كشف موقع قناة “بي بي أس” الأميركية، في تقرير نشره، عن تعرض الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة، لعمليات تجسس ومراقبة، تقف خلفها السلطات السعودية، للتأكد من عدم انتقادهم للحكومة السعودية في الخارج.
وأشار التقرير، الذي ترجمه موقع “عربي21″، إلى أن طالبا بالغا من العمر 26 عاما، وصل إلى كليته في ميد ويسترن قبل عامين، وكان يتطلع لمقابلة أصدقاء جدد، وتعلم طرق تفكير مختلفة، والمشاركة في النشاطات، لكنه، مثل أصدقائه الآخرين، يقول إنه لا يستطيع التحدث بحرية.
وذكر الموقع أن الطالب المقصود مبتعث على حساب الحكومة السعودية، لكنه، وبحسب خبراء الأمن وثمانية طلاب حاليين وسابقين من السعودية، قابلتهم القناة لبرنامج “نيوز أور”، تعرض وأصدقاؤه لسنوات طويلة لتجسس الحكومة السعودية على نشاطاتهم قبل مغادرتهم للدراسة، وقالوا إن العقوبات على من ينتقد الحكومة وهو في الخارج قاسية، وتضم تجميد الجوازات، وتهديدات بالقتل، واستفزازات وسحب البعثات، ومحاولات إعادتهم إلى بلادهم، مشيرا إلى أن الحكومة السعودية تنفي مراقبة الطلاب وهم يدرسون، أو محاولة إعادتهم للبلاد.
ونقل التقرير عن متحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن، فهد الناظر، قوله إن تجربة الدراسة في الجامعات الأمريكية وللغالبية من الطلاب السعوديين هي تجربة إيجابية، وأضاف الطالب، الذي درس في كلية ميدويسترن، أنه في أثناء حفلة عام 2017، أخبره زميل سعودي أن هناك طالبا في الكلية مهمته كتابة التقارير إلى السفارة السعودية والحكومة.
وأورد الموقع نقلا عن الباحث في شؤون الشرق الأوسط في منظمة “هيومان رايتس ووتش” آدم كوغل، قوله إن أستاذا في جامعة جون هوبكنز اتصل به في الخريف الماضي، وكان غاضبا من تلقي أحد طلابه رسائل نصية من السفارة السعودية، وأضاف كوغل أن الرسالة المكتوبة بعناية طلبت منه الابتعاد عن المناسبات المعادية للمملكة، التي اعتبرها الطالب تهديدا.
وقال الطالب الذي تحدث للموقع: “في كل جمعية طلابية نشارك فيها فإن المملكة لديها جاسوسان، وتتصل السفارة معهما، وتقول: لو كانت عندك مناسبة فنريد تقريرا كاملا عما حدث، واكتب التقرير وأضف ما حدث في تلك المناسبة”.
ولفت التقرير إلى أن الطلاب السعوديين بدأوا بالقدوم للدراسة في الولايات المتحدة في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، عندما افتتحت الحكومة مكتبا للشؤون التعليمية في نيويورك، مشيرا إلى أنه بحلول عام 1975 وصل عدد الطلاب السعوديين الدارسين في الجامعات الأمريكية إلى ألفي طالب.
وبحسب الموقع، فإنه يدرس اليوم 60 ألف طالب في الولايات المتحدة، منهم 40 ألف مبتعث على حساب وزارة التعليم السعودية، التي توفر الرسوم الجامعية والتأمين الصحي ونفقات المعيشة.
ونقل التقرير عن ناظر المتحدث باسم السفارة، قوله إن الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة هم سفراء غير رسميين لبلدهم، ويعود معظمهم للمساعدة في تطوير المملكة.
وأورد الموقع نقلا عن الملحقية الثقافية السعودية الفرع الرئيسي التابع للسفارة، التي تتولى أمر الطلاب، قولها إن الملحقية تهدف “لتوفير أفضل الفرص التعليمية لطلابنا، وفي أفضل المؤسسات التعليمية الأمريكية”، وفي عام 2017 نشرت الملحقية الثقافية في فيرفاكس في فيرجينيا في صحيفة تابعة للحكومة قائمة بالقواعد التي يجب أن يلتزم بها الطلاب الدارسين في الخارج.
وأفاد التقرير بأن القاعدة الأولى على القائمة كانت: عدم الانخراط في السياسة، أو النقاشات الدينية، وعدم إجراء مقابلات مع الإعلام في أثناء الدراسة، لافتا إلى أنه بحسب الطلاب الذين قابلتهم القناة، فإن الحكومة السعودية، التي يتحكم بها ولي العهد محمد بن سلمان، تؤكد أهمية مراقبة الطلاب.
ونقل الموقع عن العميل السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي” فرانك مونتويا، الذي عمل نائبا لمدير المكتب الوطني لمكافحة المراقبة، في الفترة ما بين 2012- 2014، قوله إن مراقبة السعودية لطلابها ليست جديدة، وعندما كان في المكتب استمع عن عدد من الحالات، ولم تكن أولوية للمكتب لأنها لم تكن موجة عامة، لكن مونتويا أخبر القناة أن الضباط الذين يعملون في الشرطة قالوا له إن مراقبة الطلاب توسعت في ظل محمد بن سلمان، فيما قال المكتب الإعلامي في “أف بي آي” إنه لا تعليق لديه على الرقابة السعودية.
ونوه التقرير إلى أنه بعد سنوات من التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية في ظل إدارة باراك أوباما، بدت العلاقات أكثر دفئا في ظل الإدارة الحالية، وبحسب مونتويا، فإن السعودية تتعامل مع البيت الأبيض ومواقفه العامة بصفتها “نوعا من القبول لما تقوم به، أو ما تريد فعله، وهذا يشمل ما تعمله داخل الولايات المتحدة”.
وأورد الموقع نقلا عن مونتويا، قوله إن مقتل جمال خاشقجي العام الماضي هو دليل على “استعداد السعودية للذهاب أبعد مما تسمح به الأعراف”، حيث استنتجت المخابرات الأمريكية أن الأمر بقتل الصحافي الذي كان يقيم في الولايات المتحدة جاء من ولي العهد السعودي، وأضاف مونتايو: “ليس من الممكن قيام سعوديين بقتل صحافي، يقيم في الولايات المتحدة لو لم يعتقدوا أن بإمكانهم الإفلات من الأمر في ظل ترامب”.
وأستدرك التقرير بأنه رغم النقد الشديد الذي وجهه الكونغرس للسعودية، إلا أن إدارة ترامب ظلت تدافع عن ولي العهد، وبرر هذا الأمر على خلفية الحفاظ على صفقات السلاح، مشيرا إلى أن إدارة ترامب تجاهلت الموعد المحدد لإعلام الكونغرس بشأن هوية مرتكبي جريمة مقتل خاشقجي.
ونقل الموقع عن مسؤول، قوله: “بناء على وضع الإدارات السابقة والفصل بين السلطات حسب الدستور، فإن الرئيس استمر في موقفه، ورفض التحرك بناء على طلب لجنة في الكونغرس عندما طلب منه”، مشيرا إلى قول كوغل: “يشعر السعوديون بأنهم حصلوا على الجائزة الكبرى، فالإدارة تدعمهم دون أي تردد”.
وأورد التقرير نقلا عن منظمات حقوق الإنسان، قولها إن محمد بن سلمان يحاول إسكات أي صوت معارض له، ففي أيلول/ سبتمبر 2017 اعتقل 20 مثقفا وداعية بذريعة تهديد الأمن، وبعد شهرين شن حملة بذريعة مكافحة الفساد، واعتقل أكثر من 300 شخص في فندق ريتز كارلتون، بينهم رجال أعمال وأمراء.
وأورد الموقع نقلا عن الملحقية الثقافية السعودية، قولها إن هناك المئات من الجمعيات الطلابية السعودية، وتضيف: “مملكتنا لها سفراء ونواديهم هي سفارات”، إلا أن الطلاب يتحدثون عن سيطرة السفارة عليها بشكل كامل.
ونقل التقرير عن أحد الطلاب، قوله إنه بالنسبة للطلاب الذين يدرسون في أمريكا فهي تعني أنه “سواء كنت تقرأ كتبا أو تلعب كرة قدم، فيجب أن تحصل على إذن الملحقية الثقافية في السفارة”، وأضاف أن أي ناد سعودي يريد الاجتماع أو التخطيط لمناسبة فإن عليه الحصول على إذن السفارة، ولاحظ تغيرا في طريقة حصول الأمور، “فمن أجل تنظيم مؤتمر أكاديمي يجب أن تحصل على موافقة قبل ثلاثة أشهر.. النشاطات التي نخطط لها في الجامعة كلها اختفت”.
وقال الموقع إن لدى بقية الطلاب قصصا مماثلة، التي تعود للسنوات السابقة لوصول ترامب إلى السلطة، وقبل وصول محمد بن سلمان إلى الحكم.
وأورد التقرير نقلا عن الزميل في جامعة جورج تاون عبدالله العودة، قوله إنه دعي لمناقشة كتاب في ناد سعودي، وتقدم منه شخص قال إن الملحقية أرسلته لكتابة تقرير عن المناسبة، وحذره الطالب من إطلاق تعليقات ناقدة للمملكة، وأخبره أن هناك طلابا آخرين جاؤوا للمحاضرة من أجل كتابة تقارير، ويعلق العودة قائلا: “إنهم يتبعوننا ويريدون معرفة ما يفكر فيه السعوديون عن حكومتهم وسياستها الخارجية هنا في الولايات المتحدة”.
وأشار الموقع إلى أن ناظر نفى أن تكون الحكومة تؤثر على طلابها وتتجسس عليهم، قائلا: “أعتقد أن المزاعم بأن الملحقية الثقافية هي لجمع المعلومات الاستخباراتية عن الطلاب، أو تتبعهم في هذا البلد الكبير، مثل الولايات المتحدة، أمر غريب”.
ولفتت التقرير إلى أن العودة كان في عام 2015 مبتعثا على حساب الحكومة في جامعة بيتسبرغ، لكن الحكومة قررت، ودون مقدمات، إلغاء البعثة، وطلبت منه العودة إلى السعودية لحل مشكلات، ويقول: “في ذلك الوقت عرفت أن الأمر مصيدة”.
ونوه الموقع إلى أن العودة تقدم ببلاغ قضائي ضد وزارة التعليم السعودية لاستعادة منحته، واستطاع الفوز بقرار قضائي العام الماضي، ولا يزال ينتظر الحصول على المال، مشيرا إلى أن البلاغ شمل على شكوى ضد طالبين سعوديين بشأن تعليقات قالها شخصيا، أو على منابر التواصل الاجتماعي، فيما قال طلاب آخرون إن المملكة تستخدم المال ورقة ضغط لإسكاتهم.
وأفاد التقرير بأنه في يوم من أيام آب/ أغسطس في جامعة سان دييغو، رن هاتف الطالب عبد الرحمن المطيري من شخص في فرجينيا لم يعرف من هو، وكان الشخص المتحدث معه من فرع الملحقية في فيرفاكس، وكانت الرسالة: “توقف عن الحديث وإلا قطعنا عنك كل شيء”.
ونقل الموقع عن المطيري، قوله: “كل طالب سعودي في الولايات المتحدة يخشى من التعبير عن رأيه، حتى في أوقات الفراغ، ولا أحد يستطيع انتقاد الحكومة، ولا توجد فرصة ثانية، ولو قطعوا عنك المنحة فهذا كل شيء”.
وبحسب التقرير، فإن المطيري اكتشف عندما بدأ يتحدث عبر وسائل التواصل ناقدا المؤسسة الدينية، وبعد المكالمة تلقى رسالة رسمية تطلب منه التوقف، وطلبت منه الملحقية التوقيع على الرسالة وإرسالها وإلا سيتم قطع المنحة والمساعدات كلها، وقال: “هذا كابوس يواجهه كل طالب.. تستخدم الملحقية هذا لابتزازنا”.
وأورد الموقع نقلا عن المطيري، قوله إنه وقع الرسالة خشية من قطع المنحة والعودة إلى المملكة لو لم يفعل، لكنه استمر بالنقد ليتلقى بعدها رسالة إلكترونية تخبره أن المنحة توقفت، ونشر المطيري فيديو يتحدث فيه عن دور الحكومة في قتل خاشقجي وتقطيعه، وبعد ذلك طلبت الحكومة من عائلته وقف الدعم المالي عنه أو التواصل معه، أي اعتباره معارضا سياسيا.
وقال المطيري: “شعرت بالعزلة الكاملة واحتجت لعائلتي، خاصة في ذلك الوقت، واحتجت لأتكلم مع شخص”، ويتلقى المطيري الآن تهديدات بالقتل يوميا على “تويتر”، فيما طالبت حسابات مؤيدة للحكومة بقتله.
وأفاد التقرير بأنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 قارب جواز السفر للعودة على نهاية الصلاحية، وتقدم بطلب تجديد للسفارة التي ردت عليه قائلة إنه لا يستطيع تجديده دون العودة إلى المملكة، وفي الشهر ذاته تلقى المطيري رسالة من شخص يقول له إن كان يريد العودة إلى السعودية للتسليم على عائلته، وعندما رفض هدده الشخص بأنه سيعود شاء أم أبى، وفي المكالمة ذاتها أخبره الشخص أنه اتصل مع الخارجية لإجباره على العودة لأنه مواطن سعودي.
وقال المطيري للموقع: “كنت خائفا جدا، وكان علي أن أغير مسكني، ولا أعرف ما سيحدث لي بعد ذلك، هذا كله لأنني نشرت فيديو”.
وأراد الموقع نقلا عن مونتويا، قوله إن الرقابة السعودية على الطلاب ستتوقف لو جرى التحرك من الجانب التنفيذي الأمريكي، وأضاف: “على الأقل هناك حاجة لوقف هذا، ليس من مسؤول في (أف بي آي) إلى نظيره السعودي، بل احتجاج رسمي من الولايات المتحدة.. لسوء الحظ هذا النوع لا يحدث عادة حتى يحصل الضرر على شخص”.
ونقل التقرير عن كوغل من “هيومان رايتس ووتش”، قوله إن الدعم الأمريكي للسعودية ليس دائما، “إنهم يصنعون أعداء، بمن فيهم الكونغرس، وسترتد عليهم، ولم تتبق للإدارة إلا سنوات قليلة، وستأتي إدارة لن تدعمها بهذه الطريقة”.
وختم “بي بي أس” تقريره بالإشارة إلى قول الطلاب إنه لا مهرب من الرقابة السعودية طالما ظل ولي العهد يتصرف دون تحد من الولايات المتحدة، وقال العودة: “لا حدود أمامهم، ويستطيعون الوصول إليك في أي مكان، والرسالة من مقتل جمال خاشقجي، سنصل إليكم في كل مكان”.