حقق المغرب إنجازات كبيرة في مجال محاربة الإرهاب منذ حادث تفجير مقهي أركانة بمراكش (وسط) في أبريل 2011، والذي أسفر عن مقتل 17 قتيلاً ونحو 20 جريحاً.
إلا أن إعلان الرباط منذ ذلك الوقت تفكيك العديد من الشبكات الإرهابية، بعضها مرتبط بتنظيم «تنظيم الدولة»، لم يحل دون ظهور ما بات يسمى بـ «الذئاب المنفردة».
وبحسب السلطات الأمنية في المغرب فإن عملية قتل سائحتين أجنبيتين في 17 ديسمبر 2018، تحمل بصمات «ذئاب منفردة تتحرك في الظل».
وكانت السلطات المغربية أعلنت العثور على جثتي سائحتين أجنبيتين تحملان آثار عنف بالعنق باستعمال السلاح الأبيض.
والسائحتان هما نرويجية ودنماركية، وتم العثور على جثتيهما قرب جبل توبقال (أعلى قمة في المملكة)، في إقليم الحوز (وسط).
و«الذئاب المنفردة» مصطلح يستخدم لوصف الأشخاص الذين ينفذون هجمات إرهابية ويتبعون منهج تنظيم «تنظيم الدولة»، ولكنهم لا يعملون بشكل منظم ضمن التنظيم.
وبعد نحو 8 سنوات استطاع المغرب خلالها الحفاظ على «صفحة بيضاء»، والتغلب على الجماعات الإرهابية حتى باتت دول غربية تطلب خدماته في مكافحة الإرهاب، مثل بلجيكا وفرنسا وإسبانيا، عادت «الذئاب المنفردة»، لتشكل هاجساً جديدا ومخاوف من تنفيذ مزيد من الهجمات.
**موجة غضب
أثار مقتل السائحتين موجة غضب في الشارع المغربي ولدى الجمعيات والأحزاب، وتم تنظيم عدد من الوقفات بالعديد من المدن المغربية رفضا للحادث.
وفي حي العزوزية (حي شعبي على بعد 15 كيلومتر من مدينة مراكش) والذي يقطن فيه «عبد الرحيم خيالي»، أحد الموقوفين المشتبه في قتلهم السائحتين، أعرب عدد من السكان عن رفضهم لما أقدم عليه ابن حيهم.
«محمد» أحد أبناء الحي، قال فى تصرحات صحفية، إنه فوجئ بما أٌقدم عليه عبد الرحيم، في حين قال آخر إن «الحي لا يعرف جرائم، وإن الحادث وقع في منطقة بعيدة عن الحي».
ووصفت فاطمة خيالي عمة عبد الرحيم، ما وقع بـ«الفاجعة».
وقالت إن الأسرة ترفض وتستنكر بشدة ما أقدم عليه عبد الرحيم والموقوفون الآخرون، معتبرة أن الجريمة التي اقترفوها لا تمت للإسلام بصلة، حسب الأناضول.
وقالت «لا أحد يقبل بهذه الجريمة، التي أعرب المجتمع بأسره عن رفضه لها وتنديده بها».
**فرضية «الذئاب المنفردة»
وفي 24 ديسمبر وصف وزير الداخلية المغربي، «عبد الوافي لفتيت»، الواقفين وراء مقتل السائحيتين الأجنبيتين بـ«الذئاب المنفردة التي تتحرك في الظل».
وقال لفتيت، خلال رده على أسئلة أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، إن «الأفراد الواقفين وراء الحادث تشبعوا بأفكار فردية متطرفة».
ولفت إلى أن «عدد الموقوفين المشتبه بضلوعهم في قتل سائحتين أجنبيتين ارتفع إلى 17 شخصًا».
وبحسب لفتيت، فإن «توقيف هؤلاء الأشخاص ساهم في إحباط مخطط إرهابي»، لم يتحدث عن تفاصيله.
واعتبر أن طبيعة هذه الجريمة تؤكد «نجاح السلطات الأمنية في تضييق الخناق على المجموعات الإرهابية، مما حد من قدراتها الإجرامية، ودفعها إلى البحث عن وسائل أخرى لتنفيذ أهدافها الخبيثة».
وقال عبد الحكيم أبو اللوز، الباحث المغربي في الشأن الديني والسلفية، إن «هناك ترجيح لفرضية الذئاب المنفردة لهذه العملية الارهابية، بالإضافة إلى احتمال أن تكون العملية نُفذت بدافع إجرامي».
وأضاف أبو اللوز إن «بروفايلات الأشخاص الذين نفذوا العملية تبين أنهم متشبعون بالسلفية الجهادية التقليدية».
**فكر «تنظيم الدولة»
في المقابل، اعتبر إدريس القصوري، الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية أن «هذا الحادث منعزل، إلا أنه على مستوى الفكر هناك ارتباط واتصال مع تنظيم الدولة لأن أدوات التنفيذ داعشية».
ولفت إلى أن «هذه الجريمة لا تندرج تحت ما يسمى الذئاب المنفردة، لأن عدد الموقوفين وصل إلى 17 شخصا، ولكن الأمر يرتبط بجماعة تحمل فكراً عنيفاً، و متأثرة بتظيم الدولة، وشروط التأثر واضحة».
وأضاف «على المستوى المعرفي لأعضاء هذه الجماعة يتضح أن هناك تبني للفكر الجهادي، وعلى المستوى الاجتماعي أفراد الجماعة يعيشون في الهامش وبمناطق فقيرة، وعلى المستوى التعليمي يتميز أعضاء الجماعة بالجهل والأمية، وهو ما يوضح إمكانية تبني فكر داعش والانتقام من الآخر».
ولفت إلى أن «المقاربة الأمنية بالمغرب ركزت على المدن وعلى المناطق الحساسة، وكان هناك نوع من الإهمال للمناطق النائية والأرياف».
وأوضح أن هذه الجماعة لم تتواصل بـ «تفاديا لرصد أجهزة الأمن، وعملت بصمت إلى غاية تنفيذ عمليتها».
وقال بوبكر سبيك عميد الشرطة الإقليمي، الناطق الرسمي باسم مصالح الأمن، في تصريحات إعلامية ان العودة المفترضة للمقاتلين المغاربة في صفوف «تنظيم الدولة» من ساحات القتال في سوريا والعراق يشكل تحديا بالنسبة للمصالح الأمنية، مشيرا إلى أن هناك ألفا و692 مقاتلا مغربيا ينتمون إلى التنظيم الإرهابي تم اعتراض 242 عائدا منهم.
وعُثر فى منتصف الشهر الجاري على جثتي الدنماركية لويسا فستراجر جيسبرسن (24 عاما) والنرويجية مارين يولاند (28 عاما) مذبوحتين في منطقة معزولة قرب إمليل على الطريق إلى قمة توبقال وهي أعلى قمة في شمال أفريقيا ومقصد شهير لتسلق الجبال بالمغرب.