يتوالى الكشف عن فضائح النظام المصري الدولية عبر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية، معلنة عن اتخاذ رئيسه عبدالفتاح السيسي، وسائل وطرقا غير قانونية في التعامل مع مواطنيه، ولجوئه إلى مسالك غير شرعية مع صناع القرار في بعض الدول.
«فضيحة مانهاتن»
آخر تلك الفضائح، كان قرار المدعي العام في مدينة «مانهاتن» الأميركية، الجمعة الماضي، بتوجيه اتهامات تتعلق بقبول رشى بمئات الآلاف من الدولارات عبارة عن أموال وسبائك ذهبية، وفقا لوزارة العدل الأمريكية مقدمة من حكومة السيسي، للسيناتور الديمقراطي من ولاية نيوجيرسي بوب مينينديز، وزوجته نادين أرسلانيان.
ونشرت وسائل الإعلام العالمية لائحة الاتهام المؤلفة من 39 صفحة، معلنة عن رشوة ضخمة قدمتها حكومة السيسي، لرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مينينديز، مقابل استخدام نفوذه لمساعدة القاهرة للحصول على المساعدات العسكرية الأمريكية، وتسهيل صفقات الأسلحة للجيش المصري.
وتضمنت لائحة الاتهام أيضا، أنه بعد عودة السيناتور مينينديز، وزوجته من زيارة مصر ولقاء السيسي، في 30 آب/ أغسطس الماضي، فإنه أجرى بحثا عبر “غوغل” عن سعر كيلو الذهب، ما فسره مراقبون بأنه حصل على كميات كبيرة من المعدن النفيس من السيسي، لقاء تلك الخدمات.
وبالإضافة إلى مساعدة الحكومة المصرية، فقد حصل النائب وزوجته أيضا على رشاوى لاستخدام سلطة مينينديز كعضو في مجلس الشيوخ لحماية رجال الأعمال الثلاثة، وفقا للائحة الاتهام، فإن زوجة السيناتور عملت مع حنا لتقديم السيناتور إلى مسؤولي المخابرات والجيش المصريين.
«توقيت مريب»
تلك الفضيحة تأتي بعد أيام من اقتطاع الإدارة الأمريكية مبلغ 85 مليون دولار من المعونة المقررة سنويا لمصر والبالغة 1.3 مليار دولار وهو الاقتطاع الأقل في 3 سنوات.
ويأتي الكشف عن تلك الفضيحة، بعد أيام من غياب السيسي، عن اجتماعات الأمم المتحدة السنوية في نيويورك، للعام الثالث على التوالي.
وتأتي فضيحة رشوة حكومة السيسي، للسيناتور الأمريكي مينينديز وزوجته، بعد أزمة طائرة الذهب في زامبيا، التي خرجت من القاهرة وجرى ضبطها هناك منتصف آب/ أغسطس الماضي، وعلى متنها أموال وسبائك وستة من الضباط ورجال الأعمال الذين لهم ارتباطات بالنظام المصري، وهي القضية التي فشل الإعلام العالمي حتى الآن في فك ما تبقى من طلاسمها.
وتتابع الكشف عن الواقعتين في الإعلام العالمي دفع مراقبين إلى التكهن بأن هناك من يقف خلف الكشف عنهما، وأن أيادي خفية تلاحق جرائم نظام السيسي، وتكشف عنها.
«فضيحة باريس»
وقامت السلطات الأمنية الفرنسية بتوجيه اتهامات رسمية ضد جندي سابق يشتبه القضاء في أنه واحد من مصادرها “بتحويل وكشف أسرار الدفاع الوطني”.
في يوليو 2022، نشرت الصحفية لافريو، بموقع “ديسكلوز”، الاستخباراتي الفرنسي، تقريرا عن استخدام حكومة السيسي، عملية استخبارية فرنسية في البلاد، أسفرت عن مقتل مدنيين على الحدود مع ليبيا.
“المعلن 10 بالمئة”
وفي رؤيته لدلالات استمرار حضور اسم السيسي وفضائح نظامه ومخالفاته للقانون في الإعلام العالمي، قال السياسي المصري رضا فهمي، إن “ما تم الكشف عنه من فضائح السيسي، لا يتجاوز الـ10 بالمئة، من حجم المخالفات والجرائم التي يرتكبها على مدار الساعة”.
وفي حديثه لـ”عربي21″، أكد أن “بعضها في أوكرانيا والآخر مع روسيا وفي أفريقيا وحتى في دول عربية”، مبينا أن “السيسي وجرائمه وبلاويه أكبر من أن تحصر في آخر حادثتين”، ملمحا إلى أنه “خلال الشهر الماضي تفجرت 3 فضائح كبرى للنظام المصري”.
وأشار إلى فضيحة “طائرة زامبيا أو طائرة الذهب كونها باكورة هذه الأحداث التي تلتها فضيحة رشوة السيناتور الأمريكي، ثم آخرها فضيحة المشاركة مع القوات الفرنسية في قتل مدنيين على حدود ليبيا”.
وأعرب عن شديد ألمه من أن “السيسي وصل ببلد بحجم وتاريخ وعظمة مصر لهذه الحالة، وأن يحكمها شخص يسلك سلوك رجال العصابات ورجال المخدرات”، موضحا أنها “بالتالي هي مرحلة بكل ما فيها على مدار 10 سنوات كشفت عن أسوأ تكوين وتركيبة منظومة الحكم العسكري بمصر من 1952 وحتى اليوم”.
وقال إن “الصورة الأكثر فجاجة وقتامة ووقاحة هي العشر سنوات التي قضاها السيسي في الحكم، ومع ذلك هو يقاتل للبقاء لأكبر فترة ممكنة بالكرسي”.
«البعد الآخر»
ويرى فهمي، أن هناك بعدا آخر، وهو “دلالة الكشف عن هذه الفضائح في هذا التوقيت”، متسائلا: “هل هذا معناه أن صانع القرار الأمريكي أو منظومة الحكم بواشنطن رفعت الغطاء عن السيسي، خاصة وأن (CIA) لديها ملفات مخالفات السيسي، الفترة الماضية؟”.
وتساءل مجددا: “إذن لماذا الآن تقرر الحكومة الأمريكية الكشف عن هذه الفضيحة التي أيضا تسيء لها أيضا؟”، مبينا أن “ذلك يعني وجود مشرع أمريكي يتقاضى رشوة من دولة أجنبية”.
ويعتقد أنه “في الوقت الذي يكشف فيه الإعلان عن تلك الفضيحة عن وقاحة السيسي، وسوءاته، إلا أنه يُلقي بظلال سيئة على المنظومة الأمريكية، ومع ذلك أعلنت واشنطن عن القضية وقدمت لائحة اتهام من 39 صفحة، وفق وسائل الإعلام العالمية”.
وفي تفسيره قال السياسي المصري، إن “هذا يعني أنها وصلت مع نظام السيسي، لطريق مسدود، وأنه لم يعد هناك فرصة للتعاون بينهما مرة أخرى، وقررت أن تفجر الوضع بالنسبة للسيسي”.
«تمزيق السيسي إربا»
وأوضح أن “نفس الشيء في ما يتعلق بملف فضيحة فرنسا وطائرة زامبيا”، ملمحا إلى أنه “تمت لملمة قضية طائرة الذهب، ولكن تفجيرها من قبل الحكومة الزامبية يدعو للتساؤل، وهي حكومة أفريقية شأنها شأن كثير من حكومات القارة، وفكرة التدخلات الأجنبية وتفجير قضايا من هذا النوع أو إغلاقها دائما ما تكون حاضرة”.
وخلص فهمي، للقول: “إذن هناك أطراف في المنظومة الدولية تعمل، فضلا عن توتر علاقات السيسي، مع الخليج بالدرجة الأولى مع السعودية وبالدرجة الأقل الإمارات”.
وأضاف: “السيسي، الآن، كما أنه يلقى نوعا من الازدراء والاحتقار من الشعب المصري ومكونات الحالة السياسية أصبح أيضا يلقى نوعا من الرفض والتهميش بل وكشف الملفات عنه في المنظومة الدولية”.
ويعتقد أن “الفترة القادمة ستسفر عن مزيد من فضائح السيسي، التي من شأنها أن تراكم مشاكله ومآسيه لدى داعميه بالخارج، ما يزيد من حالة ضعفه وتفككه في الداخل وبما ينعكس على حاضنته الرسمية المتمثلة بالمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، أو حاضنة 30 يونيو التي بدأت تنفض عنه”.
وختم السياسي المصري بالقول: “وبالتالي نحن أمام مشهد يتم فيه تمزيق السيسي إربا إربا من قبل المنظومة الدولية، وهذا يؤشر أن عمر السيسي في الحكم مسألة وقت ليس أكثر”.
من جانبه، قال السياسي والبرلماني المصري السابق الدكتور محمد عماد صابر: “بالنسبة لتعامل زعماء العرب مع لوبيات الضغط ومراكز تلميع الزعماء في أمريكا، فهذا أمر مألوف وليس سرا، وجرت العادة على ممارسته من قبل زعماء العرب، فاستخدام جماعات الضغط في أمريكا أمر قديم”.
وعن حضور فضائح السيسي في الإعلام العالمي، يعتقد صابر، في حديثه لـ”عربي21″، أنها “قد تكون بداية نهايته، وقد يرتبون لهذا عبر الانتخابات، استباقا لأي ثورة تطيح به”.
ويرى أن “السيسي، مفسد يرعى الفساد فى مصر بالأساس، وفهم اللعبة مبكرا، وكل آماله وطموحاته أن يحافظ على استمرار شرعيته الزائفة”، معربا عن أسفه من أن “مصر لم تعد دولة قانون، ودستورها يتلاعب فيه السيسي منفردا ببرلمان مزيف”.
وأشار إلى أن “أمريكا تدرك أن الوضع بمصر خطير، وتقدير الموقف عندها قد ينفجر ويؤثر بالسلب على مصالحها”، مبينا أن “هذا لا يتم إلا بخضوع السيسي، خضوعا كاملا أو بالتخلص منه، والانتخابات فرصة”.
ويرى السياسي المصري، أن “الديمقراطية بعيدة المنال في ظل تغول رجال المال”، موضحا أن “الغرب في نظامه السياسي يحرص على إشراك المجتمع في العملية السياسية، ولكنّه قصر ذلك على شعوبهم فقط”.
وقال إنه “لا يهمه أن تعيش باقي المجتمعات في ظل حكم استبدادي أو ديمقراطي”، ملمحا إلى أن “المجتمعات غير الغربية في نظر الغرب مجرد سلعة سياسية للاستهلاك المحلي فقط”.
وأكد أن “صناع السياسات الغربية هم أوسع خطوات وأكثر تآمرا على حرمان المجتمعات الشرقية وخاصة المسلمة من الحق في الاختيار السياسي”، مشددا على أن “انتظار أن يسهر الغرب على الديمقراطية، ولا سيَما أمريكا لا يختلف عن انتظار أن يأمر إبليس بالمعروف وينهى عن المنكر”.
«حملة التكنوقراط»
وفي حديثه لـ”عربي21″، أكد الناشط المصري المعارض الدكتور سعيد عفيفي، أن مجموعة “تكنوقراط مصر”، تخوض حملة للكشف عن أسماء المسؤولين المصريين الذين تورطوا في قضية رشوة السيناتور الأمريكي ميننديز.
وأكد أن مجموعة التكنوقراط وجهت رسائلها إلى كل من المدعي العام الأمريكي والمباحث الفيدرالية، بهذا الشأن، داعية المعارضين المصريين في أمريكا وأوروبا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا لإرسال تلك الرسائل بالبريد للجهتين الأمريكتين.
ولفت إلى أن تلك الحملة محاولة لفضح جرائم نظام السيسي، موضحا أنهم سيصلون بالحملة إلى وسائل الإعلام الأمريكية لممارسة المزيد من الضغوط، قبل الأربعاء المقبل، وهو موعد مثول السيناتور الأمريكي وباقي المتهمين أمام المحكمة.
«ما خفي كان أعظم»
وقال عبر “تويتر”، إنها “عمليات رشوة وفساد ليست لصالح مصر بل لصالح فساد العصابة نفسها وصفقاتها واحتكاراتها وللتغطية على جرائمهم”، مضيفا أن “كل يوم يكتشف الشعب فضائحهم في أفريقيا وأمريكا وما خفي كان أعظم”.
وأضاف في بيان: “ومما يضاعف الأسى ارتباط تلك الاتهامات بدفع رشاوى باهظة تقدر بملايين الدولارات في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية طاحنة… “.
واتهم الكاتب الصحفي مجدي الحداد، نظام السيسي، بأنه أسوأ من “آل كابوني” و”المافيا”، مؤكدا عبر “فيسبوك”، أنهم “أفضل وأكثر خلقا وصدقا ونظافة والتزاما بالعهود والوعود، وأرحم ألف مرة وأقل دموية وأدنى إجراما، وأقل جهلا وأكثر غيرة وحرصا على قومهم من العصابة”.
عربي21