لم يسلم من التقلبات الاقتصادية، الطبق زهيد التكلفة فاتح الشهية والمفضل للجميع في مصر بدءاً من عمال النظافة في الشارع إلى جوردون رامزي، الطبّاخ التلفزيوني الشهير بحسب تقرير لوكالة بلومبيرج الأميركية.
لعقود، كان طبق الكشري، الغني بالكربوهيدرات والخالي من اللحوم، وجبة رئيسية للمصريين ممن يختبرون ضائقة مالية خلال الأزمات.
الوصفة بسيطة، وهي أن تأخذ كمية كبيرة من الأرز المسلوق والمكرونة والعدس، ثم تضيف البصل المحمر وكمية كبيرة من صلصة الطماطم بالثوم وقليل من الخل.
في مصر، التي يبلغ عدد سكانها نحو 104 ملايين نسمة، يُقدَّم ما يسمى بـ”طعام الفقراء” في عربات طعام متهالكة في الشارع ومنافذ بيع الوجبات السريعة المضاءة بالنيون وحتى بشكل فاخر في مطعم جديد فخم بالقرب من أهرامات الجيزة.
عبّر رامزي عن استحسانه لوجبة الكشري على “تويتر”، كما تذوقه أيضاً زميله الطبّاخ المشهور أنتوني بوردين خلال برنامجه حول السفر والطعام، “نو ريزرفيشنز” (No Reservations).
عندما خرج المحتجون لشوارع القاهرة خلال ثورات الربيع العربي في 2011، كانت أطباق الكشري وجبة رئيسية ساعدتهم على مواصلة اعتصامهم، وهو أكلة مفضلة للغاية للأسر المصرية، نظراً لتوافر مكوناته وسهولة طبخه.
لكن هذه البساطة لا تحمي الطبق من أكبر ارتفاع تشهده أسعار المستهلكين في الدولة منذ أكثر من 5 سنوات.
يُظهر مؤشر “بلومبيرج” الجديد للكشري أن متوسط أسعار المكونات لطبق واحد ارتفع 58.9% على أساس سنوي في ديسمبر – أي نحو 3 أضعاف معدل التضخم في المدن المصرية، البالغ 21.3%.
يُجسد ارتفاع تكلفة الطبق الشهير أكبر التداعيات السلبية غير المباشرة للغزو الروسي لأوكرانيا. تأثر اقتصاد مصر، وهي مستورد رئيسي للقمح وسلع أساسية أخرى، بشكل كبير بسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد خلال العام الماضي، وساعدت سلسلة من التخفيضات في قيمة العملة في التعامل مع أزمة النقد الأجنبي، لكنها ساهمت في رفع أسعار العديد من المنتجات الغذائية أكثر من أي وقت مضى.
تقول السلطات إن خفض أسعار المستهلكين هي الأولوية القصوى، وتُقرّ أن ثمة حدوداً لما يمكن للمصريين تحمله، وتنفق عادةً الفئة الأقل دخلاً على الإطلاق في مصر الجزء الأكبر من دخلها على الغذاء مقارنةً بغيرها من فئات المجتمع.
حسبت “بلومبيرج” تكلفة طبق واحد من الكشري المُعد في المنزل عبر مطابقة المقادير في الوصفة المعتادة مع متوسط أسعار مواد الطعام الرئيسية التي ينشرها معهد الإحصاء الوطني في مصر بشكل شبه دوري. لا يحسب المؤشر أسعار بعض التوابل والمقادير غير الرئيسية التي لم تُذكر في التقارير، كما يحتسب تكلفة صلصة الطماطم الطازجة بدلاً من الصلصة المعبأة شائعة الاستخدام.
رغم أن المكرونة وزيت الطهي من بين السلع التي تدعمها الحكومة المصرية لأكثر الفئات فقراً، ارتفعت أسعار مكونات أخرى للكشري لاتدعمها الدولة مثل العدس والبصل، اللذين ارتفعت أسعارهما 66.5% و27.5% على التوالي في العام المنتهي ديسمبر الماضي.
طعام الفقراء في مصر
يوسف زكي، مؤسس مطعم “أبو طارق”، أحد أشهر المطاعم التي تقدم الكشري في وسط مدينة القاهرة وهو المطعم الذي تناول فيه “بوردين” الكشري، يقول إن المطاعم البسيطة التي تتجه إليها الفئات الأقل ثراءً من المصريين لتناول الكشري تتأثر بارتفاع الأسعار أيضاً.
بينما احتشد الزبائن في المطعم الذي يتكون من 3 طوابق ويقبع في أحد أحياء الطبقة العاملة التي تضم ورش العمل ومنافذ بيع قطع غيار السيارات، قال زكي، البالغ من العمر 75 عاماً، في عصر أحد أيام أسبوع العمل مؤخراً: “تراجعت أرباحي بعد الارتفاع الجنوني في أسعار المكونات”.
رغم ذلك ظلت تكلفة طبق الكشري متوسط الحجم في مطعم “أبو طارق” – مثل ذلك الموجود في الصورة – تقريباً دون تغيير عند 30 جنيهاً مصرياً (نحو دولار واحد). في الوقت الحالي، تمثل وجبات الكشري التي تُقدَّم في أكياس بلاستيكية صغيرة خياراً أرخص يلقى رواجاً بين طلاب المدارس.
أضاف زكي، الذي بدأ مسيرته المهنية كبائع كشري على عربة طعام في الشارع ورثها عن والده: “الكشري طعام الفقراء. كيف يمكنني رفع الأسعار؟ لن يستطيع الناس تحمل التكلفة”.