سباق قضائي انطلق بين القاهرة وروما، في قضيتين بارزتين متعلقتين بمقتل باحث إيطالي قبل نحو 5 سنوات، وأخرى في تهريب قطع أثرية من مصر، والأولى تلاحق عناصر أمنية مصرية والثاني أدين فيها إيطاليان أحدهما دبلوماسي سابق.
** محاكمة غيابية بروما
القضية الأولى المعروفة إعلاميا «جوليو ريجيني»، لباحث إيطالي عثر على جثمانه مقتولا بالقاهرة في فبراير 2016.
وتسببت ذلك في استدعاء إيطاليا سفيرها لدى القاهرة ماوريتسيو مساري بعد شهرين من الواقعة لإجراء مشاورات، قبل أن تسمي روما آخر هو «جامباولو كانتيني» ويصل القاهرة في سبتمبر 2017.
وقاد كانتيني، بالتزامن مع المباحثات بين المدعي العام بمصر وإيطاليا جولات تعزيز ثقة بين البلدين، بلقاءات وتصريحات فصلت بشكل لافت بين ملف ريجيني والعلاقات.
وكان أبرز تصريحاته في 31 يوليو الماضي، عقب لقاء وزير الصناعة المصرية نيفين جامع، حيث قال كانتيني سفير إيطاليا بالقاهرة، إن العلاقات الثنائية المصرية الإيطالية عميقة وتاريخية خاصة في المجال الإقتصادى.
غير أن قضية ريجيني عادت لتتصدر الواجهة لاسيما في 30 نوفمبر، حيث أكد النائب العام المصري المستشار حمادة الصاوي، في بيان مشترك مع السلطات الإيطالية، إن الشخص الذي قتل ريجيني لا يزال مجهولا وجارٍ البحث عنه، وسيُغلق ملف التحقيقات مؤقتا.
بينما أعلنت نيابة روما “نيتها عرض المشتبه فيهم من أفراد منتمية لأجهزة أمنية بتصرفات فردية منهم، دون صلة بأية جهات أو مؤسسات حكومية مصرية، على قاضي التحقيقات الأولية في روما لتقييمه واتخاذ الإجراءات القضائية بشأنه”.
في هذا الصدد، «تحفظت النيابة المصرية تمامًا على هذا الاشتباه ولا تؤيده»، مؤكدة أنه «مبنيٌ على غير أدلة ثابتة، وتؤكد تفهمها للقرارات المستقلة التي سوف تتخذها نيابة روما»، وفق البيان المشترك.
وفي 10 ديسمبر الجاري، سمّى ممثلو الادعاء الإيطاليون 4 من عناصر الأمن المصري كمتهمين مشتبه بهم، في قضية ريجيني
وفي سياق غير بعيد، أصدر البرلمان الأوروبي، قرارا ينتقد الملف الحقوقي بمصر في 18 ديسمبر، ويدعم موقف روما القضائي بخصوص اتهامه لعناصر الأمن المصري
فيما كان الرفض المصري على عدة مستويات، بينها مجلس النواب المصري «الغرفة الأولى» الذي اعتبر القرار الأوروبي «مسيسا ويحمل مغالطات ولا يلائم الشراكة الاستراتيجية المصرية – الأوروبية».
** «تهريب الآثار الكبرى»
بعد نحو أسبوع من بيان الإدعاء العام بإيطاليا، طالب الانتربول المصري وفق تقارير محلية روما بتسليمه دبلوماسيين إيطاليين سابقين كانا قد عملا في القاهرة، على خلفية القضية المعروفة إعلاميا “تهريب الآثار الكبرى”، والتي تعود لمنتصف عام 2018.
وكان من بين الدبلوماسيين الإيطاليين الذين طالبت القاهرة تسليمهم، سكاكال أوتاكار، القنصل الإيطالي السابق في الأقصر.
وأوتاكار أدين غيابيا في 24 يناير الماضي؛ بتهريب حوالي 22 ألف قطعة أثرية تاريخية إلى إيطاليا خلال الأعوام 2016-2018 التي عمل فيها في مصر.
وأشارت وسائل إعلام مصرية أن أوتاكار تلقى حكمًا بالسجن لمدة 15 عامًا مع تشديد العقوبة وغرامة قدرها مليون جنيه مصري «حوالي 66 ألف دولار». لاديسلاف سكاكال- قنصل إيطاليا السابق في الأقصر
وأوضحت وسائل الإعلام المصرية أن الدبلوماسي الآخر الذي طالبت به القاهرة يدعى ماسيميليانو سبونزيلي، الذي عمل سابقًا في السفارة الإيطالية كمفوض تجاري، الذي ساعد أوتاكار.
وفي 24 ديسمبر، قررت محكمة النقض «أعلى محكمة للطعون بالبلاد/ أحكامها نهائية»، حجز طعن تقدم به بطرس غالي المتهم المصري بالقضية مع أوتاكار على سجنه 15 عاما، لجلسة 14 يناير للنطق بالحكم، وفق صحيفة الأهرام المملوكة للدولة.
ولم تشير الصحيفة المصرية لموقف الدبلوماسي الإيطالي السابق والذي يرجح أن تؤيد المحكمة الحكم ضده بشكل نهائي لعدم تقديمه طعنا، على أن يعاد محاكمته حال تسلميه نفسه أو القبض عليه.
وليس بعيدا، كانت هناك محاولات مصرية مع روما لفتح التحقيق في قضية اختفاء مصري بإيطاليا، حيث ظهرت في منتصف مارس 2016، قضية اختفاء عادل معوض في إيطاليا، بالتزامن مع «ضجة» ريجيني
وآنذاك اعتبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في مقابلة له مع صحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية، واسعة الانتشار «غير حكومية»، أن حادث مقتل «ريجيني» في مصر، واختفاء المواطن المصري عادل معوض في إيطاليا، «حوادث فردية»، قبل أن يختفي الحديث عن تلك القضية .
وفي أواخر نوفمبر الماضي، نشرت صحف مصرية خاصة تقارير ن فقد 7 مصريين في إيطاليا دون العثور عليهم، منتقدة عدم الحديث الحقوقي عنهم مثل ريجيني، ونقلت عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان «غير حكومية» مطالبات للمجتمع الدولي والحكومة الإيطالية ووزارة الخارجية المصرية بإجلاء مصير المصريين المختفين قسريا.
** المستقبل
يرى متابعون أن جريمة مقتل ريجيني في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير في مصر، جعلت نظام السيسي في وضع صعب للغاية، لاسيما وأن مصر على موعد لاستقبال الذكرى العاشرة لثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك
بينما تأتي عبارة «دون صلة بأية جهات أو مؤسسات حكومية مصرية»، والتي ذكرها البيان المشترك المصري الإيطالي لتصل إلى إجابة أولى عن ماهية مستقبل تلك القضية ونظيرتها الخاصة بتهريب الآثار إذ لا يمكن فك الارتباط بينهما لاسيما في توقيتهما ووجود مسؤولين متهمين بكلا البلدين.
إذ إن النيابة الإيطالية وفق مراقبين فصلت بين النظام والمتهمين وجعلته مسبقا «تصرفا فرديا»، لن يسفر عن تأثير جذري في العلاقات في ضوء أن القاهرة وروما شريكان اقتصاديان وهناك ملفات كثيرة تهم الاتحاد الأوروبي تجمعهما بمصر.
غير أنه لا يزال الأفق يحتمل مزيدا من الانتقادات الأوروبية ضد القاهرة دون أن تترجم لتأثير مباشر على العلاقات مع النظام المصري بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتظل السيناريوهات مفتوحة بخصوص تنفيذ الأحكام المرتقبة، إذ أنه في ظل غياب معاهدة لتسليم المجرمين بين مصر وإيطاليا بحسب ما تقول تقارير محلية، يستلزم الأمر احتجازهم في بلادهم سواء بالقاهرة أو إيطاليا، ولا يمكن إجبار أي منهما على تسليمهما لبلد ثالثة ولو يقر القانون ذلك، فذلك احتمال مستبعد في ظل علاقات البلدين.
الأناضول