وأضافت في تقرير، أن خروج أموال الاستثمار الخارجية وانهيار السياحة وارتفاع أسعار السلع الحاد، ترجم إلى نقص العملات الخارجية، وتمثل رد فعل الحكومة على ذلك بفرض مزيد من أحكام الاستيراد القاسية، وخفض قيمة العملة المحلية ورفع معدلات الفائدة.
كما اتخذت الحكومة خطوات لخصخصة أو إغلاق المشروعات المملوكة للدولة، وهو مطلب رئيس من قبل المستثمرين والدائنين الدوليين الذين يقولون إن دور الحكومة المتضخم في الاقتصاد يقف حجر عثرة في طريق الاستثمار من قبل القطاع الخاص، وفق الصحيفة.
وأشارت إلى أن مصر يبدو أنها نجحت في تأمين 22 مليار دولار على شكل تعهدات بالاستثمار من حلفائها في دول الخليج الذين باتوا يحذرون من رؤية واحد من الأعمدة في العالم العربي على شفا الانهيار بعد عقد من الاضطراب الذي بدأ بالانتفاضة التي اندلعت في البلاد في عام 2011.
وتضيف: شعر المستهلكون مباشرة بأثر رد الحكومة على الأزمة، وخاصة الطبقة المتوسطة في مصر، التي تآكلت تحت وطأة الشح المستمر في فرص العمل، وتراجع الدعم على السلع والخدمات، والإنفاق الضئيل على الصحة والتعليم، ونظام الضريبة التنازلي الذي تسخر موارده إلى حد ليس بالقليل في تمويل مشروعات البنية التحتية المهووسة بالفخامة والأبهة.
وتشترط أحكام الاستيراد التي فرضت مطلع هذا العام أن تدفع الشركات ثمن البضائع مقدماً من خلال النظام البنكي الوطني، فنجم عن ذلك تكدس البضائع في الموانئ تسبب في شح توفرها بالأسواق. لكن الحكومة، بحسب الصحيفة، بادرت منذ ذلك الحين باتخاذ خطوات لحل المشكلات الناجمة عن ذلك.
وفي شهر مارس الماضي، خفض البنك المركزي قيمة العملة بنسبة 14% مما أدى إلى ارتفاع الأسعار ارتفاعا حادا، وبقيت الأجور على حالها.
وتنقل الصحيفة عن “منى حسني”، وهي من سكان مدينة القاهرة قولها: “يجب علينا دفع أسعار أوروبية ولكن برواتب مصرية، ورواتبنا ليست مثل الرواتب الأوروبية.”
تعمل “منى حسنى” في جانب من القاهرة وتدرس في الجانب الآخر. ومع ارتفاع الأسعار، لا يمكنها الانتقال من مسكن العائلة الكائن في إحدى ضواحي حلوان، جنوبي العاصمة، ولذلك تقضي ثلاث ساعات يومياً في قيادة سيارتها من طراز نيسان 2011 متنقلة بين سكنها والمدرسة والعمل.
ومن غير الوارد بتاتاً اقتناء سيارة جديدة، تقول “منى”، بعد الأسعار الفلكية للسيارات الآن.
تحاط الشوارع التي تعبر من خلالها المباني الجديدة وتنتشر على جنباتها لوحات إعلانية كبيرة لعقارات فاخرة، وذلك بالرغم من أن معظم البلد مازال غارقاً في الفقر، كما تقول “نيويورك تايمز”.
وتشير الصحيفة إلى أن عهد رئيس البلاد “عبدالفتاح السيسي” شهد في السنوات الأخيرة ازدهاراً ضخماً في الإنشاءات، واقتراضاً من الخارج لتمويل التمدد المستمر بشدة في مدينة القاهرة، بل تنشئ الحكومة حالياً عاصمة جديدة في الصحراء، على مسافة ليست بعيدة من العاصمة الحالية، بتكلفة قد تصل إلى 59 مليار دولار.
وينقل التقرير عن “سامر عطا الله”، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في القاهرة، قوله إن البلد تكبد ديوناً ضخمة – تزداد تكلفتها يوماً بعد يوم بسبب ارتفاع معدلات الفائدة – دون الاستثمار في الأمور التي من شأنها أن تولد مزيدا من الصادرات، ومزيدا من النمو الاقتصادي المستدام أو الإيرادات الحكومية الثابتة.
ويضيف: “لم يكن ثمة مفر من أن يهيأ الاقتصاد للدخول في أزمة”.
تجري الحكومة محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، ويقدر خبراء الاقتصاد بأن مصر قد تحتاج إلى ما يزيد عن 15 مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة، مع أن الحكومة تقول إنها ستسعى إلى الحصول على حزمة أصغر.
ويتوقع أن تجري مصر تخفيضا إضافيا من قيمة العملة في القريب العاجل.
وكما تقول الصحيفة، يتوجب على الحكومة موازنة مطالب المستثمرين – الذين من يمكن لأموالهم أن تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية – مع مخاطر تطبيق إجراءات من شأنها أن تسبب المزيد من الألم للمواطنين.
وحث المقرضون الدوليون مصر على خصخصة المزيد من اقتصادها كونها وسيلة لتحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة، وذلك لأن جل الاقتصاد مازال منذ أمد بعيد تحت سيطرة الدولة من خلال شركات مملوكة للحكومة وفي حالة من الاحتضار.
وفي حالة مصنع النصر لصناعة الكوك، الذي أعلنت الحكومة عن تصفيته قبل أيام، تقول الحكومة إنها تكبدت خسارة تصل إلى 1.5 مليون دولار خلال العام الماضي وأنها لا تملك إمكانية تحديث أو تحسين وضعه المالي.
وبناء على تقارير إخبارية ووثائق حكومية، فإن المصنع، الذي بدأ في الإنتاج في عام 1964، يبث قدراً كبيراً من التلوث.
ويقول “السيد العطار”، الذي يمثل حالياً النقابة التي تفاوض للحصول على تعويضات للعمال، إنه أياً كانت الصفقة التي سيجري التوصل إليها، فمن المؤكد أن التعويضات لن تكفي لسداد الاحتياجات في ضوء ما تشهده البلاد من ارتفاع الأسعار وتخفيض قيمة العملة.
وأكد التقرير أن سيطرة الجيش على تشكيلة واسعة من الأعمال والمشروعات التجارية يقطع الطريق على أي تنافس من قبل القطاع الخاص، ويشمل ذلك مختلف الصناعات من الخرسانة إلى المعجنات، وذلك أن القطاع المملوك للقوات المسلحة يستفيد من امتيازات لا تتوفر للآخرين مثل العمالة المجندين المكلفين المجانية، والإعفاءات الضريبية والجمركية.
وكانت مصر قد وعدت من قبل بالخصخصة، لكنها لم تف بما تعهدت به، إلا أن الحكومة، في ضوء تراجع الاقتصاد تراجعا كبيرا هذا العام، أبدت استعداداً من جديد للبدء في بيع أو إغلاق عدد من الشركات المملوكة للدولة.
والآن، تقول الصحيفة، “يجبر الناس في كافة أرجاء القاهرة، ومن كل مشارب الحياة، على تعديل نظام حياتهم اليومي للتكيف مع الضغوط الاقتصادية”.
وفي ورشة لتصليح السيارات في أحد الأحياء، يقول اثنان من المدراء إن تكلفة قطع الغيار التي يحتاجون إليها من أوروبا ارتفعت ارتفاعا حادا، وأنهما يفقدان الزبائن بسبب ارتفاع الأسعار، وأضافا أن حجم العمل غدا نصف ما كان عليه قبل الجائحة.
ويقول المدير العام للورشة “مصطفى الجمال”: “كلنا نعاني، وأثر ذلك واضح على الجميع.”
ورغم أنهما لم يفصلا أحداً من العاملين إلا أن الرواتب مازالت تراوح مكانها.
ويقول “الجمال” إنه حاول حماية أطفاله الأربعة من تداعيات الهبوط الاقتصادي، ولكنه يقول إنه فوجئ حينما ذهب ليشتري لهم حقائب من أجل العام الدراسي الجديد اضطر إلى دفع ضعف ما كان يدفع في الماضي.
أما زميله الذي يدير ورشة التصليح، واسمه “محمد فاروق” ويبلغ من العمر 33 عاماً، فيقول إنه نقل ابنه الذي يبلغ السادسة من العمر إلى مدرسة يمكنه تحمل أقساطها بالقرب من منزله في مدينة نصر، أحد أحياء القاهرة الأخرى.
في هذه الأثناء حاولت الحكومة زيادة الإيرادات من خلال رفع الرسوم التي تتقاضها على الخدمات.
ويقول إنه بدأ يقلص استهلاكه للحوم، إذ يتناولها مرة كل أسبوعين فقط، ومع ذلك لم يتمكن من توفير أي نقود كما كان يفعل من قبل.
ويضيف: “بإمكانك أن تحس ذلك في كل ما تعمله، من اللحظة التي تضع فيها قدمك على الطريق إلى اللحظة التي تأوي فيها إلى فراشك لتنام.”
ومع ذلك ثمة من يرى منحة في هذه المحنة.
يعمل “محمد إيهاب” مديراً للتسويق لدى شركة سيارات لديها وكالة طراز “جيتور”، وهي ماركة صينية دخلت السوق المصرية في 2020.
كانت المبيعات في ازدهار العام الماضي، إلا أن أحكام الاستيراد الجديدة صعبت الأمور.
توقفت الشركة عن قبول طلبات قبل شهور وتركز الآن على توسيع مراكز الصيانة والخدمات.
يقول “إيهاب” إنه مازال يوجد طلب على سيارة العائلة العملية من ذلك الطراز، حتى بعد أن شهدت الأسعار ارتفاعاً حاداً بسبب تخفيض قيمة العملة، إذ ارتفع سعر السيارة الأقل ثمناً لدى الشركة من 18 ألف دولار إلى 26 ألف دولار، وذلك لأن المستوردين يتحتم عليهم دفع ثمن السيارة للصين بالدولار.
إلا أنه يرجو أن تدفع الضائقة الحكومة نحو منح حوافز لشركات السيارات حتى تجمع منتجاتها داخل مصر، وهو ما سيخلق وظائف وفي نفس الوقت يقلل من تكلفة إنتاج السيارة.
ويقول: “إنها أوقات صعبة، ولكني أعتقد أنها جزء من حكاية أكبر وأفضل.”