لم يكن قرار محكمة القضاء الإداري الصادر منذ يومين بإلزام كل من رئيس الوزراء، وتكنولوجيا المعلومات، ورئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات باتخاذ مايلزم لحجب موقع لليوتيوب، وجميع المواقع والروابط الالكترونية على الانترنت التي تعرض مقاطع الفيلم المسيء للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لمدة شهر، بالحكم العابر أو الذي يمضي دون أن يحدث لغط حوله خاصة وأن قرار الحجب قد يؤدي إلي منع موقع جوجل حسب ما قاله عبد الرحمن الصاوي -رئيس لجنة الصناعة بالمرفق القومي المصري لتنظيم الاتصالات- في تصريح للأناضول: "شركة جوجل تقدم خدماتها المختلفة في مصر عبر سيرفرات واحدة تقدم جميع الخدمات، ما يعني أن حجب خدمة اليوتيوب لن يتم إلا بحجب جميع خدمات "جوجل" المقدمة على الشبكة".
وأشار الصاوي إلى أن "حكومة مصر الممثلة في الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات شكلت لجنة فنية لبحث سبل حجب شبكة "جوجل" في مصر كاملة، أو محاولة البحث عما إذا ما كان باستطاعتها حجب موقع "يوتيوب" بمفرده، وهو ما وصفه بـ"المستحيل".
وعندما نعلم أن نسبة مستخدمي الإنترنت في مصر وفقًا لآخر إحصائية في 2011، تصل إلي 22 مليون مستخدم، وأن مصر في مقدم دول الشرق الأوسط المستخدمة لليوتيوب ، وتتراوح استخدامات المصريين له، وفقًا لدراسة قام بها جوجل، مابين التعليم الإليكتروني والإعلام، والترفيه والاستماع للموسيقى، فأننا سندرك حجم الضرر الذي ستتعرض له مصالح المصريين، والتي تعظم في حالة حجب "جوجل" مصدر دخل العديد من الشركات والمواقع الإخبارية والإعلامية، وله تأثير اقتصادي في استخداماته لجلب الإعلانات.
الجزمة والاستيعاب
ذلك الذي جعل أحد البعض يظن أن القرار سياسي بالأساس،وفي جملة القرارات الحكومية الغير واعية، بل وذهب إلي أن فيديو السيدة العجوز التي "ضربت نفسها بالجزمة" بسبب انتخابها الدكتور محمد مرسى رئيسا للجمهورية ، والذي شاهده أكثر من 150 ألف مشاهدة بعد يومين من رفعه على موقع "اليوتيوب"، أعادت نشره وكالات أنباء أجنبية ومحلية، هو السبب في قرار الحجب، وفسر آخرون الحكم بأنه جاء لامتصاص غضب الشارع المصري، بعد عرض الفيلم المسيء للرسول نهاية العام الماضي.
واعتبرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الحكم حرمان للمصريين من حقهم في الوصول للمعلومات، مما يمثل عقاب جماعي للمصريين، وعزل عن العالم الخارجي، وأكدت أن الهدف من هذا الحجب هو عدم مشاهدة الجرائم السياسية التي ترتكب بحق الوطن، وأعلنت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"أنها ستطعن علي حكم القضاء الإداري أمام الإدارية العليا.
أمريكا والحريات
ولم يقف صدى الأمر عند ذلك النحو، فعندما يثير القرار تحفظ الخارجية الأمريكية، والإعلام العالمي فأننا ندرك وقتها وزن القرار وثقله، وان كان شأن داخلي بالأساس، ولكنها الولايات الأمريكية المعهودة دائما بالبحث عن أى ذريعة للتدخل في الشئون المصرية رافعة شعار الحريات ، حيث قالتالمتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند "إن الولايات المتحدة ترفض بشكل عام، الرقابة للرد على حديث غير مرغوب فيه، وهذا النوع من العمل ينتهك الحقوق الشاملة للمواطنين فى ممارسة حرياتهم فى التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وبدلا من ذلك نرى أن هذه الأنواع من القضايا تتم تسويتها عن طريق الحوار".
تحدى تقني ومادي
وبين هذا وذاك يشكك البعض في قدرة الحكومة التقنية والمادية علي تنفيذ قرار الحجب،وأشارت صحيفة "دايلي تليجراف" إلي فشل أوامر مماثلة في الماضي بسبب تعقيد التقنية والتكاليف الباهظة، وأكد الدكتور اندرو سميث أحد خبراء الإنترنت في بريطانيا لـ قناة "إيه تي في" البريطانية المحلية أن حجب موقع يوتيوب أمر صعب المنال بالمستوى التكنولوجي المتاح لديهم، فالأمر يتطلب دعم إحدى الدول المتقدمة، كما أن الصينالأكثر تقدما تكنولوجيا فشلت في تنفيذ ذلك من قبل، ليشكك في قدرة الحكومة علي حجبه طوال الشهر فما هي إلا ساعات قليلة فقط، و يتعرف المشاركون على كيفية تجاوز هذا الحصار، على حد قوله ، ذلك بالإضافة إلي أن المتخصصون رأوا في حجب المواقع التي تنشر الفيلم المسيء ضرورة تتبع سيرها وهو الأمر الذي يصعب تنفيذه.
ولكن كان لهيئة تكنولوجيا المعلومات رأى آخر حيثأكد الدكتور محمد صالح -خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات-أن قرار غلق موقع يوتيوب يختلف عن قرار غلق المواقع الإباحية، الذي صدر حكم بغلقها في نوفمبر من العام الماضي ولم ينفذ حتى الآن، قرار غلق يوتيوب يمكن تطبيقه بعد دقيقتين حيث يوجد هناك تقنية متوفرة يمكن تتبع المعلومات عبرها والتأكد من أنها خاصة باليوتيوب ومنع الباحث من الدخول عليه.
اليوتيوب ومسيرة الحجب
ولم تكن مصر الدولي الأولي التي تصدر مثل ذلك الحكم فالعديد من الدول فالبرازيل وإيران والمغرب واليمن والسعودية وتايلاند وتركيا والإمارات وباكستان وتونس وسوريا حجبت لليوتيوب عن مواطنيها لأسباب تنوعت ما بين الديني ونشر ما يسيء للإسلام، والاجتماعي المخالف للعادات والتقاليد، والسياسي في إطار قمع الحكام لشعوبهم، وما يسيء للدول،
ويبقي السؤال هل ستستطيع الحكومة وسط كل هذه التحديات، وحالة الغليان الشعبي وتأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية، وقدرة الشعب المصري الذي استطاع في أحلك ظروف الثورة المصرية إفشال جهود النظام السابق في قطع الاتصال، في أن تستمر في تنفيذ الحكم القضائي، وهل سيكون الحكم بمثابة القشة التي ستقصم ظهر الحكومة.