عانى السوريون طوال السبع سنوات الماضية من كمّ هائل من الأخبار والمصائب التي وقعت فوق رؤوسهم؛ وتنوّعت بين طلقات حية على المتظاهرين، أو شخص قتل بواسطة قناص، أو حتى ارتكاب مجازر كاملة، بجانب القصف الكيميائي الذي كان معظم ضحاياه من الأطفال.
هذا ما رصدته البريطانية السورية الباحثة في المركز العالمي «رازان سافور» في مقالها بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّ معظم المدنيين في سوريا، وهي من بينهم، فقدوا الثقة في بعضهم بعضًا؛ حتى إنّه لا يجرؤ أحد على مناقشة أي قضية مع جار له.
وجوهر المشكلة التي واجهت السوريين، حتى من قبل الثورة، التعبير عن آرائهم؛ خوفًا من الاختفاء للأبد. ثم أضيفت لهذا الخوف الحرب الوحشية التي هددت الوجود السوري بأكمله؛ بعدما ذبحهم بشار بلا رحمة وأطلق عليهم «الشبيحة»، ولم تنجُ أسرة سورية من المصيبة؛ فإمّا قتل أب أو أخ أو أخت أو زوجة، أو حتى أقارب.
ذبح بلا رحمة
أتذكّر اليوم الذي تلقّى فيه والدي أنباء عن مقتل ثلاثة من أفراد عائلته، تجاوزت أعمارهم 55 عامًا، بفؤوس دون سبب؛ بعدما اقتحم حيّهم شبيحة بشار الأسد في حمص وذبحوهم بلا رحمة، وكان غريبًا. ولن أنسى أبدًا الوقت الذي سألت فيه والدي عما إذا كان يعرف اسمًا صادفته في قائمة الشهداء عام 2012؛ فأضاء وجهه عندما ألقيت عليه اسمًا، فأجاب: «نعم ، هذا ابن عمي، اعتدنا أن نكون دائمًا معًا في طفولتنا، هل اتصل بك؟».
وبالتالي؛ اسمحوا لي الإجابة عن السؤال التالي: ماذا يعني أن تكون سوريًا؟
أن تكون سوريًا يعني معرفة أنّ العالم ليس أبيض وأسود، وأنّ أميركا لم تنوِ أبدًا خدمتنا، وأنّ الضربات الجوية لن يكون لها تأثير كبير على نظام بشار. أن تكون سوريا يعني معرفة معنى التخلي عنها، وتفهم أنّ مصالح الدولة ستتغلب دائمًا على مصالح السوريين الحقيقيين.
أن تكون سوريًا يعني معرفة مدى الدمار الذي لحق بها في السنوات السبع الماضية، أن ترى بشار يتصرف وهو ضامن الإفلات من العقاب. أن تكون سوريًا يعني الثورة والتمرد والتظاهر السلمي حتى تضطر الثورة إلى حمل السلاح. أن تكون سوريًا يعني معرفة ما يعنيه اللعب، أن تُجبر أحيانًا على اللعب بقواعد غريبة عليك وعلى مجتعك؛ فقط كي تضمن أن تعيش في سلام أو أمان.
أن تكون سوريًا يعني معرفتك أنّ الوضع السوري برمته مثير للسخرية، أن تعرف معنى العدالة وألا تتخلى عنها، وأنّ تقديم الجناة إلى العدالة أملٌ لا بد من التمسك به. أن تكون سوريا يعني أنّك رأيت الموت بعينك مرارًا؛ وبالرغم من ذلك ما زالت تمتلك الأمل في يوم غد، أن تكون سوريًا يعني أنك إنسان يستحق الحياة.