في الوقت الذي يتعرّض فيه المغرب إلى ضغوط من الأمم المتحدة لاستئناف المفاوضات مع جبهة البوليساريو، اختار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران؛ للاستفادة من دعم دول الخليج وواشنطن. ومهما كانت الأسباب التي قدّمها، فانهيار العلاقات مع إيران سمح له بالعمل على جبهات مختلفة؛ خاصة مع دول الخليج، التي يمكن تفسير العلاقة بينهما وأميركا على أنها «مصالح فقط لا أكثر ولا أقل».
وعلى الرغم من حياد المغرب في الأزمة الدبلوماسية القطرية والتزامه بالحفاظ على علاقات إيجابية معها، ما زالت تواصل إرسال رسائل عبر قنوات متنوعة إلى الجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي، وشكّكت وسائل إعلام مغربية في «العلاقات الغامضة» بين قطر والبوليساريو، التي سافر زعيمها إبراهيم غالي على متن طائرة الخطوط القطرية أثناء زيارته إلى زامبيا.
هذا ما رصدته الصحفية المغربية المستقلّة «رضا زائير» في مقالها بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّ موقعًا إخباريًا مغربيًا رئيسًا نشر مؤخرًا مقالًا ذكر فيه أنّ المناطق الواقعة في شرق المغرب وجنوبه، التي تتاح للشخصيات القطرية، هي في الواقع بمثابة قواعد خلفية لـ«نشاط قطر لصالح جبهة البوليساريو».
وبإدانة التورّط المزعوم لحزب الله وإيران في دعم البوليساريو، واتهام الجزائر بالعمل منبرًا لإيران؛ فالمغرب ودول الخليج يستخدمان بذلك أسلوب «المقايضة الدبلوماسية»، التي توفّر الفرصة أمام استفادة الجميع.
وترى السعودية وحلفاؤها أنّ تصدير الصراع مع إيران إلى المغرب يدفعها لاتخاذ موقف، والوقوف أمام الوجود والنفوذ الفارسيين في شمال إفريقيا؛ حتى لو على حساب إضعاف الجزائر. وترى أنّ المغرب مهيّأ حاليًا لهذه الخطة، واستغلال مهلة الستة أشهر التي أعطتها الأمم المتحدة للمغرب للتفاوض مع البوليساريو.
الجزائر
تراجع الدعم الذي يقدّمه مجلس التعاون الخليجي للمغرب في الأشهر الأخيرة، بل إنّ دولًا خليجية تخطّت هذه المرحلة بدعم البوليساريو على حساب المغرب، لذلك رأت الرباط قطع العلاقات مع إيران وإعادة الدول الخليجية إلى ملعبها مرة أخرى، خاصة وأنّ المغرب ينظر إلى البوليساريو على أنها داعمة للوجود الإيراني في المنطقة، وهي نقطة يمكن أن تستغلها لصالحها.
ويسعى المغرب إلى الحياد في التنافس بين إيران والسعودية؛ لإظهار أنّ الجزائر تدعم إيران وحزب الله، وهو ما يحاول المغرب فعله حاليًا؛ إذ قدّم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (اليساري) مقترحًا بتغيير الدولة إلى نظام اشتراكي وضمّ أعضاء من جبهة البوليساريو.
طبيعة العلاقات بين المغرب وإيران
بدأت في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، الذي زار المغرب عام 1966، وبعدها بعامين زار الملك حسن الثاني المغربي إيران؛ لكنّ ثورتها وضعت حدًا لذلك. ففي 1979، وبعد وصول الخميني إلى السلطة، قطعت إيران العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وبعدها بعام اعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية؛ انتقامًا من الملك الحسن الثاني الذي استقبل محمد رضا بهلوي في المنفى.
وبذلك؛ نجح المغرب في الوصول إلى السعودية، ولي النعمة الجديد، لكن عادت العلاقات مع إيران مرة أخرى في عام 1991؛ فعلى هامش القمة السادسة لمنظمة التعاون الإسلامي بداكار، قرّر البلدان إعادة العلاقات بعد اجتماع بين رئيس الوزراء المغربي عز الدين العرقي والرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني.
وفي عام 1998، جمّدت إيران اعترافها بالجمهورية الصحراوية، وهو قرار تأكّد في زيارة رئيس الوزراء المغربي عبدالرحمن اليوسفي إلى إيران عام 2001، وبدا أنّ القرار مرتبط بقدر كبير برغبة إيران في تجديد العلاقات مع المغرب كما جاء رد فعل للعلاقات الجزائرية الإيرانية في 1993. إذ اتّهمت الجزائر طهران بدعم الإسلاميين في الحرب الأهلية (1991-2002)؛ لكنّها استأنفت العلاقات من جديد بعد انضمام عبدالعزيز بوتفليقة عام 2001، وازدادت الزيارات المتبادلة بين الطرفين إلى أن قُطعت العلاقات مرة أخرى عام 2006.
وفي 2009، في أعقاب تصريح علني لمسؤول إيراني بأن البحرين «المقاطعة الإيرانية الرابعة عشرة»، قرّر المغرب قطع علاقاته مع إيران تضامنًا مع الدولة الخليجية. ومن 2012 إلى 2014، عندما كان المغرب عضوًا غير دائم في مجلس الأمن، أعرب عن موقف توافقي نسبيًا إزاء البرنامج النووي الإيراني، وأصرّ على ضرورة تجنب أيّ استخدام للأزمة الإيرانية عنصرًا في الانقسام بين المغرب والعالم الإسلامي، وأصرّ على أخذها في سياق الإطار الإقليمي المعقد، ورأى أنّ العقوبات يجب ألا تضر السكان الإيرانيين، وكان تطلع إيران إلى دعم الدول المتغيرة في المجلس دافعًا وراء إعادة العلاقات مرة أخرى مع الرباط.
وفي 2014، بعد تلقيه تأكيد «احترام إيران لثوابت المملكة المغربية»، إضافة إلى «تقدير إيران لدور الملك محمد السادس»؛ قرر المغرب استئناف علاقاته مع إيران في 2016، وعيّن الملك محمد السادس سفيرًا رسميًا لديها. وحاليًا، فقطع العلاقات مع إيران جاء بسبب تقديمها مصالحها الخاصة على مصالح الصحراء الغربية؛ لذلك سعى إلى الوصول لوليّ نعمته الجديد السعودية، التي تعتبر دولة غير صديقة للمغرب أصلًا؛ بسبب حياده في الأزمة القطرية، وهو ما مثّل معضلة لأميركا؛ لأنّ هجوم المغرب على إيران جاء بعد وقت قصير من تعيين جون بولتون مستشارًا للأمن القومي، ويعتبر معاديًا شديدًا لإيران، لكنه في الوقت نفسه إيجابي ناحية البوليساريو.