قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، في تقرير حديث لها؛ إن شركات الولايات المتحدة فقدت اهتمامها بالمملكة العربية السعودية، ما يشكل ضربة لخطط ولي العهد التنموية «محمد بن سلمان».
وأوضحت الصحيفة في التقرير الذي ترجمه موقع «عربي 21»، أن «الجباية الضريبية المباغتة والفواتير المتأخرة والملكية الفكرية المسروقة، كل ذلك يحبط جهود الحكومة للانتقال بالاقتصاد بعيدًا عن النفط».
وتاليًا نص التقرير كاملًا
توددت المملكة العربية السعودية لكبار الشركات في العالم من أجل تحديث اقتصادها. ولكن بدلا من ذلك، غدت بيئة الأعمال والتجارة أكثر عداء ففقد المستثمرون اهتمامهم بالمملكة الغنية بالنفط.
تلقت أوبر تكنولوجيز وشركة جنرال إليكتريك وغيرهما من الشركات الأجنبية ضربات بسبب الجباية الضريبية المباغتة، التي كثيرا ما تبلغ تقديراتها عشرات الملايين من الدولارات.
أعادت شركة الإنشاءات بيكتال كورب بعض المقاولين إلى ديارهم، بينما تسعى لجمع ما يزيد عن مليار دولار من الفواتير المتأخرة غير المسددة.
لم تفتأ شركة بريستول مايرز سكويب وجلعاد ساينسيز وغيرهما من شركات الصناعات الدوائية تشكو لسنين بلا جدوى من أن ملكياتها الفكرية تتعرض للسرقة.
ونتيجة لذلك فقد بقي الاستثمار في المملكة العربية السعودية متدنيا، وراحت بعض الشركات تقلص من عملياتها أو تؤجل خططا للتوسع كانت قد وعدت بتنفيذها.
وهذه ضربة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد، الذي تعهد في عام 2016 بأن ينشئ صناعات جديدة غير مرتبطة بالنفط، وذلك من خلال تحسين بيئة الأعمال والتجارة وإقامة مركز عالمي للإبداع. منذ ذلك الحين، لم تزل حاجة المملكة العربية السعودية إلى تقليص اعتمادها على النفط تزداد إلحاحا، وذلك في ضوء تحول الاقتصاد العالمي بعيدا عن الوقود الحفري.
في عام 2020، كان الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية 5.4 مليار دولار، وذلك أقل من نصف ما كان عليه قبل عقد وأقل بكثير من التسعة عشر مليار دولار التي وضعتها البلاد هدفا لها. وكان قيمة الاستثمارات في طريقها لبلوغ مستوى 6 مليارات دولار في عام 2021 بناء على البيانات المتوفرة للربع الثالث، دون أن يشمل ذلك 12.4 مليار دولار، هي إيرادات بيع حصة في شركة أنابيب النفط السعودية لمستثمرين أجانب.
لعل من الأسباب التي أبقت على الرقم منخفضا، أن كثيرا من المشاريع التي كان مخططا لها لم تر النور. ومن أمثلة ذلك الخطط التي كانت قد وضعتها شركة أبيل قبل عدة سنوات لفتح مخزن رئيسي في وسط مدينة الرياض، إلا أن شيئا من ذلك لم يتحقق. كما أن تريبل فايف غروب، التي أنشأت مول أوف أمريكا، تراجعت عن بناء مجمع تقدر تكلفة إنشائه بعدة مليارات من الدولارات، بينما عمدت إيه إم سي إنترتينمنت هولدنغز إلى التنازل عن كثير من صلاحياتها إلى المؤسسة الشريكة لها والمملوكة للحكومة السعودية، وذلك بسبب تخلفها عن منافسيها المحليين.
تقول إيه إم سي إنها سعيدة بما أحرزته من تقدم داخل المملكة. أما شركة أبيل فرفضت التعليق، بينما لم تستجب تريبل فايف لطلب التعليق على الموضوع.
تنجذب المؤسسات التجارية إلى المملكة العربية السعودية بسبب ما تتمتع به من قدرات كامنة، “إلا أن الاعتبارات الاقتصادية العملية ما تزال قيد الصياغة” كما يقول روبرت موجيلنكي، الباحث المقيم في مركز أبحاث معهد دول الخليج العربي الكائن في العاصمة الأمريكية واشنطن.
تقول وزارة الاستثمار السعودية؛ إن الاهتمام بالبلاد ما يزال مرتفعا، مشيرة إلى زيادة في عدد رخص الاستثمار الجديدة في عام 2021 بلغت 25 بالمائة.
لم تزل المملكة العربية السعودية منذ زمن بعيد صعبة المراس في مجال التجارة والأعمال، وذلك بسبب البيروقراطية الشديدة، والنظام القانوني المتخلف وسجل حقوق الإنسان الرديء. سعى الأمير محمد نحو تغيير ذلك، واعدا بإجراء إصلاحات، فراح ينظم في الرياض مؤتمرات باذخة حول الاستثمار، ويحتك بكبار مدراء الشركات في سيليكون فالي.
كان لجهوده تلك بعض الثمار، فقد تمخض التخفيف من المعايير الاجتماعية الصارمة نشأة صناعات جديدة في مجال السياحة والترفيه وتحسين جودة الحياة بالنسبة للعاملين الأجانب. وسنت الحكومة قانون الإفلاس الذي يسمح بالملكية التامة للأجانب في بعض القطاعات، ونظمت بعض الخدمات في مجال التجارة والأعمال.
قالت وزارة الاستثمار إنها تأخذ هموم المستثمرين على محمل الجد، وأنها تقوم بالمراجعة والتطوير بشكل مستمر. وقالت: “سواء كان مشروعا تجاريا صغيرا أو ضخما، فإننا نستمر في بذل كل ما في وسعنا من أجل إيجاد أفضل بيئة لممارسة النشاط التجاري”.
تعثرت أجندة الأمير في عام 2018 عندما أقدم رجال يعملون لصالحه على قتل الصحفي جمال خاشقجي، فقد نجم عن ذلك وأد صفقات كبيرة، بما في ذلك صفقة مع شركة أمازون وأخرى مع شركة السياحة الفضائية التي يملكها ريتشارد برانسونز، وصفقة ثالثة مع آري إمانويل أحد كبار الوكلاء في هوليوود.
لقد أخفق الأمير محمد في تغيير الكثير من معيقات الاستثمار القديمة، ثم ما لبثت المملكة العربية السعودية أن أضافت إليها معيقات جديدة.
سعت البلاد إلى حل أزمة النقد من خلال العودة إلى فرض الضرائب على العشرات من الشركات الأجنبية الكبرى. فعلى مدى عام ونصف واجهت شركات مثل أوبر وأحد توابعها في المنطقة، شركة كريم، وكذلك شركة جنرال إليكتريك تبعات ضريبية ضخمة، وفي بعض الأوقات غرامات إضافية لدى رفض الطعون التي تقدمت بها.
لم تترك السلطات الضريبية للشركات ملاذا، فلجأت إلى وزارة الخارجية الأمريكية التي تدخلت، ولكن بلا فائدة، في العام الماضي مناشدة الحكومة السعودية بأن تساعد في حل الإشكال.
قالت سلطة الضريبة في المملكة العربية السعودية؛ إن المملكة تتطلع نحو انتهاج سياسة ضريبية عادلة وفعالة تكون منسجمة مع المعايير الدولية. وقالت إنها تحافظ على تواصل كامل مع دافعي الضرائب الذين يخضعون للتدقيق، وتسمح لهم بما يكفي من الوقت لترتيب أوضاعهم والوفاء بالمتطلبات.
جاء التغير الضريبي على رأس قرار اتخذ بين عشية وضحاها لمضاعفة نسبة ضريبة القيمة المضافة ثلاثة أضعاف في عام 2020. باتت مثل هذه المفاجآت شائعة، وبات مألوفاً أن تقطع السياسات الجديدة الطريق على الغايات التي كان قد أعلن عنها من قبل.
بالإضافة إلى ذلك، زعزعت الحكومة الشركات الأجنبية عندما أمرتها بنقل مكاتبها الإقليمية من دبي إلى الرياض، وإلا فإنها ستخسر عقودها المبرمة مع الحكومة. كما أجبرت الحكومة الشركات على توظيف المزيد من السعوديين. ونجم عن مطالبتها تلك الشركات بتعزيز المحتوى المحلي في منتجاتها أن أصبحت بعض البضائع غير منافسة مقارنة بالمستوردات.
يبدي المستثمرون، بشكل متزايد، قلقا على سلامتهم الشخصية. فبينما كان معظم الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم في أثناء الحملة التي شنها الأمير محمد ضد منتقديه أو ضد من زعم ضلوعهم بالفساد كانوا من السعوديين، إلا أن بعضهم كانوا من الأجانب. فقد صرح أحد رجال الأعمال الأجانب أنه اعتقل وعذب بعد أن قال علانية إن بعض قوانين التجارة والأعمال كانت مجحفة.
وقام رجل أعمال آخر، من الولايات المتحدة، بتفويض وزارة الخارجية في بلاده بتسريب معلومات ذات علاقة إلى وسائل الإعلام فيما لو تعرض للاعتقال داخل المملكة العربية السعودية. وبينما كان رجل أعمال أمريكي آخر يسعى لتوسيع إطار عمله التجاري في إدارة بيوت الرعاية الاجتماعية انطلاقا من مقره في أوهايو، تم اعتقاله بمجرد وصوله في العام الماضي، واحتجز داخل زنزانة مزدحمة داخل المطار لثلاثة أيام قبل أن يؤمر بترحيله دون إبداء الأسباب.
رفضت وزارة الاستثمار التعليق على مزاعم محددة تتعلق بإساءة المعاملة، واكتفت بالقول إن معظم المستثمرين كانت انطباعاتهم جيدة.
وساهم النزاع القديم المتجدد بين المملكة العربية السعودية وشركات الصناعات الدوائية حول الملكية الفكرية في الاحتراز في أوساط الشركات المبدعة التي سعت البلاد نحو التقرب منها. منذ عام 2016، فوضت السلطات المعنية في السعودية الشركات المحلية بصناعة ما يزيد عن عشرة أصناف من العقاقير، التي كانت ما تزال مقيدة ببراءة الاختراع أو تخضع لحماية البيانات الخاصة بها.
وفي هذا النزاع، يكمن السبب من وراء بقاء المملكة العربية السعودية على رأس قائمة الدول التي تخضع لرقابة ممثل التجارة الأمريكية بسبب انتهاك الملكية الفكرية، مثلها في ذلك مثل مخالفين آخرين مثل الصين وروسيا. رفضت شركتا بريستول مايرز سكويب وجلعاد التعليق على الموضوع.
وكما في حالة النزاع الضريبي، لم يجد نفعا الاحتجاج على ما تمارسه السعودية من سياسات تجاه الصناعات الدوائية، حتى في ضوء محاولات التدخل من قبل كل من وزارة الخارجية والبيت الأبيض. بل صدر التوجيه إلى الشركات بأن الاحتكام إلى المحاكم السعودية لحل الإشكال يستغرق وقتا طويلا، وليس من المضمون أن يجدي نفعا.
قال أحد الأشخاص المطلعين على هذه الجهود: “ثمة طرق لحل هذا الإشكال، ولكن السعوديين قرروا عدم حله. يريد السعوديون الأفضل، ولكن قوانينهم تحول دون تحقيق ما هو أفضل”.
تقول وزارة الاستثمار إنها تدرس الموضوع “من أجل ضمان تحقيق توازن عملي في هذا المجال”.
إلا أن بعض الشركات التي عملت في المملكة العربية السعودية لعقود، قررت تقليص وجودها في خضم نزاعات حول سداد زبائن الحكومة ما عليهم من مستحقات، وهي مشكلة متكررة في المملكة. بعض المقاولين الذين يعملون في مشروع نظام الميترو الجديد في الرياض، بما في ذلك شركة الإنشاءات بيكتال كورب، أعادوا بعض الموظفين إلى ديارهم العام الماضي في أوج ما يزيد عن مليار دولار من الفواتير المتأخرة غير المسددة.
وكانت مؤسسة نورثروب غرومان، التي باعت ما قيمته مليارات الدولارات من المعدات العسكرية إلى المملكة، قد قامت بتخفيض وجودها قبل ما يقرب من عامين، بعد أن أخفق الجيش السعودي في دفع ثمن منتجات زودته المؤسسة بها.
تقول الحكومة السعودية إنها أصلحت قوانين الشراء الحكومي حتى تنهي المشكلة وتنظر في القضايا المكدسة كافة.
عادة ما يكون وضع الشركات الأصغر حجما أشد سوءا، التي قد تتحول المسائل الصغيرة في حالتها إلى معاناة مؤلمة جدا.
كان سليمان صالحية البالغ من العمر 67 عاما، يملك شركة صغيرة تقوم بتجميل ساحات الجامعات والقصور الملكية. ولكن بعد أن تراجعت الحكومة عن سياسات كانت تنتهجها من قبل وأدخلت إصلاحات في قطاع الأعمال لصالح المنافسين المحليين، عمد المستثمر الفلسطيني إلى مناشدة المسؤولين، ثم لم يجد بدّا من مقاضاتهم. ولما مثل أمام المحكمة لم يمنح سوى دقيقتين للترافع عن قضيته قبل أن يحكم القاضي ضده.
ونظرا لمنعه من العمل أو من مغادرة البلاد قبل أن يدفع مئات الآلاف من الدولارات كرسوم، لم يزل السيد صالحية يدور في حلقة مفرغة أسيرا للإجراءات البيروقراطية، وها هو بلا حول ولا قوة، قد تقطعت به السبل في الرياض مع زوجته وأطفاله، الذين لم يتمكنوا من إتمام تعليمهم أو وضع أقدامهم على طريق العمل.
و في عام 2018، بعد أن تحدث السيد صالحية، الذي كان يواجه تبعات الحكم الذي أصدرته المحكمة ضده، مع مراسل صحيفة ذي ووال ستريت جورنال، داهمت الشرطة بيته في وقت متأخر من الليل، وقيدوا يديه وقدميه، ووضعوا كيسا على رأسه، وألقوا به في عربة للشرطة واقتادوه إلى زنزانة صغيرة مكث فيها 18 يوما، ظل طوالها عرضة لمكيف الهواء الذي يعمل بكل طاقته وتحت الأنوار الكاشفة التي تحول دون تمكنه من النوم. سأله المحققون عن عمله التجاري وعن القضايا التي كان قد رفعها في المحاكم وعن لقائه بالصحفي الأجنبي.
وعن ذلك يقول: “صرخوا في وجهي، وخبطوا على الطاولة، وعذبوني صعقا بالكهرباء. وكانت جريمتي هي أنني أحترم القانون وألتزم به”.