من بين كل التأرجحات الجامحة في الاستثمار العالمي منذ أزمة عام 2008، يوجد عامل واحد ظل مستقرا وهو تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر من العالم المتقدم إلى الأسواق الناشئة.
ووفقا لتقرير صادر عن معهد التمويل الدولي في نهاية الأسبوع الماضي، فإن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر سيبلغ هذا العام نحو 513 مليار دولار، أي نصف إجمالي تدفق رأس المال الخاص من العالم المتقدم إلى الأسواق الناشئة في العام القادم، ويمكن أن يصل الرقم إلى 536 مليار دولار، مما يقترب من الرقم الذي تم تحقيقه في 2008 و هو 560 مليار دولار.
إن مدى أهمية حجم الاستثمارات، هو استقرار نسبي, انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر مع بداية الأزمة من ذروته في 2008 إلى انخفاض في 2009 بقيمة 357 مليار دولار قبل أن ينتعش سريعا ليصل إلى 526 مليار دولار في العام الماضي.
لكن هذه التأرجحات ليست شيئا مقارنة بعدم ثبات إجمالي تدفق رأس المال المباشر إلى الأسواق الناشئة، الذي انخفض بشدة من ذروته في عام 2007 المقدرة بـ 1,236 مليار دولار إلى أقل من 700 مليار دولار في كل من 2008 و 2009.
هذه الاستثمارات تعكس سرعة توسع الشركات متعددة الجنسيات الغربية واليابانية في الأسواق الناشئة؛ لكي تعوض الأسواق الضعيفة في الداخل وتستفيد من فرص النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة الرائدة، وخصوصا الصين.
تستجيب الشركات المتعددة الجنسيات إلى حقيقة أن الأسواق الناشئة تنمو أسرع بكثير من الاقتصاديات المتقدمة.
وبالنسبة لعام 2012، فيتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي للأسواق الناشئة بنسبة 5.3 % مقارنة بنسبة 1.3% للعالم المتقدم.
لقد أنتجت الأسواق الناشئة نحو 60 % من النمو الاقتصادي منذ عام 2008. وإذا وقعت منطقة اليورو في ركود عميق، فمن الممكن أن يرتفع الرقم إلى 75 %. وكما يقول شين تيدجاراتي في شركة هانيويل – المجموعة الهندسية في الولايات المتحدة، ''لقد ظهرت بالفعل الأسواق الناشئة. فهي تنتج من 20 إلى 25 % من المبيعات و50 %من نمو المبيعات''.
ويقول معهد التمويل الدولي، حتى التباطؤ في الصين، التي هي إلى حد بعيد أكبر اقتصاد ناشيء، لن يغير من النظرة التفاؤلية للاستثمار الأجنبي المباشر في الأسواق الناشئة ككل. في حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في حالة ركود، فإن ذلك يتم تعويضه عن طريق زيادة كبيرة في الاستثمارات في أمريكا اللاتينية، حيث تضاعفت التدفقات الداخلية في خمس سنوات. يستثمر مديرو الصندوق كميات ضخمة في الأسواق المالية العالمية الناشئة، وخاصة السندات المحلية. الكميات كبيرة جدا لدرجة أن صندوق النقد الدولي حذر في الأسبوع الماضي من العواقب المحتملة بالنسبة للبلدان المتلقية، لو ذهبت هذه التدفقات فجأة في الاتجاه المعاكس.
نصح صندوق النقد الدولي الاقتصادات الناشئة بتحسين بنوكها، و تقوية التنظيم المالي، واستخدام سياسات مالية ونقدية حكيمة. ومع القيام بكل ذلك، يتعين على الحكومات أن تضع في عين الحسبان المستثمرين المباشرين الأجانب والفوائد الكبيرة التي يجلبونها باستيراد التكنولوجيا، والمهارات الإدارية، إضافة إلى رأس المال. يجب أن يتأكدوا من أن القيود التي تفرضها بعض البلاد – و على رأسها البرازيل – على تدفقات رأس المال قصيرة المدى لا تضر قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. و يجب أن يحدوا من تأثير التدابير الحمائية التي قد صدرت أثناء الأزمة و تعارض ما يدعو إلى المزيد من القيود. يجب أن يتذكروا أن الاستثمار الأجنبي المباشر ذو اتجاهين. فشركات من الصين، الهند، البرازيل، وأي مكان آخر تستثمر في بلد أجنبية – والاستثمار الأجنبي المباشر ليس فقط مسألة نقل وظائف من العالم المتقدم إلى بقية العالم، ولكنه يتضمن إنعاش الصناعات في الغرب.
إن عمال ''جاجوار لاند روفر'' – شركة صناعة السيارات ومقرها بريطانيا، والتي هي ملك الآن ''تاتا موتورز'' الهندية – سيصدقون على ذلك.