انخرط دبلوماسي بريطاني كبير في خطة لتحسين صورة خليفة حفتر بعد أن وجهت للقائد العسكري المتمركز في شرقي ليبيا تهم بارتكاب جرائم حرب.
وعمل جوليون ويلش في المشروع المقترح بعد أن انضم إلى شركة علاقات عامة مثيرة للخلاف اسمها كونسولوم، وذلك بينما كان في إجازة غير مدفوعة الأجر من عمله في وزارة الخارجية البريطانية.
وشغل ويلش قبل ذلك منصب نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية.
تقول كونسولوم إنها بدأت العمل في وضع مسودة استراتيجية الاتصال نيابة عن حفتر بعد أن تواصل معها بهذا الشأن في مطلع مايو 2019 وسيط دولي، امتنعت عن ذكر اسمه.
وكان الهدف من الخطة تصوير حفتر كما لو كان زعيما ذا مصداقية لليبيا ككل، وذلك بحسب ما ورد في وثيقة كونسولوم التي قالت عنها الشركة إنها مجرد مسودة واطلع عليها موقع ميدل إيست آي.
تقول الشركة إن المشروع تم التخلي عنه بعد أن أجرى ويلش اختبارا “للعناية الواجبة” لمعرفة ما إذا كان ينبغي قبول حفتر زبونا لديه أم لا. يبدو أن العملية استغرقت قرابة الأسبوع في شهر مايو من عام 2019 رغم الخشية الدولية على نطاق واسع من أن حفتر كان مسؤولا عن ارتكاب جرائم حرب.
ففي الشهر السابق لذلك كان مسؤولون في الأمم المتحدة قد حذروا حفتر علانية بأنه سيكون ضالعا في ارتكاب جرائم حرب لو قصف المدنيين في طرابلس. كما قالت مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إنها كانت تنظر في إصدار مذكرة توقيف بحقه.
حتى ذلك الوقت أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف لإلقاء القبض على محمد الورفلي، أحد أكبر القادة العسكريين لدى حفتر، ومازال الورفلي مطلوبا بتهمة القتل كجريمة حرب.
وخلال يونيو ويوليو من هذا العام، وبعد فشل هجوم حفتر على طرابلس، تم العثور على جثث رجال ونساء وأطفال في قبر جماعي وداخل ثلاجات المستشفيات في مختلف أرجاء المنطقة التي كانت من قبل تحت سيطرة قواته. ما يزيد عن مائة من الجثث التي عثر عليها داخل ثلاجات أحد المستشفيات كانت تحمل آثار التعذيب.
في نفس الوقت الذي كان فيه ويلش يقوم بالبحث عن حفتر ضمن اختبار “العناية الواجبة” الذي أجراه، كانت كونسولوم تمضي قدما في صياغة وثيقة استراتيجية الاتصال، والتي فيما لو لم يتم التخلي عن الخطة لكان الغرض منها مساعدة حفتر في تعزيز وضعه كزعيم قادم للبلاد من خلال التأثير على الرأي الإعلامي والسياسي داخل بريطانيا أولاً ثم في الساحة العالمية الأشمل.
ولدى سؤالهم حول الوثيقة، نفى محامو كونسولوم أن تكون الوثيقة دليلاً على على أن كونسولوم كانت تخطط للفوز بمهمة العمل نيابة عن حفتر، وهددوا بالمقاضاة بتهمة القذف.
“المسودة الأولى”
في سلسلة من الخطابات التالية تلقاها موقع ميدل إيست آي، اعترف محامو كونسولوم فيما بعد أن الوثيقة كانت فعلاً “مسودة أولى” كان يمكن، بعد “مراحل عديدة” أن تتطور إلى مقترح أكثر تفصيلاً. وقالت الشركة إن الوثيقة صاغها موظف صغير ولم تستخدم خارج مكاتب كونسولوم.
كما عملت كونسولوم أيضاً على توليد تغطية إعلامية لمصلحة عميلها منذ وقت طويل، المملكة العربية السعودية، وذلك على الرغم من جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر / تشرين الأول 2018. يعتقد على نطاق واسع أن خاشقجي إنما قتل بأمر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ترفض كونسولوم التصريح فيما لو كان ويلش مشاركاً في عمل العلاقات العامة الذي كانت تقوم به لصالح المملكة.
في شهر يونيو تعرضت كونسولوم لنقد شديد من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني بسبب عمل العلاقات العامة الذي وافقت على إنجازه لصالح حكومة هونغ كونغ بعد أن فرضت الصين قانوناً أمنياً جديداً على المنطقة.
لم يكن ذلك العمل فقط مخالفاً لمصالح الحكومة البريطانية، كما يقول النائب في البرلمان عن حزب المحافظين توم توجندت الذي يرأس اللجنة، وإنما “ضد مصالح الشعب البريطاني، وضد مصالح الديمقراطية وضد مصالح سيادة القانون.”
بعد وقت قصير، أعنت وزارة الخارجية البريطانية أن ويلش لم يعد يعمل دبلوماسياً لديها، ولكنها رفضت إخبار ميدل إيست آي متى ترك الخدمة. كما استنكفت الخارجية البريطانية عن القول ما إذا كانت لديها معرفة بأن ويلش كان يعمل في المشروع.
من المعلوم أن ويلش انضم إلى كونسولوم في عام 2014 للعمل بدوام كامل، ويعتقد بأنه كان حينها في إجازة غير مدفوعة الأخر، وأنه ظل في موقعه الدبلوماسي لعدة سنوات.
كما رفضت كونسولوم القول متى ترك ويلش العمل في وزارة الخارجية، وصرحت لميدل إيست آي بأن السؤال “لا علاقة له بالموضوع.”
إلا أن النسخة المنشورة أونلاين (عبر الإنترنيت) من كتاب “من يكون من”، وهو الكتاب الذي يدون سير الشخصيات المهمة، تقول إن ويلش بقي عضواً في السلك الدبلوماسي البريطاني إلى حين نشرها في ديسمبر 2019. من المعلوم أن كل شخص يأتي ذكره في كتاب “من يكون من” هو الذي يضع البيانات الخاصة به من خلال تعبئة استبيان يزوده به الناشر.
إعادة إنتاج حفتر
من خلال استخدام استراتيجية معقدة للاتصال، والضغط سياسياً على وزراء الحكومة وعلى البرلمانيين والصحفيين، ومن خلال استخدام السوشال ميديا، تقول وثيقة كونسولوم إنها كانت تهدف إلى “تصوير المارشال حفتر كشخصية لا يمكن الاستغناء عنها لمستقبل ليبيا ومن أجل ضمان فرصة لأن تكون ليبيا مستقرة وسلمية وموحدة ومتحالفة مع مصالح الغرب.”
والهدف النهائي حسبما تقول الوثيقة هو تصوير حفتر على أنه “الحل الوحيد الذي يمكن الوثوق به لإنهاء الحرب الأهلية في ليبيا” وكذلك على أنه “مصد ضد الإرهاب موال للغرب” من الممكن أن يصبح “الزعيم الانتقالي” للبلاد أثناء توجهها نحو مستقبل ديمقراطي.
واقترحت الوثيقة أنه يمكن أن تقوم كونسولوم بكتابة عدد من مقالات الرأي وتنشرها في وسائل الإعلام الغربية باسم حفتر، وأن تدرب الناطقين باسمه، وأن تستخدم غوغل ووكيبيديا والسوشال ميديا لتحسين سمعة حفتر أونلاين (عبر الإنترنيت).
وكجزء من مسودة الاستراتيجية الهادفة إلى تحسين وضع حفتر داخل الأوساط الغربية، حددت كونسولوم 22 وزيراً ومسؤولاً في الحكومة البريطانية وداخل البرلمان ومن بين الصحفيين وصفتهم بأنهم “أصحاب مصلحة”.
وتشتمل القائمة على وزيري الخارجية والدفاع آنذاك، جيريمي هانت وبيني موردانت على التوالي، والجنرال جون لوريمر، كبير مستشاري الدفاع البريطانيين حول الشرق الأوسط، وثمانية صحفيين ذكرت أسماؤهم يعملون في ست مؤسسات إعلامية، بما في ذلك البي بي سي، وصحيفة ذي تايمز ومجلة ذي إيكونوميست، وأربعة برلمانيين أدرجت أسماؤهم بمن فهيم توجندات.
لا تشرح الوثيقة كيف كانت تنوي كونسولوم إقناع هؤلاء الأفراد بدعم حفتر، ولكنها تقترح بأن التأثير في الرأي البريطاني ينبغي أن يكون فقط بداية الاستراتيجية التي تمكن المارشال من كسب “تأييد واسع في أرجاء المؤسسة السياسية الغربية.”
وتشير الوثيقة إلى أن أولوية كونسولوم كانت التأثير على الرأي في بريطانيا وتحسين وضع حفتر هناك.
وتقول: “وذلك لأن بريطانيا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وما تزال بريطانيا لاعباً نشطاً في الصراع الدائر حالياً في ليبيا، ونظراً لأن مواقف البلدان الغربية الكبرى الأخرى، وبالذات الولايات المتحدة وفرنسا، مواقف مائعة، فإنه يمكن للدعم البريطاني لصالح المشير حفتر أن يكون له تأثير حاسم في تعزيز تأييد الغرب له.”
اقترحت كونسولوم أن تقوم بذلك باستخدام شبكة من المعارف في وسائل الإعلام الدولية في سبيل إحداث تغيير عالمي في النظرة إلى حفتر، كما تقول الوثيقة.
وكان من المقرر أن يتم تنفيذ الاستراتيجية بالتعاون مع حفتر وطاقم الموظفين لديه.
وقدرت كونسولوم أن الأجر المطلوب لإنجاز هذا العمل سيتراوح ما بين 200 ألف و 250 ألف جنيه إسترليني في الشهر.
رفضت كونسولوم الإجابة على عدد من الأسئلة حول الوثيقة، بما في ذلك حول من الذي أعطى التعليمات “للموظف الصغير” ليصيغها، ولماذا يبدو أن عملية البحث عن حفتر ضمن اختبار “العناية الواجبة” قد استغرقت وقتاً طويلاً جداً، وما إذا كانت وزارة الخارجية البريطانية أو أي حكومة أخرى قد استشيرت كجزء من عملية البحث تلك.
قال متحدث باسم كونسولوم: “لم تعمل كونسولوم إطلاقاً لحساب خليفة حفتر ولم توافق أبداً على العمل له. بل رداً على استفسار وردنا، وبعد إتمام اختبار “العناية الواجبة”، خلصت كونسولوم إلى أن الدخول في مثل هذا المشروع لم يكن ملائماً. يعمل جوليون ويلش موظفاً بدوام كامل لدى كونسولوم منذ عام 2014. وكانت عملية توظيفه شفافة تماماً وفي انسجام تام مع كافة القواعد والإجراءات المعمول بها في وزارة الخارجية، ومازال الأمر كذلك. وتعرب كونسولوم عن اعتزازها بعملها، حيث تطور برامج تساعد البلدان والحكومة على تحسين الأداء، وبناء القدرات، وتعزيز النتائج الاقتصادية وإدارة التغيير. تعمل الشركة طبقاً لأرفع المعايير.”
بعد وقت قصير من صياغة وثيقة كونسولوم، أعلنت شركة لوبي مقرها تكساس في الولايات المتحدة واسمها لندين للحلول الحكومية، أنها فازت بعقد قيمته 2 مليون دولار للترويج لشخص حفتر وتحسين صورته.
أخبرت شركة لندين وزارة العدل الأمريكية، ضمن معلومات مطلوب منها توفيرها بموجب قانون “فارا” الأميركي (قانون تسجيل العملاء الأجانب)، إنها تقدم “خدمات استشارات استراتيجية وخدمات نصح وتخطيط وعلاقات عامة” وترتب لقاءات مع رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين.
عندما انتهى العقد في يونيو 2020، لم تجدده ليندين ولا حفتر. لم تستجب ليندين لطلبات تقدم بها موقع ميدل إيست آي للتعليق على الموضوع.
في يوليو اقترح برلمانيون بريطانيون، بما في ذلك وزير في الحكومة هو غرانت شابس، سن تشريع جديد من أجل إيجاد ما يشبه “فارا” في بريطانيا، وذلك بعد أن خلص تقرير برلماني إلى أن الوزراء ووكالات الاستخبارات في بريطانيا أخفقوا في التحقيق في التدخل الروسي في استفتاء بريكسيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) في عام 2016. تقول وزارة الداخلية إنها تدرس الفكرة.
“فنون مظلمة”
تأسست كونسولوم في عام 2012 على يد تيم ريان وماثيو غونثر بوشيل، وكلاهما كانا من قبل من مدراء شركة الاتصالات بيل بوتنجر.
وكان صحفيون يعملون في الخفاء قد صوروا في عام 2011 مدراء آخرين في شركة بيل بوتنجر وهم يتحدثون عن استخدام “الفنون المظلمة” وما قاموا به من عمل لصالح بلدان تحوم علامات استفهام حول سجلها في مجال حقوق الإنسان، مثل سريلانكا وروسيا البيضاء. لا يقصد من ذلك أن ريان أو غونثر بوشيل كانا ضالعين في هذه الأمور.
في عام 2017، دخلت شركة بيل بوتنجر تحت التصفية بعد أن وجد أنها تثير التوترات العرقية في جنوب أفريقيا لتعزيز المصالح التجارية لواحدة من أقوى العائلات في البلاد. مرة أخرى، لا يقصد من ذلك أن ريان أو غونثر بوشيل كانا ضالعين في هذه الأمور.
لدى كونسولوم مكاتب في لندن وفي مختلف أرجاء الخليج، وقد عملت بشكل وثيق مع الحكومة السعودية لسنوات بحثاً عن وسائل لتحسين التغطية الإعلامية خدمة لمصالح السعودية.
كما اطلع موقع ميدل إيست آي على وثيقة لكونسولوم تقترح استراتيجية إعلامية يمكن اللجوء إليها بعد جريمة قتل خاشقجي.
تتضمن تلك الاستراتيجية التعرف على المؤسسات الإعلامية والصحفيين والمعلقين الأقرب إلى السعودية وكذلك من هم أشد عداوة لها.
ويقال إن هذا العمل كان يشتمل على إعداد قاعدة بيانات منقحة بأسماء وبيانات المنصات الإعلامية والصحفيين وكذلك قاعدة بيانات بأسماء المعلقين والمؤثرين، وتشتمل كذلك على سلسلة من التوصيات الموجهة إلى الوزارات في الحكومة السعودية وإلى الديوان الملكي.