كان «وائل عباس» من أشدّ منتقدي الديكتاتوريين المصريين، مستخدمًا اليوتيوب لتسليط الضوء على حوادث التعذيب داخل أقسام الشرطة، إضافة إلى باقي السوشيال ميديا كـتويتر وفيس بوك، وله أيضًا باع طويل في الحديث عن المختفين قسريًا بمصر. لكن، في فجر يوم الأربعاء الماضي، طرق بابه من توقع أنه سيصل في وقت ما: زوار الليل.
وقال أقاربه وأصدقاؤه إنّ أفرادًا من الأمن الوطني اقتحموا منزله بالقاهرة وعصبوا عينيه ونقلوه إلى مكان مجهول، ولم يعرف احد ما حلّ به، ولم يترك خلفه غير تغريدة أعلن فيها اعتقاله. ووفقًا للحالات السابقة، قد يستغرق الأمر شهورًا أو سنوات ليعود وائل عباس إلى التدوين مرة أخرى.
فاُعتُقل وائل عباس وغيره من النشطاء الشهر الماضي على ما يبدو في محاولة لإسكات المنتقدين الذين بدؤوا بالفعل يمارسون نوعًا من الرقابة الذاتية على أنفسهم خشية الاعتقال.
وذكرت «ماريتيه شاكي»، عضو هولندية في البرلمان الأوروبي، على تويتر، أنّ «حملة القمع ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية التعبير في مصر تتزايد»، مطالبة القادة الأوروبيين بضرورة التعامل بحسم مع نظام عبدالفتاح السيسي.
ومن بين الذين اعتقلوا الشهر الماضي الناشطة في حركة «6 أبريل» أمل فتحي، التي انتقدت تعامل المؤسسات في الدولة معها (بنك)؛ واُعتُقلت من منزلها واعتقل زوجها وابنهما الصغير، لكن أُطلق سراحه فيما بعد وظلت الزوجة والزوج محبوسين.
وقال «حسام بهجت»، الصحفي البارز والناشط في مجال حقوق الإنسان، إنّ حملة القمع تسير الآن في اتجاهات متعددة؛ فهم يمتلكون ملفًا لكل شخص، والأمر مخيف للغاية.
وغالبًا ما يُحال المقبوض عليهم إلى محاكم عسكرية، التي توقّع عليهم عقوبات شديدة؛ فيوم الثلاثاء الماضي، حكمت محكمة عسكرية على الناشط إسماعيل الإسكندراني بالسجن عشر سنوات؛ بزعم «الانضمام إلى جماعة محظورة، نشر معلومات وبيانات كاذبة لهدف الإخلال بالأمن القومي».
كان إسماعيل باحثًا متخصصًا في الحديث عن الحملات العسكرية للجيش في شبه جزيرة سيناء ضد «تنظيم الدولة»، التي يُمنع الصحفيون والباحثون من تغطيتها، وذكرت «هيومن رايتس ووتش» أنّ الجيش دمّر ما لا يقل عن 3600 منزل ومبانٍ تجارية، وهو التقرير الذي استنكره المتحدث باسم القوات المسلحة، رافضًا ما جاء فيه ونافيًا إياه؛ بالرغم من تأكيدات الأهالي والباحثين والصحفيين في سيناء.
وقال المتحدّث باسم القوات المسلحة إنّ الحكومة عوّضت المتضررين من هدم المنازل بـ51 ألف جنيه مصري.
وفاز إسماعيل الإسكندراتي بجوائز صحفية وبحثية عن أعماله في السنوات الأخيرة؛ لكنها للأسف لم تشفع له.
أما «أمل فتحي»، المرأة التي قهرت التحرّش الجنسي، فهي ممثلة وموديل سابقة، نشرت فيديو على موقع يوتيوب تنتقد فيه تعامل الدولة مع المرأة والتحرّش والتمييز والبيروقراطية المنتشرين وسوء تعامل الأجهزة الشرطية مع المواطنين.
وبعد بضعة أيام، اقتيدت وزوجها وابنهما البالغ من العمر عامين إلى مركز للشرطة في منتصف الليل، وتنتظر حاليًا المحكامة في تهمة التحريض على الإرهاب عبر الإنترنت ونشر معلومات وأخبار كاذبة.
وحتى اليوم لم ترد معلومات واضحة ومحددة عن الاتهامات الموجهة إلى وائل عباس، البالغ من العمر 43 عامًا، ووصفه محاميه بأنه «مختطف» وليس معتقلًا؛ بعدما برز في 2006 منذ نشره فيديوهات مسرّبة للشرطة وهي تعذب مواطنين داخل الأقسام في عهد محمد حسني مبارك، وأسفر مقطع عن محاكمة ضابطين، وفي 2007 قدّم المركز الدولي للصحفيين جائزة صحفية له عن مجهوداته في كشف التعذيب وإساءة المعاملة.