أسامة جاويش يكتب..
أود التوجه بمقترحين لسيادة الجنرال المصري ساكن قصر الاتحادية عبد الفتاح السيسي بخصوص مسلسلات رمضان 2022 و2023، المقترح الأول عن مسلسل “الاختيار 3” عن دور الإخوان المسلمين في حوادث القطارات المستمرة، التي ازدهرت في عهد النظام العسكري، أما الثاني فهو مسلسل “الاختيار 4” عن دور الإخوان المسلمين في أزمة سد النهضة الإثيوبي، وكيف ساهموا في توقيع السيسي على اتفاق المبادئ 2015.
مضطرا شاهدت حلقة من مسلسل “الاختيار 2” التي تناولت مذبحة رابعة العدوية، توقعت تزييفا للحقائق وتضليلا للناس وكذبا صريحا وتدليسا بحق المعتصمين، ولكن لم أتوقع أبدا هذا القدر من قلب الأحداث وتحويل الضحية إلى جانٍ ورسم الجاني بصورة الضحية البريئة.
المنتصر لا يكتب التاريخ، تلك عبارة خاطئة جملة وتفصيلا، لا سيما إن كان الشهود على هذا التاريخ أحياء يرزقون. في حالة السيسي ومذبحة رابعة، لا يصح إلا أن نقول إن المنتصر عسكريا على أشلاء المعتصمين وجثث المصريين في رابعة والنهضة، يكتب التاريخ، ولكن الواقع أن السيسي يزور التاريخ في حضرة من عاشوه وفي حضرة من تابعوه، وفي حضرة من شهدوا عليه أيضا، سواء داخل رابعة أو الملايين أمام شاشات الفضائيات التي كانت تنقل المذبحة على الهواء مباشرة.
خطيئة السيسي ليست في ارتكابه المذبحة فقط، بل امتدت لسنوات سبع عجاف بنى فيها الجنرال استراتيجية بقائه على أشلاء الضحايا، وجعل من الانقسام المجتمعي وقودا يشعل به نار الفرقة بين مكونات الشعب المصري.
خلال الشهر الماضي، تعالت أصوات الكثير من المعارضين المصريين في الداخل والخارج، وجرت نقاشات واسعة في كلوب هاوس حول أهمية الاصطفاف الوطني ونبذ الفرقة ونسيان الخلاف مع النظام المصري، من أجل الاتحاد صفا واحدا في مواجهة خطر العطش، بعد عزم إثيوبيا المضي قدما في الملء الثاني لخزان سد النهضة الشهر المقبل.
في ظل كل هذا أبى السيسي ونظامه إلا أن يدق المسمار الأخير في نعش هذه النقاشات بما حشده من إعلام ودراما في شهر رمضان، ليعيد الشعب المصري بأكمله إلى ذروة الانقسام المجتمعي الذي أعقب مجازره بحق المصريين في رابعة
للمرة الأولى تجد لهذه المبادرة صدى، وللمرة الأولى أيضا يبدأ البعض في التناقش بموضوعية منذ سبع سنوات حول أهمية اللحظة الراهنة وخطورتها، وحول استعداد النظام العسكري في مصر لفتح المجال لمصالحة وطنية حقيقية وإطلاق سراح المعتقلين، والاستفادة من خبرات جميع مكونات النسيج الوطني المصري لمواجهة أزمة سد النهضة. وفي ظل كل هذا، أبى السيسي ونظامه إلا أن يدق المسمار الأخير في نعش هذه النقاشات بما حشده من إعلام ودراما في شهر رمضان، ليعيد الشعب المصري بأكمله إلى ذروة الانقسام المجتمعي الذي أعقب مجازره بحق المصريين في رابعة في أغسطس 2013.
بالتزامن مع هذا العبث العسكري، وجهت السفارة الإثيوبية في لندن الدعوة لي لحضور ندوة خاصة يتحدث فيها وزير الخارجية الإثيوبي برفقة اثنين من فريق المفاوضات مع مصر والسودان؛ عن وجهة النظر الإثيوبية بشأن سد النهضة والخلاف مع مصر والسودان.
مع بداية الندوة، فوجئت بأن الدعوة تم توجيهها لما يقارب المائتي شخصية حول العالم ممن يمكن وصفهم بالمؤثرين كل في مجاله وحسب اختصاصه.
على مدار ساعتين، تحدث الإثيوبيون بوجهة نظرهم مع صحفيين وسياسيين وباحثين وخبراء مياه ودبلوماسيين سابقين وسفراء لبعض الدول أيضا.
ما هالني في الحقيقة ليس دفاع إثيوبيا عن مواقفها، ولكن المفاجآت التي تحدثوا عنها بشأن الموقف المصري. وفقا للرواية الإثيوبية، فإن النظام المصري لم يعترض على الملء الثاني لخزان السد، ولم يبد أي مخاوف أو قلق بشأن تأثر حصة مصر من المياه أو تأثير ذلك على قطاع الزراعة في مصر، ولكن كان كل همّ الوفد المصري المفاوض، توقيع اتفاق جديد مع إثيوبيا بشأن تشغيل السد، وهو ما رفضته إثيوبيا واعتبرته مساسا بالسيادة.
الأمر الآخر، هو الموقف السوداني الذي يظهر أنه مرحب بالسد ومؤيد للموقف الإثيوبي بشكل كبير. الأمر الثالث هو أن إثيوبيا ترى أنه بموجب توقيع السيسي على اتفاق المبادئ في مارس 2015؛ فإنه لا توجد أي اتفاقية مائية أو إطار قانوني دولي أو جلسات مفاوضات تستطيع إجبارها على التوقف عن الإنشاءات أو الملء الثاني لخزان السد، وهو ما يتنافى مع البروباجاندا المصرية في الأسابيع الأخيرة.
إثيوبيا تتحرك بشكل جاد في تشكيل لوبي دولي يدعم موقفها وتحاول تجميع أكبر عدد من الحلفاء لها داخليا وخارجيا، أيضا ممن يؤمنون بروايتها ويساهمون في نشرها دوليا. على النقيض تماما، يتحرك السيسي ونظامه في حملات غير ذات قيمة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لنشر فيديوهات تدعم الرواية المصرية التي أضعفها توقيع السيسي على اتفاق المبادئ.
لا اصطفاف مع نظام عسكري كهذا، والأزمة هنا ليست خلافا سياسيا، بل موقفا واضحا من نظام تبين مع التجربة أنه لا يعمل لصالح الشعب المصري ولا يؤتمن على مصالحه. فشل في سد النهضة ولا زال فاشلا، قتل المصريين ثم بنى بقاءه على دمائهم، قسم المصريين ثم أطلق دعايته السوداء لبث الكراهية في نفوسهم تجاه بعضهم بعضا.
إن كان من خطر حقيقي تواجهه مصر في سنواتها السبع الأخيرة، فإنه يتلخص في كلمتين: نظام السيسي.
عربي 21