ألهمت ثورة «25 يناير» العالم أجمع، وأشاد معظم القادة بتجربة الشباب المصري فيها؛ فباراك أوباما -على سبيل المثال- طالب بتعليم أطفال الأميركيين ليكونوا مثل الشباب المصري؛ لكن هذه التجربة الديمقراطية التي تطلّع إليها المصريون أصبحت الآن رمادًا مع عبدالفتاح السيسي، الذي لم يهاجم الإسلاميين وحسب؛ بل اضطهد العلمانيين أيضًا، وكُلّ من دافع عن الديمقراطية يومًا من الأيام يجد نفسه الآن قابعًا خلف جدران السجون السيئة السمعة في مصر.
أما الآخرون فإما قتلوا أو فروا إلى المنفى؛ خشية الاضطهاد السلطوي الذي يمارسه النظام المصري وتفنّن في أنواعه، حتى بات الوضع أسوأ مما كان عليه في عهد الديكتاتور الأسبق محمد حسني مبارك. وفي حملتها الأخيرة، قبضت أجهزة الأمن على خمسة نشطاء بارزين، من بينهم مدونون ومحامون وحتى أشخاص مستقلون فقط عبّروا عن آرائهم على فيس بوك.
هذا ما رصدته الباحثة المهتمة بالشأن المصري «هبة صلاح» في تحليلها بصحيفة «فايننشيال تايمز» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّ أسباب القبض على النشطاء، خاصة المعارضين، تنوّعت بين التدوين والتعبير عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي، أو لصلتهم بمنظمات وجمعيات تراها الحكومة «إرهابية أو تعمل على تقويض الأمن القومي»؛ فهاجمتهم في بيوتهم ليلًا، أو قبضت عليهم أثناء عودتهم من خارج البلاد أو حتى في الشارع، كما فعلت مع حسن البنا والأعصر منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
ويرى محللون أنّ القسوة التي تتعامل بها الحكومة المصرية مع المعارضين أحد الأسباب الرئيسة لتنامي الإرهاب وتسارع وتيرته، وفشل القوات المسلحة والدولة بشكل كامل في التعامل معه؛ فيؤكّد «إتش ميلر»، الباحث والمحلل السياسي المختص في شؤون الشرق الأوسط بالمركز الأطلسي، أنّ القاسم الوحيد المشترك بين كل المقبوض عليهم «انتقادهم للنظام في الخمس سنوات الماضية، بالرغم من أنّ كثيرين منهم لم يكونوا ناشطين مؤخرًا».
آخر المعتقلين المدون والناشط «وائل عباس»، أحد أبرز النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، اُعتُقل من منزله فجرًا، ويعد من أوائل المصريين الذين استخدموا الإنترنت لتسليط الضوء على حالة القمع المصرية.
وللأسف، ما يحدث يؤكّد أنّ التجربة الديمقراطية انتهت بشكل كامل من مصر؛ على الرغم من تناميها عقب الإطاحة بالديكتاتور الذي تيقّن الجميع أنه لن يرحل أبدًا وسيحكم للأبد، بل وسيورّث ابنه من بعده؛ لذا عندما أطاحت الثورة به اندهش العالم أجمع وعلّق آماله على المصريين.
لكنّ التجربة لم تكتمل، فعقب عام واحد من أوّل انتخابات ديمقراطية في مصر؛ قاد عبدالفتاح السيسي انقلابًا عسكريًا على محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا، أعقبه انقلاب أمني وانقسامات واضطراب وتدهور اجتماعي وثقافي واقتصادي ما زالت توابعه مستمرة حتى الآن.
وتأتي الجولة الأخيرة من الحملة القمعية تزامنًا مع أداء السيسي الشهر المقبل اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثانية؛ بعد فوزه في الانتخابات الصورية (مارس الماضي) أمام خصمه الوحيد الصوري أيضًا موسى مصطفى موسى، أحد أكبر داعميه.
ومنذ أن تولّى السيسي السلطة في اعقاب الانقلاب أظهر قوة مع المعارضة والاحتجاجات، وزعم مؤيدوه أنّه بذلك أعاد الاستقرار إلى مصر، في الوقت الذي عمّت فيه الفوضى، متهمين ثورة 25 يناير بالتسبب فيها؛ بينما ينفي معارضوه ذلك، مؤكّدين أنّ مدّة حكمه من أسوأ الفترات التي مرت على مصر منذ عقود.
ومن بين المعتقلين الآخرين، شادي الغزالي حرب، أحد أبرز الوجوه التي عرفت في ثورة 25 يناير، وكان المتحدث الرسمي باسم «ائتلاف شباب الثورة»، كما إنه أحد أكبر المنتقدين لنظام السيسي، ويواجه تهم «نشر أخبار كاذبة والانضمام لمنظمة أسست على خلاف القانون، تعمل ضد الدولة، وإهانة رئيس الجمهورية»، وهي تهمة تزج بصاحبها في السجن بمصر.
وقال أسامة الغزالي حرب، عمّ شادي، إنّه ليس منضمًا لأي منظمة أو جماعة سياسية، سواء سرية أو علنية؛ وما حدث معه «هراء».
ويواجه آخرون اتهامات ممثالة للتي يواجهها شادي؛ مثل الناشطة البارزة «أمل فتحي»، زوجة الناشط في مجال حقوق الإنسان «محمد لطفي»، واُعتُقلت بعد نشرها مقطع فيديو تنتقد فيه النظام والأداء العام للدولة والتعامل مع المواطنين في المؤسسات؛ خاصة التمييز ضد الأنثى وجرائم التحرش، التي ترتكبها «الأجهزة الأمنية »المكلّفة بحماية المواطنين.
وقال زوجها، الذي قُبض عليه أيضًا، وهو رئيس «المفوضية المصرية للحقوق والحريات»، إنّ الفيديو هو السبب المباشر للقبض عليها؛ لكنّه لا يعتقد أن الأمر سيشكّل أهمية، فكل ما يحدث وسيلة للضغط عليه ليتوقّف عما يفعله.
ويصر محمد لطفي على أنّ زوجته ليست ناشطة سياسية، وأنّها أمّ لطفل في الثالثة من العمر فقط؛ نافيًا الاتهامات الموجهة إليهما وتتضمّن «نشر أخبار كاذبة وإساءة استعمال الإنترنت، وتشجيع الأفكار والمعتقدات الإرهابية».
ومن بين المعتقلين الآخرين المحامي «هيثم محمدين»، الذي يواجه اتهامات باشتراكه في احتجاجات ركاب المترو بسبب ارتفاع أسعار التذاكر، إضافة إلى مدوّن الفيديو الساخر «شادي أبو زيد» المتّهم أيضًا بالانتماء إلى منظمة محظورة ونشر أخبار كاذبة.
وتقول عزة سليمان، محامية شادي أبو زيد، إنها تعتقد أنّ النظام يضع الجميع في حالة تأهب.