شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«الإيكونوميست» البريطانية: المستبدون العرب يكتبون الدساتير ويعدلونها متى يشاؤون

نشرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن تشبث الدول العربية بدساتيرها ورفضها التغيير والتجديد بقيادة حكامها المستبدين.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته «عربي21»، إن تونس تمر بأزمة منذ شهر يوليو عندما جمّد رئيس الجمهورية قيس سعيّد البرلمان وأخبر ناخبيه أن الديمقراطية التونسية قد انهارت وأعلن عن اتخاذ تدابير استثنائية لإنقاذ الدولة.

ووعد سعيّد بإجراء انتخابات في سنة 2022 يسبقها استفتاء على الدستور في شهر يوليو، ثم إجراء انتخابات برلمانية في ديسمبر. ولطالما حلم أستاذ القانون الدستوري قبل أن يصبح رئيسًا بإعادة تشكيل تونس باعتبارها ديمقراطية غير مباشرة. وقد منح نفسه حاليًا السلطة الكافية للقيام بذلك.

وكتب توماس جفرسون ذات مرة أنه يتعين على الدولة إعادة صياغة دستورها كل 19 سنة، لكن يبدو أن صياغة الدساتير في العالم العربي أبدية. فقد أعادت مصر مثلا صياغة دستورها ثلاث مرات فقط آخرها منذ عقد، ويبدو أن تونس ستنضم إليها قريبًا، بينما من المفترض أن تقوم كل من سوريا وليبيا بكتابة دساتير جديدة.

وذكرت المجلة أن بعض هذه العمليات كانت صادقة، حيث أعادت بعض الديمقراطيات الناشئة كتابة الدساتير الاستبدادية. لكن في الآونة الأخيرة، فقد بات الحكام السلطويون هم من يشرفون على كتابة دساتير بلدانهم. وبدلا من أن تعكس الدساتير إقرارًا للمبادئ الوطنية غير القابلة للانتهاك، فإنها أصبحت أداة ساخرة.

بالنسبة لمعظم التونسيين، يحتل الدستور الجديد مرتبة متدنية في قائمة أولوياتهم، وأكثر ما يثير قلق الناخبين في الوقت الحالي تداعيات الركود الاقتصادي ومعدل البطالة الذي بلغ 18 بالمئة، بينما يهدد تراكم الديون «التي تبلغ حاليا 88 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي» بدفع البلاد إلى عتبة الإفلاس. ومع ذلك فيبدو أن الرئيس، مثل البرلمان المنتخب الذي جمّده، ليس قادرًا على إصلاح الاقتصاد.

وأشارت المجلة إلى أن دوافع إعادة كتابة الدستور في دول أخرى كانت أكثر سخرية. وقررت مصر كتابة دستور جديد بعد ثورة 2011، وأشرفت لجنة مكونة من 100 عضو على صياغته في السنة التالية. وعلى الرغم من أن هذه اللجنة قد وعدت باعتماد الشفافية، إلا أن نسبة كبيرة من أعمالها أنجزت في الخفاء. ومع ذلك، فإنه تم تسريب ما يكفي لإثارة البلبلة، حيث احتدمت النقاشات حول دور الشريعة وحقوق المرأة. ومن المرجّح أن يستمر الجدل حول الدستور لفترة أطول مما استغرقته كتابته.

وأوردت المجلة أن عبد الفتاح السيسي، الذي كان جنرالا في الجيش، استولى على السلطة في سنة 2013 بعد ستة أشهر فقط من اعتماد الدستور، ثمّ أشرفت القوات المسلحة على كتابة دستور جديد. وخلال فترة ولايته الثانية كرئيس، مثل الدستور عقبة أمامه بمنعه من السعي لولاية أخرى، لكن أعضاء نظامه تمكنوا من إيجاد حل مبدع تمثل في تنقيح دستوري مدد فترة ولايته من أربع سنوات إلى ست سنوات.

وبما أن فترة ولايته الأولى استمرت لمدة أربع سنوات فقط، فإنه لم يتمّ احتسابها، ما سمح له بالترشّح للإعادة لفترة ثالثة. كانت هذه التعديلات بمثابة استهزاء بالقانون الدستوري لخدمة غايات محددة، وقد وافق قرابة الـ90 بالمئة من الناخبين في استفتاء شعبي على منح السيسي حق المطالبة بتفويض شعبي للحكم إلى غاية 2030.

ولعل المثال الأكثر سخرية هو ما فعله الديكتاتور السوري بشار الأسد. فمنذ سنة 2019، تشرف الأمم المتحدة على لجنة معنية بصياغة دستور جديد لبلاده التي مزقتها الحرب. وقد اختير أعضاء هذه اللجنة الـ 150 بالتساوي من قبل النظام والمعارضة والأمم المتحدة، لكنّ اتفاق الأعضاء على وجوب الشروع في الكتابة استغرق عامين من المشاحنات.

وأوضحت المجلة أنه في حال صدور أي وثيقة نتيجة لهذه العملية فإنه لا أحد يتوقع أن الأسد سيلتزم بها، ذلك أنه يدير في الواقع دكتاتورية متعطشة للدماء. وبالنسبة لبشار الأسد، تعتبر اللجنة وسيلة للتظاهر بأنه جاد بشأن الإصلاح السياسي، أما بالنسبة لخصومه فهي طريقة للتظاهر بأنهم لا يزالون منخرطين في الساحة السياسية.

ودائما ما يتم تجاهل الدساتير التي تحمي حقوق المواطنين بشكل روتيني، فعلى سبيل المثال تضمن مصر حرية التعبير، لكن ذلك لم يمنع القضاة من سجن عدد لا يحصى من منتقدي النظام. وفي 20 كانون الأول/ ديسمبر، مثلا، أصدرت محكمة مصرية قرارًا بسجن مدونين ومحام لمدة خمسة أعوام بتهمة “نشر أخبار كاذبة”.

وبحسب المجلة، تؤمن النخبة السياسية بأن الدساتير موجودة لحمايتها. وفي لبنان، حيث من المفترض أن يصوت المواطنون للبرلمان الجديد في مايو، تأتي الانتخابات في خضم أزمة اقتصادية قاسية دفعت بالكثير من السكان إلى عتبة الفقر ووسط استياء واسع النطاق من الطبقة السياسية. وقد حث الناشطون المغتربين على التسجيل في الانتخابات على أمل أن يقللوا الولاء للأحزاب التقليدية.

ويخشى رئيس الجمهورية ميشال عون من أن يضر ذلك بالتيار الوطني الحر. وبموجب قانون الانتخاب الحالي، فإن لكل لبناني مغترب الحق في الاقتراع مثل أي لبناني آخر مقيم في البلاد. وقد سعى التيار الوطني الحرة إلى اقتطاع ستة مقاعد للشتات، ما حصر أصواتهم في ركن صغير من البرلمان المؤلف من 128 عضوا. وعندما رفض المشرعون هذا الاقتراح، فقد لجأ عون إلى المجلس الدستوري بحجة أن النظام يحرم الشتات من حقه في التمثيل «فشل طعنه في ذلك». وقد أظهر اهتماما أقل بالحقوق الدستورية الأخرى مثل حرية التعبير. وخلال الصيف، أيد العقوبات الجنائية على الأشخاص الذين يهينون السياسيين.

وأشارت المجلة إلى أن ليبيا قضت معظم 2021 في مناقشة ما إذا كانت ستمنح الأولوية لكتابة دستور جديد أو انتخاب رئيس جديد. وقد كان القرار انتخاب رئيس جديد للبلاد في 24 ديسمبر. ولكن بعد أشهر من الشك، اُجلت الانتخابات في اللحظة الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيا إلى صعوبة الاعتماد على قانون انتخابي بغياب الدستور.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023