حملت الحكومة السودانية، «حركة تحرير السودان» المتمردة، بزعامة عبد الواحد محمد نور، مسؤولية المحاولات «التخريبية» التي طالت الاحتجاجات بالبلاد، المستمرة لأكثر من 11 يوما.
وحركة تحرير السودان/ جناج نور؛ إحدى أكبر ثلاثة حركات تقاتل الحكومة في دارفور (غرب) منذ 2003، إلى جانب حركتي، العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان/ جناح مناوي.
وعبد الواحد نور، هو مؤسس ورئيس حركة تحرير السودان، في 2002، وتعرضت لانشقاقات كثيرة طوال تاريخها.
أبرزها قيام الأمين العام للحركة، مني أركو مناوي، بإبعاد عبد الواحد محمد نور، من رئاسة الحركة في 2005، وتكوينه لحركة تحمل اسم «تحرير السودان/ فصيل مناوي».
فيما أبقى عبد الواحد، على حركته تحرير السودان/ جناح عبد الواحد نور، وهو الفصيل الذي رفض كل عمليات السلام مع حكومة الخرطوم على خلاف غيره من الحركات.
وظل نور، يتمسك بموقفه «إزاحة النظام في الخرطوم، وإيجاد حل قومي للمشكلة السودانية»، وبقي دائمًا بعيدا عن جولات التفاوض للسلام في دارفور برعاية إقليمية ودولية.
والسبت الماضي، دعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، السلطات السودانيّة إلى التحقيق في مقتل أشخاص سقطوا خلال تظاهرات معارضة للحكومة في الخرطوم ومدن أخرى.
وأضاف أنّه «يتابع بقلق» التطوّرات في السودان، و«يشدّد على ضرورة ضمان حرّية التعبير والتجمع السلمي».
وتشهد العاصمة وغيرها من المدن السودانيّة احتجاجات منذ 19 ديسمبر الجاري، عقب قرار الحكومة رفع أسعار الخبز.
وعلى خلفية حرق مقار حكومية ودور للحزب الحاكم في عدة مدن، وسقوط 19 قتيلًا (وفق الحكومة)، و37 حسب العفو الدولية (منظمة غير حكومية)، نشأت المعركة إعلاميًا وسياسيًا بين الحكومة وحركة عبد الواحد نور.
** الرواية الحكومية
وجاءت الرواية الحكومية حول الاحتجاجات متسلسلة، بدءا باتهام أطراف خارجية بالانحراف بالتظاهر السلمي إلى حرق وتخريب الممتلكات العامة والخاصة.
جاء ذلك في حديث مدير الأمن والمخابرات، صلاح قوش، في 21 ديسمبر الجاري، متهما الموساد الإسرائلي بتجنيد عناصر من حركة «عبد الواحد نور»، كانوا في إسرائيل لإثارة الفوضى في السودان.
وقال قوش، «رصدنا 280 عنصرا من الحركة، وجنّد الموساد قسما منهم».
لكن نشطاء حرصوا على بث فيديوهات وصور توثق مقتل متظاهرين، تناقلتها وسائل الإعلام العالمية والمحلية، محملين الحكومة مسؤولية مقتل المتظاهرين.
وهو ما نفته الحكومة بشدة، مؤكدة أن قوات الأمن أو الدعم السريع التابعة للجيش السوداني، أو الشرطة (القوات المنوط بها حفظ الأمن أثناء الاحتجاجات وقد تعرضت هي أيضا للاعتداء، وأصيب 187 من أفرادها).
وقال وزير الإعلام، الخميس، إن القوات الأمنية لم ولن تطلق النار على المتظاهرين بشهادة المحتجين أنفسهم.
وفي أول ظهور للرئيس عمر البشير، منذ اندلاع الاحتجاجات، الثلاثاء الماضي، قال مخاطبًا حشدا من أنصاره بولاية الجزيرة وسط البلاد، إن «بعض الخونة والعملاء والمرتزقة والمندسين استغلوا الضائقة المعيشية للتخريب خدمة لأعداء السودان».
وتزامن تصريح البشير، مع موكب دعا له تجمع المهنيين (المستقل) لتسليم مذكرة لقصر الرئاسة تطالب بتنحي البشير من السلطة، إلا أنه تحول لمظاهرات بالقرب من القصر الرئاسي، استمرت لساعات بين المحتجين، وقوات الشرطة، والأخيرة استطاعت تفريق المحتجين.
وطوال اليومين الماضيين، تبارت أجهزة الإعلام الحكومية وقنواتها الفضائية في إبراز خبر القبض على خلايا تتبع لحركة عبد الواحد نور، نفذت «التخريب والحرق» للمتلكات العامة والخاصة.
والخميس الماضي، ردد الناطق باسم الحكومة وزير الإعلام، جمعة بشار أرو، ذات الاتهامات للحركة المسلحة، وأعلن عن القبض على الكثير من أفرادها في عدة ولايات «النيل الأبيض، ونهر النيل، وسنار، الخرطوم».
وقال إن النيابة العامة باشرت التحقيق في الأحداث والتدمير والخراب الذي طال المؤسسات الحكومية والخاصة.
إلا أن ذلك لم يمنع خروج الاحتجاجات في اليوم الذي تلا حديث الوزير، في العاصمة الخرطوم، وعدة مدن ولائية، وفرقتها الشرطة بالغاز والمسيل للدموع.
والسبت الماضي، أعلن وزير الدولة بالإعلام، مأمون حسن، ضبط خلية تتكون من 10 أفراد بعد اشتباكات مع الشرطة، وقتل أحد أفراد الخلية التابعة لحركة نور، بحي “الدروشاب” شمالي الخرطوم.
وقال إنه: «تمّ ضبط مجموعة من عشرة أفراد تتبع حركة عبد الواحد نور، وبحوزتهم 14 بندقية كلاشنيكوف وألف طلقة، وجهاز كومبيوتر بداخله مستندات تشير إلى أنّهم يخططون لقتل المتظاهرين من داخل المظاهرات».
** نور يعود للمشهد
عاد عبد الواحد محمد نور، إلى المشهد السوداني بقوة مع تزايد الاتهامات الحكومية له ولحركته.
ونور، المحامي والسياسي، ينتمي لقبلية الفور في دارفور، ويقيم في فرنسا ويتنقل بين عدد من الدول الأوروبية.
وتتمركز قوات حركته في جبل مرة، وهي سلسلة وعرة من الجبال، تمتد من شمال الإقليم إلى جنوبه بنحو 280 كلم، بين ولايات شمال ووسط دارفور.
وتكررت معارك القوات الحكومية وحركة عبد الواحد محمد نور، منذ مطلع 2018، آخرها هجوم القوات الحكومية، في نوفمبر الماضي، على مواقع الحركة بمنطقة «فوجو وحلة أو أتيم»، بحسب الحركة.
وفي سبتمبر 2017، وقعت البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في دارفور (يوناميد)، اتفاقا مع الحكومة السودانية على إنشاء قاعدة عمليات مؤقتة لها في منطقة «قولو» بجبل مُرّة.
وتأتي الخطوة بعد انسحاب «يوناميد» من أجزاء كبيرة في دارفور بعد استقرار الأحوال الأمينة فيها، وفق قرارت الأمم المتحدة بانسحاب التدريجي للقوات الأممية من الإقليم.
ودرجت الحكومة السودانية، خلال الأشهر الأخيرة، على التأكيد أن قواتها «دحرت الحركات المسلحة في دارفور باستثناء جيوب صغيرة في جبل مرة، وأن الجيش يعمل على تحريرها»، لكن الحركات تنفي هذه الرواية.
ووصف المتحدث باسم حركة عبد الواحد، عبد الرحمن الناير، الأربعاء الماضي، بث تصريحات منسوبين للحركة في وسائل الإعلام الرسمية بتخريبهم المملتكات بالـ«مسرحية السمجة».
ووجدت حركة نور الدعم، من حليفها السياسي في تحالف «نداء السودان»، حزب «المؤتمر» السوداني المعارض، الذي قال الأربعاء الماضي، «هم (الحكومة) يعرفون ويدركون أن هذه المظاهرات خرجت من صميم الإرادة الشعبية وواجهت قوات أمن النظام بإرادة صلبة لم تنكسر».
وعلى ضوء هذا التطور في الاحتجاجات بدخول حركة متمردة متهمة بتنفيذ أجندة تخريبية لها، مع إقرار الحكومة بحق التظاهر، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة لسجال بين أطراف عدة مع دخول المجتمع الدولي ومطالبته بتحقيق.