أثار فوز عبدالفتاح السيسي بولاية رئاسية ثانية تساؤلات بشأن مستقبل الدولة السلطوية، والمعارضة التي أصبحت محاصرة من كل اتجاه؛ بعدما تعهّد بالعمل من أجل جميع المصريين، بمن فيهم من لم يصوتوا له، وقوله إنّه سيتسامح مع الاختلاف في الرأي ما لم يكن ضد «المصلحة الوطنية»؛ وفقًا لـشبكة «فوكس نيوز» الأميركية وترجمته «شبكة رصد».
وقال «ميشيل دان»، الباحث في معهد كارنيجي للسلام: لم يقتنع أحدٌ بكلام السيسي عن التضمين والاحتواء، والسؤال الحقيقي بشأن مستقبل المعارضة التي ارتفعت بعد ثورات الربيع العربي؛ فـ«الرئيس المصري» أكّد في الماضي على ضمان الحريات السياسية التي كفلها الدستور، لكنه أمر لم يحدث. فجميع قيادات «ثورة يناير» وحتى المعارضين القدامى سجنوا أو نفيوا أو قتلوا.
مؤشرات قوية
الظاهر أنّ فوز السيسي كان ساحقًا، خاصة بعد حصوله على 97% من الأصوات؛ غير أنّ نسبة المشاركة لم تتجاوز 41% بالرغم من الحملة الحكومية لحثّ المواطنين على التصويت بدعوى أنه «واجب وطني».
المؤشر الأول المهم: أعداد الأصوات الباطلة، التي بلغت وفقًا للهيئة الوطنية للانتخابات 1.7 مليون بطاقة اقتراع؛ وهو ما يفوق عدد الذين صوتوا لموسى مصطفى موسى. والأمر طبيعي؛ بسبب الأجواء التي أجريت فيها الانتخابات، وحملات الترهيب التي طالت المرشحين الجادين وإجبارهم على الانحساب.
المؤشر الثاني: الغياب الواضح للمشاركة الشبابية في الانتخابات. وقال أندرو ميلر، نائب مدير مشروع كارنيجي، إنّ غياب المشاركة يعني أنّ المواطنين كانت لديهم حوافز أقل نحو الانتخابات؛ فكانوا متيقنين من فوز السيسي ولم يروا جدوى لتصويتهم.
وحثّ «ميشيل دان» الحكومة الأميركية على ألا تهنئ السيسي بفوزه في الانتخابات؛ بسبب حنثه بوعوده؛ ففي الماضي تعهّد بألا يترشح للانتخابات، ثم ترشح، وتعهّد باحترام الحد الأقصى المسموح به للرئاسة، وها هو يحاول تغيير الدستور، وشرع في القضاء على المعارضة بمختلف أطيافها، وأنكر أنه أثنى أيّ مرشح عن خوض المنافسة؛ بالرغم مما شاهده العالم.
مزيد من السلطوية
وأكّد «أندرو» أنّ الطريق أصبح ممهدًا أمام السيسي بسبب دعم الحلفاء الغربيين له، الذين تغاضوا عن تزايد علامات الاستبداد؛ فغياب الاستجابة السياسية الدولية وفّر مجالًا أكبر للمناورة، كما إنّ الغرب يعتبر ما يحدث في مصر أقل أهمية عندهم.
وأضاف أنّه بالرغم من الانتهاكات الحقوقية التي ارتكبها نظام السيسي، فأميركا والدول الأوروبية فضلا استمرار التعاون الأمني مع مصر، ذات الموقع الاستراتيجي؛ متجاهلة المخاوف المتعلقة بالقيم الديمقراطية وحرية التعبير وإبداء الرأي.
وأوضح الخبير السياسي أنّ السيسي يواجه تحديات كبرى، بما فيها القضاء على «التمرد الإرهابي» في شمال سيناء وأماكن أخرى، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
هيكل سياسي ضعيف
كما يتفق الخبراء أيضًا على أنّ الانتخابات أبرزت مدى تراجع النشاط الحزبي في مصر؛ بسبب قمع الإعلام والمجتمع المدني وإغلاق المجال السياسي. لكن، يقول سعيد صادق، أستاذ الإعلام السياسي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إنّ هذا لن يؤدي إلى انتفاضة شعبية أخرى؛ فمسألة قيام ثورة ثالثة في مصر صعبة للغاية ومستحيلة، فالنظام تمكّن من تعزيز نفسه، وهناك ثورة مضادة تسيطر حاليًا على الإعلام والثقافة؛ ويعتبر الثوار اليوم أعداء للدولة.
وأضاف أنّ الجمهور المصري سأم حالة الاضطراب التي أعقبت الثورات السابقة، إضافة إلى المخاوف من انهيار الجهاز الأمني الذي تمكّن بصعوبة من استعادة وضعه السابق.
وأكّد الخبراء أيضًا أنّ هناك درسًا يمكن استخلاصه من الثورة، وهو أنّ التطوّر السياسي لا يقلّ أهمية عن التنمية الاقتصادية. لذا؛ حتى تتمتع مصر باستقرار ومستقبل أفضل، هناك حاجة ملحة لنظام ناجح يساعد على تأسيس بنى تحتية سياسية قوية تضمن دستورًا محترمًا، ووسائل إعلام حرة، وأحزابًا سياسية مسؤولة، إضافة إلى ضرورة وجود مجتمع مدني نشط.