قالت صحيفة «ميدل إيست آي» البريطانية إن الحكومة الهندية قد بددت خلال الأسبوع الماضي، جميع الشكوك بخصوص أنها دولة قمعية تعسفية، مشيرة إلى أنها بعثت برسالة للمسلمين مفادها: «لم يعد مرحبا بكم»
وأشارت الصحيفة، في مقال نشرته للكاتب آزاد عيسى وترجمته «عربي21»، أن «الأسبوع الماضي أجاز البرلمان الهندي قانونا يستثني بشكل قطعي المهاجرين واللاجئين المسلمين الذين يعيشون في الهند من الحصول على حق المواطنة».
وأشارت إلى أن الحكومة الهندية تمضي في تنفيذ خطتها لتحقيق حلم طالما راود القائمين على الحزب الحاكم، بإقامة ما يسمى دولة ديمقراطية هندوسية، مضيفة أنه «بموجب قانون المواطنة المعدل، ستكون المواطنة في هذه الهند الجديدة قائمة على الانتماء الديني».
** قانون المواطنة
ووقع الرئيس الهندي على ما يسمى قانون المواطنة المعدل، والذي صدر بالتزامن مع مبادرة حكومية على مستوى البلاد قاطبة أطلق عليها السجل القومي للمواطنين بهدف تحديد من هم المواطنون الشرعيون، وهذا يعني أن حكومة حزب “بي جيه بيه” قد مضت في تنفيذ خطتها لتحقيق حلم طالما راود القائمين عليه بإقامة ما يسمى دولة ديمقراطية هندوسية.
وقالت الحكومة الهندية إن القانون جاء سعيا لحماية أتباع طوائف الهندوس والسيخ والمسيحيين والباريسيين والبوذيين والجينيين القادمين من الباكستان وأفغانستان وبنغلاديش والذين وفدوا على الهند بحثا عن ملاذ آمن بعد تعرضهم للاضطهاد الديني.
ويرى خبراء القانون أن استثناء مسلمي الروهينجا من ميانمار والتاميل من سريلانكا أو حتى الأقليات المسلمة من الباكستان وبنجلاديش وأفغانستان – والذين هرب كثيرون منهم إلى الهند بحجة الاضطهاد الديني – يشير إلى أن القانون إنما صمم لتحقيق غاية مختلفة تماماً: ألا وهو تكريس وضع المسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية.
وانطلقت الاحتجاجات في أنحاء الهند خلال الأسبوع الماضي، بعد إقرار البرلمان للقانون، إلا أن المتظاهرين كانت لهم تظلمات مختلفة.
في ولاية آسام الشمالية، خرج الآلاف إلى الشوارع ليعبروا عن قناعتهم بأن القانون سيعني تجنيس الهندوسيين القادمين من بنغلاديش، الأمر الذي سينجر عنه إحداث تبدل في الهوية الثقافية للدولة.
وفي المدن الأخرى، تركزت الاحتجاجات على الجانب المجتمعي من التشريع الجديد، وذلك أنه يضع الهند بشكل حاسم على الطريق نحو إقامة الدولة الهندوسية.
وكان القمع الذي مارسته الدولة بحق المتظاهرين ممنهجا، حيث قطعت جميع خدمات الإنترنيت بشكل كامل في ثلاث ولايات، بينما تعرضت ولايتان أخريان لقطع جزئي، يضاف إلى ذلك الحصار التام على وسائل الاتصال والتواصل في كشمير مما يعني حرمان ما يقرب من ستين مليون إنسان من خدمات الإنترنت.
وبعد ذلك أطلقوا العنان للشرطة لكي تسحق الاحتجاجات، فاقتحموا الجامعات واعتدوا بالضرب على المتظاهرين ومارسوا بحقهم التهديد والتخويف، وأطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع على الطلاب في واحدة من الجامعات داخل العاصمة. أما في آسام، فقد أطلقوا على المتظاهرين العيارات النارية الحية.
** كشمير
في شهر أغسطس من هذا العام، ألغت الحكومة الهندية المادة 370 والمادة 35 أ من الدستور، وأنهت فعليا وضع كشمير كمنطقة تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي. تم إرسال عشرات الآلاف من القوات الإضافية إلى داخل الولاية التي فرض عليها الحصار وقطعت عنها الاتصالات.
ألقي القبض على الفتيان، وبعضهم لم يتجاوز الرابعة عشرة، وزج بهم في السجن دون توجيه تهم لهم. وبعضهم أرسلوا إلى ولايات تبعد آلاف الكيلومترات عن بيوتهم دونما إشعار أو أي إخطار لذويهم.
مازال مدى ومستوى التوحش الذي مورس ضد الناس في كشمير مجهولاً لأن خدمات الإنترنت مقطوعة منذ خمسة شهور ولا تزال كذلك منذ ذلك الحين، بل وحتى خدمة الرسائل النصية لم تعد متاحة في كشمير.
قامت الحكومة بعد ذلك في شهر أغسطس بنشر قائمة السجل القومي للمواطنين بهدف التمييز بين المواطنين والدخلاء في ولاية آسام الشمالية. استثني من السجل ما يقرب من مليوني إنسان، مما حولهم بجرة قلم إلى «بدون» وما لبثوا جميعاً أن احتجزوا في معسكرات اعتقال جماعية.
** حلفاء الاحتلال
على الرغم من أن مشروع توحيد الهند العتيقة – والتي تشمل الباكستان وكشمير وبنغلاديش – مشروع قديم ويعود إلى عقود مضت، إلا أن اليمين الهندوسي لم يلبث أن دبت به الحياة بسبب الشراكة التي أبرمها مودي مع الاحتلال الإسرائيلي. فمنذ عام 2014 وعلاقة الهند بالاحتلال في أوجها، حتى غدت الهند أكبر مشتر للأسلحة الإسرائيلية.
كما يتم استحضار الوسائل والأدوات الإسرائيلية وتكرارها في قضايا الأمن وتبرير التوحش، وفي تكريس احتلال كشمير، والحديث عن مستوطنات لا يسكنها إلا الهندوس على نمط المستوطنات التي لا يقطنها سوى اليهود داخل الضفة الغربية.
ولذلك فإن القانون المعدل للمواطنة الذي يقيم حقوق المواطنة على أساس الانتماء الديني ما هو سوى صدى لقانون العودة الإسرائيلي الذي يسمح لليهود من مختلف أنحاء العالم بالحصول على المواطنة الإسرائيلية.
تقوم الهند الآن بتشييد دولة هندوسية، وبات المسلمون فيها غير مرحب بهم، وما هي سوى مسألة وقت قبل أن تتعرض الأقليات الأخرى لما يتعرض له المسلمون اليوم.