كما كان متوقعًا، جاءت الضربات الأميركية محدودة الحجم والهدف الأساسي، ولم تتجاوز البنى التحتية الكيميائية في سوريا، ولم تغيّر أيّ شيء في الاستراتجية المتبعة فيها منذ مدة، ولم تكن لها علاقة بالشعب السوري أو تضحياته أو حتى بالرئيس بشار الأسد، الذي غادر قصره للاختباء في قاعدة روسية.
فالضربات استهدفت روسيا وسياساتها داخل سوريا وخارجها؛ وهو ما أراده بشار وحلفاؤه الإيرانيون بالضبط، والسوريون وحدهم يدفعون الثمن؛ بحياتهم وحقوقهم وعلى حساب استقرارهم ودمائهم. كما إنّ بشار ليس أكثر من قطعة شطرنج أو ورقة مساومة في أيدي الروس والإيرانيين، وهو الذي وصفه الرئيس الأميركي بالحيوان والطاغية ومجرم الحرب، وهو ما ردده رئيس الوزراء البريطاني من بعده، الذي يتعامل معه أيضًا ورقة مساومة أمام الروس.
هذا ما يراه الأكاديمي والكاتب السعودي «خالد الدخيل» في مقاله بصحيفة «ميدل إيست مونيتور» وترجمته «شبكة رصد». مضيفًا أنّ في مثل هذا السيناريو السريالي، من الواضح أنّ الهدف من الغارات الجوية الأميركية والفرنسية والبريطانية ليس الحدّ من القدرات العسكرية لنظام بشار، فلم يعد ذا قيمة في الميزان الذي يسيطر على سوريا. وعلى أيّ حال، فشلوا في حماية الرئيس ونظامه قبل تدخل الروس.
ولم يكن الهدف من الضربات حماية الشعب السوري من النظام وحلفائه، ولو كان هذا الهدف الرئيس لأعلن القادة الغربيون الثلاثة عن موقف سياسي واضح لوقف سفك الدماء في سوريا وضرورة خروج المليشيات الأجنبية شرطًا لأيّ حلّ سياسي للأزمة. ومع ذلك، التزموا قبل الهجمات وبعدها بالصمت على شكل الحل السياسي ومصير الأسد وظروفهما.
بينما اقتصر الهدف من الغارات الجوية على مسألة التقارب والمواجهة بين روسيا والغرب، وفي الغالب بين روسيا وأميركا؛ ويحاول كل طرف تجنب الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، وهو ما قاله الرئيس دونالد ترامب ورئيسة الوزراء تيريزا ماي في خطاباتهما بعد الهجوم.
وكانت كلماتهما مباشرة عندما قالا إنّ الهدف لم يكن تغيير النظام السوري. وبذلك، ترك الاثنان الباب مفتوحًا أمام احتمالية تغيير النظام؛ فماذا عن قتل قوات بشار للسوريين بأسلحة غير كيميائية لأكثر من سبع سنوات؟
وإذا لم يكن الهدف حماية الشعب السوري من رئيسه أو حلفائه الأجانب؛ ألا يستحق القتل الجماعي بالأسلحة غير التقليدية أن يتوقف؟ ألا يحق إعلان موقف واضح من المليشيات الأجنبية؟ ما الهدف من الغارات الجوية إذا؟
وفي 2013، وعد باراك أوباما بضمان تدمير جميع الأسلحة الكيميائية السورية، وحصل على وعد من روسيا بالانضمام إليه في مسعاه، وفقًا لتعبيره حينها؛ لكنّ الهجمات الأخيرة كانت بعيدة كل البعد عن هذا الهدف. وبعبارة أخرى، كانت الضربات الجوية الأسبوع الماضي بمثابة رسالة مباشرة إلى فلاديمير بوتين؛ فوفقًا لترامب، خدع الزعيم الروسي الأميركيين بشأن الاتفاق على تدمير الأسلحة الكيميائية السورية المتوصّل إليها مع سلفه أوباما، بل أرسل أيضًا غازًا سام لقتل معارض روسي في بريطانيا!
وإذا كان الأمر صحيحًا، فهذا يعني أنّ الرئيس الروسي يتحدّى الغرب صراحة في قلب أوروبا الغربية وليس في سوريا فقط؛ لذلك اجتمعت الدول الغربية مع أميركا لإرسال رسالة إلى موسكو. لكن، بالرغم من ذلك، الضربات كانت بعيدة عن أيّ هدف روسي؛ لتجنب رد فعل موسكو!
ووصف النظام السوري الضربات بأنها «عدوان ثلاثي»؛ في محاولة يائسة لتشبيه الوضع بما حدث في مصر عام 1956. ومأساة هذا النظام ورئيسه ليست مع التاريخ فقط؛ لكن مع سوريا.
والآن، السماء مفتوحة في سوريا أمام الجميع، سواء روسيا أو أميركا أو إيران أو «إسرائيل»؛ وفقًا للقواعد التي وضعتها روسيا وليس النظام السوري، المسؤول الأول عن الوضع في سوريا؛ فالبلاد أصبحت مرة أخرى ساحة معركة للنزاعات الإقليمية والدولية التي لا يستطيع النظام التعامل معها، وبدلًا من استخدام موقعه الاستراتيجي لخدمة شعب سوريا، جعلها بشار منبرًا للقوات الأجنبية، وخصوصًا المليشيات الروسية والإيرانية الطائفية، ولم يدرك بعد أنه أهدر أهمية سوريا الاستراتيجية، بجانب إهدار الإرث الذي كلفه به والده.