أكدت صحيفة «ميدل إيست أون لاين» أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في طريقه حاليا لاحتلال موقع الصدارة فيما يتعلق بالقضايا الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، موضحة في تحليل لـ«جريجوري أفاندانليان»، المحلل السابق في وزارة الخارجية الأميركية والخاص بالشرق الأوسط، أن نجاح الانتخابات الليبية المقبلة أو فشلها هو ما سيحدد ما إذا كان بإمكان فرنسا احتلال دور ريادي في المنطقة وشمال أفريقيا أم لا.
وأضاف المحلل، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تعرض لانتقادات كثيرة بسبب التراجع بالسياسة الخارجية الأميركية إلى الخلف، وترك الأمور لقوى أخرى عالمية أو إقليمية لتحل محل الولايات المتحدة.
في 2011، اتخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما زمام المبادرة بالتحالف مع حلف شمال الأطلسي، وقاد هجوما ضد نظام القذافي وأطاح به، وبسبب دور واشنطن البارز في الحلف، لم تكن أميركا غائبة أبدا عن خطط وسياسات الأوروبيين المتعلقة بليبيا، وكان أوباما حريصا على إظهار أن الولايات المتحدة دائما في المقدمة إذا تعلق الأمر بالشرق الأوسط.
أما الآن، فإن الولايات المتحدة تريد احتلال المقعد الخلفي في سيارة العالم، وهو ما يتضح في الانتقادات المكثفة التي كانت توجه لأوباما من الجمهوريين.
والآن يقود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زمام المبادرة في ليبيا، وكان دعا قادة الفصائل الرئيسية المتناحرة في الدولة الليبية لاجتماع للتفاوض على الحل السياسي للأزمة وتأطير اتفاق يضمن عملية سياسية وفقا للدستور والانتخابات الديمقراطية.
وتعتبر فرنسا منذ تولي ماكرون لاعبا رئيسيا في الملف اللليبي بالتعاون مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة غسان سلامة، فأين واشنطن الآن، ولماذا لا يعترض مؤيدو ترامب أو غيرهم على تولي فرنسا زمام المبادرة؟
رغم كل شيء فإنه للأسف فإن «تنظيم الدولة» ما زال ناشطا في ليبيا، وتجدر الإشارة إلى أن ترامب كان تعهد سابقا بالقضاء على المنظمات الإرهابية التي تؤثر على أمن وسلامة الولايات المتحدة، إلا أن سياساته الجديدة تخبرنا تماما بعكس ذلك.
إرهاق بالجملة
فيما عدا القضية الإيرانية يبدو أن ترامب قد أرهقته مشكلات الشرق الأوسط، حيث تعثرت عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية بشكل كبير بعد قراره الخاص بوضع القدس، بالإضافة إلى الارتباك حول دور الولايات المتحدة في سوريا والعراق وحرب اليمن الكارثة الإنسانية التي تتم على مرأى ومسمع العالم أجمع وتتورط فيها الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى.
فيما لم تؤد سياسات السعودية، حليف واشنطن الرئيسي في المنطقة الآن، إلى أي مكاسب إقليمية سواء لها أو للولايات المتحدة، بل بالعكس زادت من الوجود الإيراني ووفرت له سبلا لترسيخ نفسه.
السياسة الانعزالية
اتبع ترامب سياسة خارجية يمكن أن نطلق عليها السياسة الانعزالية، وكان الهدف منها هو تجنب إنفاق المزيد من الأموال على الالتزامات التي تلتزم بها أميركا تجاه العالم بدءا من التهديدات الأمنية المشتركة، لذا فإذا تولى ماكرون زمام المبادرة، يعتقد ترامب أن هذا جيد له خاصة فيما يتعلق بهذا الجانب.
ورغم خلافاتهما الكبيرة حول عدد من القضايا الرئيسية مثل الاتفاق النووي الإيراني، إلا أن ماكرون يتقاسم مع ترامب بعض المخاوف الطبيعية والواقعية، وهو ما اتضح من زيارته الأخيرة لواشنطن، والاستقبال الحار له في الكونجرس، حتى من قبل الجمهوريين، وهو ما يشير إلى أن سياسات فرنسا الجديدة تقابل بلين لدى الأغلبية داخل الكونجرس والإدارة الأميركية.
ويعتقد ماكرون من ناحية أخرى، أنه في حاجة إلى التدخل لملء الفراغ الذي خلقته القيادة الأميركية المتضاربة والمضللة، ورغم انضمام فرنسا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة في الضربات الأميركية في سوريا ردا على هجوم الأسد الكيماوي، إلا أن الرئيس الفرنسي يعتقد أن ترامب يزعزع بطريقة ما استقرار منطقة الشرق الأوسط، عبر الانسحاب من الاتفاق النووي دون فهم وإدراك للعواقب السياسية، بالإضافة إلى أن التعريفات الجمركية التي وضعها ترامب على بعض السلع الأوروبية، جعلت من فكرة تعاون باريس مع واشنطن حول إشكاليات السياسة الخارجية أمرا صعبا.
في النهاية إذا ما نجح ماكرون في إبرام صفقة ليبيا دون أي مساهمة كبيرة من الولايات المتحدة، قد يشعر بأنه أكثر جرأة لاتخاذ زمام المبادرة في العديد من القضايا الأخرى المؤثرة في المنطقة بشدة، وهو ما سيحدده نجاح الانتخابات المقبلة من عدمه، فإذا استقرت ليبيا ستكون الأمور في صالحه إلى حدٍ كبير ومؤشرا على أن دور الولايات المتحدة في ليبيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط قد انتهى.
وسواء كان يدرك ذلك أم لا، إلا أن ترامب تبنى مبدأ القيادة إلى الخلف.
https://www.middle-east-online.com/en/trump-content-leave-libya-policy-france