في رواية «كيت آتكينسون» المبهرة لعام 2015 «إله في حالة خراب» عن الحرب والظلال التي تلقيها، حدث تغييرٌ للشخصية الرئيسة فيها مرّات؛ فالبطل طيّار في سلاح الجو الملكي يشارك في قصف جويّ على هامبورج في 1943، وتحقّق شقيقته في مدى تأثّر قتل المدنيين على ضميره.
وتساءلت الشقيقة: هل السكان المدنيون هدف مشروع؛ خاصة وأنهم أناس أبرياء؟ ألا يُشعرك ذلك بالغضب؟ فيجيبها الطيار: نحن لا نستهدف المدنيين، هل هناك حرب لا يسقط فها أبرياء؟ علينا أن ندمّر صناعاتهم واقتصادهم لنربح الحرب، ومساكنهم إذا لزم الأمر، أفعلُ ما أفعل للدفاع عن بلدنا وعن الحرية، نحن نخوض حربًا ضد عدو مميت، ونخاطر بحياتنا في كل مرة نطير فيها.
ومع تطوّر الرواية، تتعلم الشخصية الرئيسة وتدرك جيدًا أنّ هامبورج لم تكن نقطة تحوّل في الحرب التي يخوضها؛ بل نقطة انطلاق لأعنف هجوم دموي في التاريخ البشري: قصف هيروشيما ونجازاكي.
بهذا بدأت صحيفة «الجارديان» البريطانية مقالها، مضيفة أنّ بريطانيا لا تزال تحارب. لكن، لحسن الحظ، أنّ حربها لا تشبه «العالمية الأولى» في القرن الماضي. وفي الأسبوع الماضي، اعترف وزير الدفاع للمرة الأولى منذ أربع سنوات بأنّ القوات البريطانية تسبّبت في وقوع أضرار بالغة للمدنيين بسوريا والعراق؛ وأُطلقت قيفة من طائرة دون طيار في مارس الماضي قتلت (عن غير قصد) مدنيًا في شرق سوريا.
وجاء اعتراف رئيس دفاع بريطانيا بعد يوم واحد من إعلان الـ«بي بي سي» أنّ القوات البريطانية تسبّبت -على الأرجح- في مقتل مدنيين بمناسبات مختلفة، في حملات قصف وحشية ودامية؛ مطالبة بمحاسبة المسؤولين عن ذلك، أو على الأقل اتّخاذ خطوات حتى ولو صغرى في هذا الاتجاه.
قتْل بدم بارد
وهناك تباين واختلاف كبيران في أرقام وفيّات المدنيين بالإحصائيات المختلفة؛ فتكشف النتائج التي توصّل إليها الباحثون من مركز «إر وور» أنّ نحو ستة آلاف مدني قتلوا في حملات القصف والهجمات المختلفة بسوريا؛ وقد يكون السبب في ذلك أنّ قوات التحالف «أميركا وبريطانيا وفرنسا وأستراليا» لا تحقّق إلا في الهجمات التي تراها «ضرورية»؛ ما يثير مشاكل.
ويميل الجيش إلى التأكيد على الطبيعة الصعبة للضربات الجوية الدقيقة، وهو ما يشبه ما قالته الشخصية الرئيسة في رواية «كيت أتكينسون»؛ إذ تقود القوات البريطانية حربًا دون فهم حقيقي للتكاليف والخسائر، بينما يفهم المدنيون جيدًا أنّها مأساوية.
وتدّعي بريطانيا أنّ قوات الحلفاء «تقاتل بالفعل عدوًّا وحشيًّا ومدمّرًا، ولا يمتلك أدنى تخوّف من قتل المدنيين؛ بل فعل ذلك بدم بارد». لكنّ المسؤولية الأخلاقية تقع على عاتق الحلفاء الغربيين، مثل بريطانيا وأميركا وفرنسا؛ وهذا أمر صعب للغاية، خاصة عندما تحجم دولة بحجم بريطانيا عن الاعتراف بهذا الخطأ.
ويقول خبراء عسكريون أميركيون إنّ وجود مثل هذه الثغرات يثير مخاوف جديّة بشأن فكرة الامتثال لقوانين الحروب، المؤدية إلى تجنّب وضع كثير من الضحايا المدنين أثناء القصف؛ وتُقيّم الغارات الجوية، وحتى المدفعية بشكل مكثّف ودقيق لتجنّب الوفيات غير المقاتلة.
وإذا ما سُمح لهذا النوع من الحملة العسكرية بالاستمرار فأعداد ضحايا المدنيين ستفوق حدّ الاحتمال، وتتزامن هذه المخاوف مع المطالبات التي تنادي بوقف مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية، التي تستخدمها في ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي؛ ويجب على بريطانيا تقليص فجوة المصداقية في المحاسبة عن الخسائر بين صفوف المدنيين والتحقيق بشكل صحيح في ادّعاءات وقوع أضرار.