام قوانين الطوارئ التي تسمح بالتحايل على توجيهات المحكمة العليا بشأن ظروف الاعتقال.
كما بدأت قوات الاحتلال، منذ أيام، وضع أسلاك شائكة جديدة، في محاولة لمنع الفلسطينيين من عبور السياج باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويقوم جنود إسرائيليون، ترافقهم جرافات وآليات عسكرية، بتسوية الأراضي الحدودية، ووضع الأسلاك الشائكة الدائرية على الأرض، لجعل اقتحام الفلسطينيين للحدود أمرا صعبا، فيما تقوم قوات أخرى برفع سواتر من الرمال داخل الحدود، لتمركز قوات الاحتلال المنوط بها التصدي للمتظاهرين.
كما بدأت قوات الاحتلال إجراء مناورات تدريبية على كيفية مواجهة المشاركين في المسيرة، والتصدي لها.
وفي المقابل، كشف أبو النصر أنه جرى الاستعاد بكل وسائل النقل بجميع مفترقات محافظات غزة، وستنقل المواطنين إلى خيام العودة التي تم تجهيزها للاعتصام، مطمئنا أن وسائل الراحة ستكون متوافرة لتعزيز صمود المعتصمين سواء من مياه أو مأكولات أو مرافق صحية.
وبين أن اللجنة أنهت التنسيق مع وزارة الصحة والداخلية وباقي الهيئات الرسمية وغير الرسمية اللازمة لتوفير الحماية اللازمة للمعتصمين، غير أن وسائل النقل ستبقى تنقل المواطنين إلى أماكن الاعتصام ذهابا وايابا على مدار الساعة في الأيام المقبلة.