أشار جارد مالسين، في تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، إلى تحديات عبدالفتاح السيسي، بعد انتخابه مرة ثانية بنسبة 97%، دون منافس حقيقي، وبعدما سجن أو خوّف من فكر في تحديه في انتخابات الرئاسة، وفقا لترجمة «عربي21».
ويقول الكاتب، إن «السيسي هو مثال على الأنظمة المتزايدة في العالم العربي، التي تدعي الانتصار على القوى التي أطلق لها الربيع العربي العنان عام 2011، ومصر هي المثال على استمرار هذه القوى بالغليان تحت السطح».
ويشير التقرير، إلى أن استراتيجية السيسي تشبه استراتيجية سلفه حسني مبارك، الذي حكم مصر 3 عقود، قبل أن تطيح به ثورة شعبية، لافتا إلى أنه مثل مبارك يعتمد على القوة الأمنية والنظام الاقتصادي الذي يحابي المؤسسة العسكرية، بل إن الكثير من رجال الأعمال يشتكون من أن السيسي ذهب أبعد من مبارك في تهميشه للقطاع الخاص، بشكل أضر بالاقتصاد.
وتنقل الصحيفة، عن الملياردير نجيب ساويرس قوله: «يثقون بالجيش أولا، والقطاع الخاص يقبل بهم»، ويضيف ساويرس أن بعض مجالات عمله عرقلها تدخل الدولة، «يمكن للأمن منع أي مشروع، ولديهم شركاتهم، وهذا وضع ليس جيدا».
ويلفت مالسين إلى أنه بحسب البنك المركزي المصري، فإن الاقتصاد المصري شهد نموا متواضعا بنسبة 5.4%، مستدركا بأن مستويات الحياة بالنسبة لغالبية المصريين تتراجع، وسط نسب البطالة العالية بين الشباب، وارتفاع أسعار الطعام، بشكل أثار الكثير من المظالم، كتلك التي سبقت الثورة.
وينوه التقرير إلى أن ارتفاع معدلات التضخم والمصاعب الاقتصادية قادتا في الأشهر الأخيرة إلى تظاهرات واسعة في المنطقة؛ ففي إيران اندلعت تظاهرات في ديسمبر ويناير، وخلفت 20 قتيلا، وفي تونس أثارت التخفيضات في الميزانية تظاهرات صاخبة، ومواجهات مع قوات الأمن في 10 مدن وبلدات، وتزامنت مع ذكرى الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي، فيما تتواصل في الأردن الاعتصامات والاحتجاجات على رفع سعر الخبز والأرز.
وتفيد الصحيفة بأن احتجاجات عفوية اندلعت في مصر هذا الشهر؛ بعدما أعلنت الحكومة، وبشكل مفاجئ، رفع أسعار بطاقات القطار، مشيرة إلى أن دول الخليج تعد مصر حاجزا من نار ضد تكرار التظاهرات الشعبية؛ حيث قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في زيارته إلى القاهرة في مارس: «دعوت الله أن لا تسقط مصر».
ويشير الكاتب إلى أن السيسي، قائد الجيش السابق، قاد انقلابا ضد الرئيس محمد مرسي، وقام بحملة قمع قتلت أكثر من 1000 من مؤيديه، وسجن عشرات الآلاف من أنصاره والجماعات السياسية الأخرى، ووعد بالاستقرار والازدهار، ونسب الفضل لنفسه بأنه أنقذ مصر من المصير الذي حل بدول عربية أخرى، مثل ليبيا وسوريا واليمن، لافتا إلى أنه حظي لوقت بشعبية وإعجاب وصلا إلى حد العبادة، وألهم أنصاره لرسم صورته على كل شيء، من الشوكلاتة إلى الملابس الداخلية.
ويستدرك التقرير بأن هذا اللمعان بهت عن رئاسته، بعدما بدا أن الاستقرار غير ممكن، في وقت كافحت فيه الحكومة لوقف هجمات المتشددين، بمن فيهم عناصر تنظيم الدولة، الذين قتلوا مئات الجنود والمدنيين في سيناء ومدن مصر الأخرى، بل إن السخط طفا على السطح داخل المؤسسة العسكرية، التي حملت السيسي إلى السلطة، وذلك بعدما حاول قادة سابقون تحدي الرئيس في الانتخابات الأخيرة، وبينهم 3 ضباط سابقين وحاليين.
وتجد الصحيفة أنه رغم دعم السيسي للجيش، وتوسيع مصالحه الاقتصادية، إلا أن المرشحين المعارضين من داخل المؤسسة العسكرية هاجموا سجل السيسي الاقتصادي، وقمعه للحريات السياسية، مشيرة إلى أن مكتب السيسي والمتحدث باسم الجيش لم يردا على طلب الصحيفة للتعليق.
ويلفت مالسين إلى أن الجيش المصري أدى لعقود دورا مهما في اقتصاد البلاد، بالإضافة إلى أن المشاريع الاقتصادية للجيش ساعدت مبارك في التعويض عن تخفيضات الميزانية في السنوات التي أعقبت توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، مشيرا إلى أنه مع نهاية 30 عاما من حكمه، فإن الجيش أصبح يمتلك المتاجر والفنادق ومصانع الباستا والسلاح، واستفاد من الإعفاء الضريبي، واستخدامه العمالة الرخيصة من المجندين الذين يخدمون فترة التجنيد الإجباري.
وبحسب التقرير، فإن الجيش في عهد السيسي حقق أعلى مستويات القوة الاقتصادية، مشيرا إلى أنه لا يمكن تحديد نسبة مشاركة الجيش في الاقتصاد المصري؛ حيث لا يكشف الجيش عن أرباحه ولا عن ميزانيته، كما أنه من الصعب الرقابة على الميزانية الحكومية بعد محاكمة مسؤول مكتب المحاسبات الحكومية، لانضمامه للمعارضة، وتهديده بالكشف عن أدلة تدين الجيش، وقال في مقابلة تلفزيونية إن حصة الجيش من الاقتصاد لا تتعدى 2-3%، و«لو كانت 50% لشعرت بالفخر؛ لأن القوات المسلحة هي جزء من الحكومة».
وتورد الصحيفة، نقلا عن مراقبين، قولهم إن حجم الاقتصاد التابع للجيش أعلى من الأرقام الحكومية؛ حيث يقول المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي أندرو ميللر، إن السيسي «لا يثق في القطاع الخاص، ولا في رجال الأعمال»، وعندما وصل إلى السلطة فإنه اعتمد على الجيش لإصلاح المشكلات الاقتصادية، ومنح سلاح الهندسة في القوات المسلحة مسؤولية حفر تفريعة ثانية لقناة السويس، التي تعد من أهم مشاريعه الكبرى.
ويبين الكاتب أنه بمباركة من السيسي، فإن الجيش زحف إلى القطاعات المدنية، فيما تجاهلت الحكومة خطة مدنية لبناء منطقة صناعية قرب القناة، وبدلا من ذلك أعطى السيسي المشروع إلى الجيش، وآخر لمتعهد خاص، وذلك بحسب ما يقوله رئيس الهيئة العامة لتطوير منطقة قناة السويس الاقتصادية السابق، أحمد درويش.
وينوه التقرير إلى أن المشروع المخطط له لم يظهر مع أن الحكومة تقول إنها عازمة على إكماله؛ حيث حل مكان درويش العميد مهاب مميش، الذي يترأس أيضا هيئة قناة السويس، مشيرا إلى أن عددا من المسؤولين من ذوي الاهتمامات الاقتصادية خرجوا، ومن بينهم اقتصاديون عملوا في الحكومات السابقة، تاركين الجيش في وضع المتسيد للاقتصاد.
وتقول الصحيفة إن الجيش زحف بتأثيره في كل مكان، من خلال شبكة من الضباط الحاليين والسابقين، الذين يترأسون إدارة مجالس شركات، ويملكون حصصا في القطاع الخاص، لافتة إلى أن الطبقة العسكرية تساعدهم في الحصول على سيطرة وأرباح حتى في الأعمال التي لا يملكها الجيش مباشرة؛ حيث تقول الخبيرة في اقتصاد مصر في جامعة جورج تاون، شانا مارشال: «لديهم أصبع في كل كعكعة».
ويفيد مالسين بأن المسؤولين الأمنيين والعسكريين قاموا بهندسة السيطرة على 3 قنوات تلفزيونية خاصة، وسيطر المتحدث السابق باسم الجيش على قناة «هنا العاصمة» في يناير 2017، وقامت شركة أمنية يترأسها مسؤول سابق في الاستخبارات بالسيطرة على قناة «الحياة» منتصف العام الماضي.
ويكشف التقرير أنه تم تقليل سيطرة سطوة رجال الأعمال المدنيين، وقال نجيب ساويرس، المالك السابق لقناة «أون تي في» إن الحكومة طلبت منه طرد 3 مذيعين بارزين، وعندما رفض أخذت ملكية القناة منه، وسيطر عليها مدير شركة للفولاذ تملكها الحكومة، وتم بيع حصصه إلى شركة تملكها الاستخبارات في عام 2017.
وتورد الصحيفة، نقلا عن ساويرس، قوله إن جهوده في القطاع الخاص عرقلتها الحكومة، ووقفت الحكومة أمام جهوده لامتلاك شركة الاستثمار «سي أي كابيتال»؛ حيث سيطرت عليها الخدمات الأمنية عام 2016، بالإضافة إلى أن معارضة السلطات الأمنية قتلت العام الماضي محاولات أرشر ديموند ميدلاند لشراء الشركة الوطنية المصرية لإنتاج الذرة، فيما أكد شخص مطلع على الأمر أن الحكومة عطلت المشروع، واندمجت شركة الذرة مع شركة مصرية أخرى لاحقا.
ويكشف الكاتب أن الحكومة في عهد السيسي أصدرت تنظيمات سهلت على الجيش الدخول في الأعمال التجارية، ووسعت حكومته من قدرته على توقيع صفقات عقارية، وإنشاء مصانع للأدوية، لافتا إلى أنه عندما أدت أزمة العملة عام 2016 إلى نقص في المواد الأساسية، فإن الجيش بدأ في بيع رزم طعام مدعمة من الشاحنات، ووفر حليب الأطفال بسعر مخفض في الصيدليات، وتم تقديم الخطوة باعتبارها انتصارا على القطاع الخاص.
وبحسب التقرير، فإن أهم مظهر لسيطرة الجيش على الاقتصاد المصري وتوسيع إمبراطوريته يبدو من المشاريع الحكومية في مجال البناء، التي تشمل الطرق والشقق، منها مشروع مليون شقة في أنحاء البلاد.
وتقول الصحيفة إن التنظيمات الجديدة مكنت الجيش بأن يكون له احتكار على عقود البناء العامة؛ حيث إن العاصمة الإدارية الجديدة هي أكبر المشاريع الطموحة من بينها، وأعلن عنها عام 2015، وتأمل الحكومة أن تجذب 5 ملايين نسمة، ما يخفف الزحام عن القاهرة، التي يعيش فيها حاليا 20 مليونا، منهم ملايين يسكنون في العشوائيات.
ويفيد مالسين بأن العاصمة الجديدة سمحت للجيش بأن يستعرض عضلاته، ففي عام 2017، عندما قررت شركة البناء التابعة للدولة الصينية الخروج من عقد بقيمة 3 مليارات دولار لبناء مقرات الحكومة، فإن سلاح الهندسة في الجيش المصري تقدم وعرض استكمال المشروع، وفي مارس أعلنت الحكومة عن بدء مشروع بناء الحي التجاري في العاصمة الجديدة، الذي سيشتمل على ناطحة سحاب طولها 1263 قدما، وستكون الأطول في إفريقيا، فيما تعاقدت الشركة التي يدعمها الجيش مع شركة الإنشاءات الهندسية الصينية الحكومية.
ويشير التقرير إلى أن مجموعة مصطفى طلعت تعد من أكبر المستثمرين في المشروع، وهي شركة يملكها هشام طلعت، وهو أحد رجال حسني مبارك البارزين، وتستثمر 2 مليار دولار في العاصمة السعودية، لافتا إلى أن طلعت خرج من قضية قانونية للمساهمة في بناء المدينة.
وتختم «وول ستريت جورنال» تقريرها، بالإشارة إلى أن مصطفى قد اتهم باسئتجار رجل شرطة ليقتل المغنية اللبنانية سوزان نجم في فندق في دبي عام 2008، وأصبحت القضية رمزا للمحاباة، التي طبعت فترة حكم مبارك، وفي عام 2017 أصدر السيسي عفوا عن مصطفى، وسمح له بالعودة إلى شركته.