عادت الفتاة المصرية «بسنت خالد»، ذات الـ16 عامًا، حزينة إلى منزلها قبل أسبوع، ليسألها والدها عما يتداول لها من صور خادشة للحياء في قريتها شمالي البلاد، فأقسمت أنها «مفبركة» من شابين يبتزونها.
قبل أن تقرر «بسنت» إنهاء حياتها بحبة سامة، وتثير رسالة أخيرة كتبتها بخط يديها تؤكد براءتها تعاطفًا واسعًا، وحراكًا برلمانيًا تجاه تشديد العقوبات ضد جناة «الابتزاز الإلكتروني».
وقبل رسالة «بسنت» وبعدها، تبقى الوقائع فردية، وفق ما ألمح إليه بيان النيابة العامة، بعضها تكشفه وسائل إعلام، ومحاضر شرطية، أو تسلط عليه أضواء الدراما، دون إحصاء رسمي بشأن ضحايا الابتزاز الإلكتروني.
- رسالة وواقعة جديدة
أفادت النيابة العامة في أول بيان عن واقعة «بسنت»، بأن «والد الفتاة وشقيقتها تواترت أقوالهما حول أن اثنين اخترقا هاتف المجني عليها، وحصلا منه على صورها الشخصية، ووضعاها على جسدِ فتاةٍ عارية، وقدمت شقيقتها هاتف بسنت المحمول ورسالةً تركتْها قُبيلَ وفاتها تؤكد فيها أن الصور لا تخصها».
والرسالة تصدرت بمنصة تويتر في 4 يناير الجاري تحت هاشتاج يطالب بحق الفتاة.
ونص الرسالة: «ماما يا ريت تفهميني أنا مش البنت دي، دي صور متركبة قسما بالله، أنا يا ماما بنت صغيرة مستاهلش اللي يحصلي ده، أنا جالي اكتئاب بجد، تعبت».
ووسط تنديد إعلامي وعلى منصات التواصل الاجتماعي، لذلك الابتزاز، أكد الأزهر الشريف -في بيان آنذاك- أن «ابتزاز الناس بالاتهامات المُنتحَلة من خلال الصور المُزيّفة التي يمكن بها الطعن في أعراض الناس إفك بغيض وإيذاء بالغ وبهتان مُحرَّم».
وفي السادس من يناير الجاري، أمرت النيابة العامة، بحبس متهمينِ اثنينِ احتياطيًا لـ«اتهام أحدهما بهتك عرض طفلة عبر عرض عموم جسدها، وتهديدها بإفشاء صورٍ وفيديو منسوبين لها حصل عليهما خلسة، بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي».
كما وجهت للاثنين «اتهامًا بالاعتداء على حرمة حياة المجني عليها الخاصة، وإذاعتهما علنًا تلك الصور والمقطع، واستعمالهما بغير رضائها، وتعديهما بذلك على المبادئ والقيم».
وأكدت أن «التحقيقات حتى تاريخه توصلت إلى أن انتحار الفتاة كان نتيجة ما تعرضت له من ضغوط نفسية مما لاقته من المتهميْنِ».
وفي يوم إصدار بيان النيابة، أفادت وسائل إعلام محلية، بأن «طالبة تدعي حبيبة -17 عامًا- بالمرحلة الثانوية بالجيزة، تلقت رسائل تهديد بالابتزاز من شاب اخترق حسابها على فيسبوك، وتمكن من الحصول على صورها الخاصة وفبرك صورًا لها»، وربطت تلك المصادر بينها وبين ما اعتبرته «مأساة بسنت».
وأوضحت أن الطالبة حضرت بصحبة والدها أمام الشرطة، وحررت محضرًا بذلك، قبل أن تتوصل الجهات الأمنية للمتهم، وتعثر على صورها على حاسوبه الشخصي.
- وقائع فردية
ومشيرة إلى كون تلك الوقائع «فردية»، أكدت النيابة العامة في بيانها الثاني أن ╩إيهام البعض في الداخل والخارج على خلاف الحقيقة بتفشي ظاهرة ابتزاز الفتيات، وغياب دور مؤسسات الدولة في حمايتهن، بل ووجود قصور تشريعي لمجابهة مثل تلك الجرائم، ليس له أساسٌ من الصحة جملة وتفصيلًا».
وشددت على أن «النيابة العامة وسائر مؤسسات الدولة المعنية قائمة دومًا بحزمٍ دون التفات أو تهاون على صون الحقوق، وحماية المجتمع مما يتعرض له من ظواهر إجرامية».
وقالت إن «تشريعاتنا وقوانيننا لا يَشوبها عَوارٌ أو نقصٌ لمواجهة تلك الظواهر أو غيرها، بما يلائم ويناسب قيم ومبادئ المجتمع المصري، ويواكب التطور والتقدم العصري».
- مقترحان لتشديد العقوبات
وفي 4 يناير الجاري، تقدمت «آمال عبد الحميد»، عضو مجلس النواب، بمقترح لإعادة النظر في العقوبات المقررة على جريمة الابتزاز الإلكتروني لتحقيق الردع المرجو منها، وفق بيان للنائبة.
وأوضحت عبد الحميد في مقترحها أن «واقعة بسنت تدق ناقوس الخطر، عقب انتهاء حياتها نتيجة تعرضها لعملية ابتزاز ممنهجة دفعتها إلى الانتحار».
وأضافت أن «المادة 25 من قانون العقوبات نصت على معاقبة من يعتدي على المبادئ أو القيم الأسرية أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، وهو ما ينطبق على حالة واقعة بسنت».
وطالبت بتعديل العقوبة لـ«تصبح السجن المشدد 10 سنوات لكل من أفشى أمورًا مخلة بالشرف أو تمس حياة الآخرين، وكان التهديد مصحوبًا بالحصول على طلب أو منفعة أو بتكليف وتنفيذ أمر غير أخلاقي».
وفي 9 يناير الجاري، أعلن ياسر الهضيبي، عضو مجلس الشيوخ، تقدمه باقتراح للمجلس لتعديل قانون مكافحة جرائم الإنترنت، بعدف تغليظ العقوبة الموجودة حاليًا التي «أثبت الواقع العملي أنها غير رادعة» بعد صدمة كبرى للرأي العام في واقعة «بسنت».
وطالب بأن تكون العقوبة الحبس 15 عامًا إذا تسببت الجريمة في فقدان شخص حياته.
وبحسب لائحة البرلمان، ينتظر أن تناقش الحكومة ولجان نيابية لاسيما التشريعية ذلك المقترح، على أن يعرض على جلسة عامة للمناقشة والإقرار حال مناقشته، ثم يصدر بها قرار من رئيس البلاد ويطبق غداة نشر بالجريدة الرسمية.
- واقع قانوني وإحصائي
وكان السيسي صدّق على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في أغسطس 2018.
ولم يتطرق قانون مكافحة جرائم المعلومات صراحة إلى جريمة ولفظ الابتزاز الإلكتروني، الذي سلطات عليه دراما مصرية في عام 2021 الضوء، بوقائع في مسلسلي «حرب أهلية»، وإلا أنا (الموسم الثاني)، وإحصائيات الابتزاز الإلكتروني التي ليس لها أرقام رسمية بعد بالبلاد.
وفي دراسة للجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كشفت أن شهري سبتمبر وأكتوبر من العام ذاته، شهدا تقديم 1038 بلاغًا بجريمة إلكترونية، تتضمن تركيب صور للفتيات، ونجحت وزارة الداخلية في ضبط غالبية المتهمين بهذه الجرائم.
وبحسب إعلام محلي، هناك أكثر من طريقة للإبلاغ عن جرائم الابتزاز الإلكتروني بينها أرقام رسمية لذلك، أو التوجيه لأقرب قسم شرطة، أو الدخول للموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية وإرسال بلاغ.