مجلس الشعب السوري بعد اندلاع الانتفاضة في بلاده ضد نظام حكمه بأسابيع قليلة إنه سيقلب حركة دومينو الثورات في الاتجاه المعاكس، إلا أن الثورات لم ولن تتوقف. لقد أراد الأسد أن يوجه رسالة تطمين ربما إلى بقية الأنظمة العربية المهددة بانتفاضات شعبية بأنه سيضع حداً لحركة الربيع العربي، بحيث سيتوقف قطار الثورات بعد مروره بتونس ومصر وليبيا في سوريا، وبالتالي لن يعرج على أي بلد عربي آخر. تهديد الأسد هذا مر مرور الكرام، مع العلم أنه كان أبرز ما جاء في خطابه الأول ضد حركة الاحتجاج في سوريا. لكن لاشك أن البعض استقبله في بقية الدول العربية بسعادة غامرة، خاصة أولئك المتوجسين من انتقال نار الثورات إلى ربوعهم.
ومما يدل على أن الكثيرين شعروا بالغبطة لتصريح الأسد أعلاه أن هناك بلداناً عربية راحت من وراء الستار تدعم النظام السوري بكل ما يلزم لعكس حركة الدومينو التي وعد بها. وقد جاء على لسان الرئيس السوري في مقابلته الأخيرة مع تلفزيون روسيا اليوم أن هناك العديد من الأنظمة العربية "تدعمنا سراً. ولاشك أن في تصريح الأسد بعض الصحة، فرغم أن معظم الحكومات العربية تساير حركة الشارع المؤيدة للثورة السورية في بلادها، إلا أنها من تحت الطاولة تدعم النظام السوري في حربه ضد الانتفاضة الشعبية في سوريا عسكرياً ومالياً. وقد ذكرت بعض التقارير أن بعض الدول العربية ترسل التعزيزات والمستلزمات المدنية دعماً لحملة النظام السوري على الثائرين السوريين.
لقد وجد الكثير من الأنظمة العربية بعد اندلاع الربيع العربي ونجاح الثورات في بعض البلدان نفسه بين نارين، فويله لو أنه دعم النظام السوري علناً، مما قد يؤجج الشارع المحلي ضده، وويله لو أنه لم يدعم النظام السوري، فنجاح الثورة السورية بنفس السرعة التي نجحت فيها بقية الثورات قد يشجع الكثيرين على أن يحذوا حذو الذين انتصرت ثوراتهم. باختصار شديد، فقد وجد الكثير من الأنظمة نفسه في وضع لا يحسد عليه. لكن مما زاد الطين بلة أنه لا أحد يتعلم من أخطاء الآخر، مع العلم أن تلك الأخطاء واضحة للعيان وليست قديمة، بل يرددها الإعلام ليل نهار. وعلى رأس تلك الأخطاء أنه لا أحد يريد أن يتعظ لا من تجربة زين العابدين بن علي في تونس، ولا حسني مبارك في مصر، ولا معمر القذافي في ليبيا، ولا بشار الأسد في سوريا. ولو لاحظنا أن كل زعيم عربي تبدأ بشائر الثورة في بلاده يبدأ باجترار نفس التعبيرات والعبارات والأسطوانة التي اجترها سابقوه، ولم تنفعهم أبداً. لا أحد يريد أن يتعلم على ما يبدو. الجميع يعتقدون أن وضعهم يختلف عن الذين سقطوا، مع العلم أننا كلنا في الهم عرب.
ظننا أن القذافي مثلاً كان استثناء عندما بدأ يستورد المرتزقة والبلطجية من إفريقيا لقمع الثورة في بلاده، فدارت الأيام لنكتشف أنه القاعدة وليس الاستثناء، بدليل أن البعض يدفع الملايين الآن لاستقدام مرتزقة مختصين في قمع الاحتجاجات والمظاهرات في بلاده ضد أبناء شعبه المتحركين. وكلنا سمع في وسائل الإعلام كيف يشتكي المعارضون في بعض الدول من وجود قوات مكافحة شغب مستوردة من بلدان أخرى تقوم بقمعهم والتصدي لمظاهراتهم. والأمثلة كثيرة ولا داعي لذكرها.
لا أدري لماذا يعاني الكثير من أنظمتنا من داء المكابرة؟ فبدل من أن يلجأوا إلى الإصلاح الحقيقي عندما تصرخ الشعوب، تأخذهم العزة بالإثم، ويركبون رؤوسهم، فيزيدون الطين بلة. لا أدري لماذا لا يتعلمون من التجربة السورية التي أدت إلى حرق البلاد والعباد بسبب تعنت قيادتها التي آثرت التصدي للشعب وتدمير الدولة بدل النزول عند رغبات الناس. هل يعقل أن تلجأ بعض الحكومات مثلاً إلى رفع الأسعار ومعاكسة الشارع الملتهب أصلاً بدل تطييب خاطره والنزول عند طلباته البسيطة؟ هل هذا هو الوقت المناسب لرفع الأسعار بهذه الطريقة الجنونية الغشيمة؟ ليس من الخطأ التراجع عن بعض القرارات الخاطئة أبداً، بل إنه رأس الحكمة. لكن لا أحد يريد أن يتعلم من أخطاء ممن سبقوه وركبوا رؤوسهم. ألا يعلم المتعنتون أن كل الشعوب العربية باتت على صفيح ساخن، وغدت مستعدة للنزول إلى الشوارع والصراخ بأعلى صوتها ليس فقط من أجل الإصلاح الحقيقي، بل أيضاً ربما لإسقاط بعض الأنظمة والدوس على كل المقدسات السياسية؟ عجيب فعلاً أمر المتعنتين والمكابرين.
هل يعقل أن يلجأ البعض إلى اللعب بالقوانين والدساتير لصالح الأنظمة الحاكمة في وقت تثور فيه الشعوب في أكثر من مكان لتعديل القوانين والدساتير لصالح المجتمعات لا القيادات؟ كل الملايين التي دفعها القذافي على المرتزقة لم تحمه من السقوط عندما قرر الشعب إسقاطه؟ وبالتالي، كل من يعتقد أن بإمكانه التصدي لحركة الشعب باستيراد بضعة ألوف من المرتزقة وقوات مكافحة الشعب من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية مخطئ تماماً، ومكابر، ولا يريد أن يتعلم، لا بل مصمم على السقوط في نفس الحفرة التي سقط فيها أسلافه، ولم يخرجوا منها؟
هل يعقل أن يقوم البعض بترهيب الشعوب بحرمانها من أبسط حقوقها الوطنية وزجها في السجون كضربة استباقية لأي حركات احتجاجية على نطاق واسع في بلد ما، أو لسحق الاحتجاجات المستمرة منذ شهور في بلد آخر وابتزاز الناشطين بأبسط حقوقهم الإنسانية؟
متى يدرك المكابرون والمتعنتون من الحكام أنه لا بشار الأسد ولا هم قادرون على عكس حركة الدومينو التي استبشروا بها خيراً عندما طرحها الرئيس السوري في خطابه الأول بعد الثورة؟ ألا يلاحظون أن الشعب السوري أمضى حتى الآن قرابة العامين في ثورته على الظلم والطغيان، ومازال يزداد تصلباً وعنفواناً ومطالبة بإسقاط النظام؟ هل استطاع الأسد عكس حركة دومينو الثورة في بلاده أو في بقية الدول كما توعد، أم إنه زادها اشتعالاً وتوهجاً؟ هل فعلاً أن بقية الشعوب العربية خافت من أن تتعرض لما تعرض له الشعب السوري الثائر من قمع وحشي فاشي ونازي، أم أنها لم تبال أبداً، وراحت تنزل إلى الشوارع، وتتحدى، وترفع صوتها في أماكن عدة؟ أليس حرياً بمن يحاولون قلب حركة الدومينو أن يعلموا بأن الحبل على الجرار؟
العاقل من اتعظ بغيره والأحمق من اتعظ بنفسه