قبضت أجهزة الأمن المصرية على السيناريست الصغير شادي أبو زيد، واقتحم نحو 20 ضابطًا بملابس مدنية منزله وصادروا أجهزة الكمبيوتر الخاصة به وما معه من أموال وأجهزة إلكترونية، ولم يعرف أحدٌ إلى أين اقتيد؛ حتى ظهر مساء الاثنين الماضي في نيابة أمن الدولة بالقاهرة.
هذا ما رصده الباحث في معهد رادكليف بواشنطن «جوناثان غاير» في مقاله بشبكة «بي آر آي» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ السلطات لم تكشف بعدُ عن التهم الموجهة إلى شادي، وهو فنان كوميدي له قناته على يوتيوب. ورجّح خبير محاكمته بموجب قانون الإرهاب الصادر في 2015 واُستُخدم عشوائيًا ضد المعارضين.
ليس استثناءً
ولم تستجب الحكومة المصرية لطلب الشبكة بالتعليق. وقالت «نانسي عقيل»، المديرة التنفيذية لمعهد تحرير سياسة الشرق الأوسط، إنّ حالة شادي ليست استثنائية، والقبض عليه ليس بسبب سخريته؛ والفرق بينه وغيره من الشباب المصري أنّنا نعرفه جيدًا.
وتواجه المنظمات الحقوقية المحلية والدولية العاملة في مصر قيودًا شديدة على عملها؛ ما شكّل عائقًا أمام كشف انتهاكات السلطات المصرية المستمرة، ووثّقت أكثر من 1286 حالة اختفاء قسري في 2017، وقال مركز النديم إنّ السلطات المصرية كانت تخفي قسريًا بمتوسط ثلاثة أشخاص يوميًا.
وأضافت نانسي أنّ المشهد الإعلامي المصري بدوره يتآكل بسرعة شديدة، والهدف الحقيقي للحكومة أن تكون الراعي الوحيد للمعلومة في مصر، سواء كانت جادة أو ساخرة، بما فيها البرامج الترفيهية والاجتماعية في رمضان، والمخابرات المصرية اضطلعت بهذا الدور، واستخدمت صندوق الأسهم الخاص لشراء معظم الوسائل الإعلامية.
وتابعت أنّه بعد السيطرة على المشهد الإعلامي لا عجب أنّ الثناء على السيسي ينتشر في جميع القنوات المصرية، ونادرًا ما نرى أيّ معارضة تستطيع التحدّث لأيّ قناة، وعندما أعيد انتخابه مرة أخرى في مارس الماضي للأسف هنأه الجميع، بمن فيهم دونالد ترامب؛ بالرغم من معرفة الكل بأنّ الانتخابات كانت مسرحية بعيدة كل البعد عن المنافسة الحقيقية.
وأوضحت: للأسف أيضًا، فشل دونالد ترامب في تذكير عبدالفتاح السيسي بعشرات الآلاف من السجناء المصريين في السجون، بمن فيهم 25 صحفيًا؛ بداعي «الانضمام إلى جماعة إرهابية أو نشر أخبار ومعلومات كاذبة».
إعادة الخوف
واشتهر «شادي» بفيديو له يسخر من قوات الأمن المصرية بميدان التحرير في ذكرى 25 يناير 2011، وتبيّن أنّ البالونات التي تلقوها عبارة عن «واقيات ذكرية».
وفي المدة الماضية، أوقفت الحكومة المصرية برامج كوميدية ساخرة؛ مثل «إس إن إل بالعربي» و«أبلة فاهيتا»، الذي بدأ في 2010 واتّهم بالانضمام لجماعة الإخوان المسلمين. وعمل شادي مراسلًا لبرنامج «أبلة فاهيتا»، وكان يؤدي موسيقى الراب الشعبية، كما أجرى لقاءات كوميدية في الشارع منشورة على قناته على اليوتيوب، التي تضم نحو 150 ألف متابع.
وعادة، لا تصدر اللجنة الدولية لحماية الصحفيين بيانات إدانة أو استنكار بشأن مقدّمي البرامج الكوميديين. لكنّ «شريف منصور»، منسّق اللجنة في الشرق الأوسط، أكّد أنّ قضية شادي جذبت انتباهًا غير عادي، والقبض عليه تجاوز الخطوط الحمراء، مضيفًا أنّه يرى اعتقاله محاولة من الحكومة العسكرية المصرية لاستعادة حاجز الخوف الذي كسرته ثورة 25 يناير بعد إسقاط الديكتاتور حسني مبارك.
والآن، أصبح نشر مقاطع ساخرة على اليوتيوب أو مواقع التواصل الاجتماعي أمرًا خطيرًا؛ والحكومة المصرية تمكّنت مؤخرًا من الحصول على أجهزة مراقبة متطوّرة لمراقبة المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومثل شادي، اُعتُقل الساخر إسلام جاويش في يناير 2016، وبدا منزعجًا من القبض على شادي، موضحًا أنّ ذلك أمر غير مفهوم، وقالت نانسي عقيل إنّ أيّ مصري يتبين أنه يخطو نهجًا مختلفًا عمّا تريده الحكومة يواجه تهديدًا.