أكدت صحيفة «الجارديان»، البريطانية، أن السفارات الأجنبية في مصر، بدت مترددة أو متخوفة بشأن نقل مقراتها إلى العاصمة الإدارية الجديدة، مضيفة في تقرير صحفي عن سبب بناء الحكومة المصرية للعاصمة، أنها تواصلت مع السفارة البريطانية التي أكدت أن تلك الخطوة ما زالت قيد التقييم، رغم وعود الحكومة المصرية بتقديم مبانٍ أرقى وأفضل تصميما ومراقبة.
وأشارت الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، إلى أن مراقبة جميع أنحاء العاصمة الإدارية الجديدة، بكاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار، أمر مريب للغاية، خاصة في ظل سمعة مصر السيئة في هذا المجال، مشككة في جدوى بناء العاصمة أصلا، خاصة وأن معظم المصريين لن يتمكنوا من الانتقال إلها، حتى العاملين فيها ستواجههم صعوبة في التنقلات، خاصة وأنهم لا يمتلكون سيارات خاصة، مستشهدة بالمدن الجديدة التي أصبحت شبه خالية على أطراف القاهرة.
ويعد الوعد بالهرورب من القاهرة إلى المدينة الجديدة على الضواحي أمر صعب للغاية بالنسبة لأولئك غير القادرين على تحمل التكاليف، مشيرة إلى أن العاصمة الإدارية الجديدة، أقيمت على مساحة 700 كيلو متر مربع، وهو ما يجعلها في حجم سنغافورة تقريبا، وتهدف إلى استيعاب نحو 5 ملايين نسمة، ووفقا لمخططاتها ستتضمن مباني شاهقة ومساحات خضراء ونهراً صناعياً، وما يشبه سنترال بارك في نيويورك وغيرها.
ووفقا للصحيفة، اقترح المشروع للتخلص من مشاكل القاهرة الحالية، جملة، والوعد بمستقبل جديد يتلألأ، ومن المقرر نقل جميع المباني الحكومية إلى هناك، بالإضافة إلى القصر الجمهوري، والسفارات الأجنبية والشركات الكبيرة، حيث ستشمل المدينة حوالي 20 ناطحة سحاب، بحسب تصريحات المسؤولين. لكن ما الذي سيحدث للقاهرة الحالية بعد مغادرتها؟
إذا ما نجحت خطط الحكومة والمتعلقة بالعاصمة الإدارية الجديدة، فإنها ستترك وراءها شبكة من المباني الفارغة، ولا يوجد خطط حالية لدى الحكومة لاستغلالها.
وبعد دعوة الصحفيين لزيارة العاصمة الإدارية الجديدة في أكتوبر الماضي، وزيارة أكبر كنيسة في مصر، عارض خالد الحسيني المتحدث باسم العاصمة الجديدة، سؤالا حول قدرة المواطنين المصريين على شراء وحدات سكنية في العاصمة الجديدة، وأجاب أن الأرقام ليست مهمة حاليا، المهم أننا نمتلك الحلم ونبنيه معا.
وفي الشهر الماضي، داخل مكتب الشركة المشرفة على تنفيذ العاصمة الإدارية الجديدة، أكد الحسيني أن الجيش سيتحكم في 51% من العاصمة، بينما الباقي ستديره وزارة الإسكان، وبخصوص القاهرة، سنتولى أمرها بعد الانتهاء من العاصمة، ووفقا للصحيفة، كان الحسيني بدوره ضابطا في الجيش المصري.
وأوضح الحسيني: على سبيل المثال، تمتلك وزارة الإسكان مبنى أو العديد من المباني في وسط القاهرة، سوف تحصل على مبنى مكانه مكيف ومحدث، بينما الآخر سينقل إلى إدارة العاصمة الجديدة، وتتحكم فيه بالطريقة التي تراها مناسبة، وهو ما سيحدث مع باقي الوزارات.
إلا أنه وفقا للجارديان فإن مستقبل العديد من المباني الأخرى التي تشكل البنية التحتية للقاهرة، ما زال غير مؤكد، فيما أضاف الحسيني: ليس لدينا خطط كافية لاستثمار المباني الفارغة في العاصمة القديمة، إلا أننا سنعمل عليها، ربما يتم تحويلها لفنادق، وموضحا أن أرباحها ستُستخدم في العاصمة الجديدة.
وأوضح الحسيني أن تكلفة بناء العاصمة الإدارية الجديدة وزعت على الجيش والحكومة ممثلة في وزارة الإسكان، بالإضافة غلى الاقتراض من البنوك، موضحا أن الفترة المقبلة لن تضطر الحكومة إلى الاقتراض، وستستخدم الأموال الناتجة من القاهرة القديمة.
وأشار إلى أنه سيتم بناء محطتي مياه للعاصمة، تنتجان 200 ألف متر مكعب من المياه يوميا.
وبخصوص تكاليف السكن المرتفعة في العاصمة الإدارية الجديدة، أوضح المتحدث باسمها أن الحكومة راعت ألا تتحول المدينة إلى مدينة أشباح فيما بعد على غرار ما حدث للمدن الصينية الجديدة، حيث لم يسكن فيها المواطنون؛ نظرا لارتفاع أسعارها، مؤكداً أن هناك بعض الإجراءات التي ستُتخذ لضمان قدرة المواطن العادي على الاستفادة مما تقدمه الحكومة في هذا الشأن، كخصم 25% على أسعار الوحدات للموظفين الحكوميين.
إلا أنه وفقا للصحيفة، فكلام الحسيني يبدو غير منطقي، حيث يصل سعر المتر الواحد في العاصمة الإدارية الجديدة إلى 9000 جنيه مصري، وهو سعر ما زال بعيدا عن متوسط أجور العاملين، في القطاعين، الحكومة والقطاع الخاص، والذي يصل إلى 1145 جنيها في 2016.
وأكدت الصحيفة أنه لا شك في أن سكان القاهرة الحالية، يحتاجون إلى مساكن أوسع وأفضل، حيث زاد عدد سكان القاهرة بمقدار النصف في 2017، مما يجعلها أسرع المدن نموا في العالم، وتضم حاليا 22.9 مليون شخص، ومن المتوقع أن تصل إلى 40 مليوناً بحلول 2050.
وأوضحت أن ما يثير المخاوف أكثر بشأن العاصمة الإدارية الجديدة، هو الكم الهائل من المدن الجديدة مترامية الأطراف التي لا يقطنها سوى نصف العدد أو أقل مما تستوعبه، مضيفة: المباني أصبحت عبارة عن نصب تذكاري للفشل الذي أصاب مطوريها.
ويقول محمد الشاهد، رئيس تحرير صحيفة «كايرو أوبزرفر»، إن المدن الصحراوية موجودة بالفعل، لكنها لا تخدم سوى الشريحة الأعلى من المجتمع، باستثناء بعض المساكن الاجتماعية التي توفرها الحكومة لمحدودي الدخل، مثل مشاريع الإسكان الاجتماعي.
وأضاف رئيس التحرير أن العمال غير القادرين على الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، لن يتمكنوا من استخدام القطار الكهربائي المقترح من قبل الحكومة، ولا توجد ضمانات بأن تلك الأسعار ستكون تنافسية، مضيفا: إذا كان الهدف من بناء العاصمة الإدارية الجديدة هو الحد من الازدحام، فإن الحكومة لم تفكر جيدا، مضيفا: لا يمكنك نقل آلاف الموظفين إلى العاصمة الإدارية الجديدة بسهولة، وحتى لو تم نقلهم، فإنهم لا يمتلكون سيارات خاصة لاستخدامها في تنقلاتهم.
رغم ما سبق، تؤكد الصحيفة أن الحسيني يصر على أن رؤيته التي طرحها، كافية لجذب المواطنين الجدد، بما في ذلك السفارات الأجنبية، الذي أكد أنه سيتم منحهم مميزات إضافية عن غيرهم، مثل الشوارع الواسعة والمباني الذكية.
وأوضحت أن الحسيني قال جملة بدت مريبة للغاية: المدينة ذكية يعني أنها آمنة، فهي مراقبة بالكاميرات وأجهزة الاستشعار في كل مكان، وسيكون هناك مركز قيادة للسيطرة على المدينة بأكملها.
وتقول المتحدثة باسم السفارة البريطانية، في القاهرة، إن السفارة لن تقوم بالانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة قبل تقييم الخطوة، أما باقي السفارات التي اتصلت بها «الجارديان»، فبدت مترددة ومتخوفة، أو راغبة في عدم مناقشة الأمر علانية.
يقول الحسيني: القاهرة ليست مناسبة للشعب المصري، فالاختناقات المرورية في كل شارع، والبنى التحتية متدهورة، ولا شك في أن الجميع يريد الهروب.
https://www.theguardian.com/cities/2018/may/08/cairo-why-egypt-build-new-capital-city-desert