هل صحيح أن هناك حملة منظمة تقوم بها وزارة الداخلية أو أشخاص، هي على علم بهم للاعتداء على النشطاء السياسيين؟
هذا سؤال يعبر عن نقص معلومات أكثر منه تعبيراً عن توافرها، ويقيناً لن تخرج وزارة الداخلية لتقول إنها مسئولة عن أي من هذه الحالات التي يتم فيها اختطاف الشباب، ثم يتم العثور عليهم بعد ساعات مضروبين ومصابين.
حاولت أن أحصل على أي معلومة في هذا الاتجاه، ولكنني فشلت، ولم أجد أمامي إلا أن أكتب عنه متسائلاً ومحذراً. وهو تحذير ثلاثي الاتجاهات.
أولاً: تحذير لمن هم في السلطة، فلابد أن يكون واضحاً لأي مسئول سياسي عاقل في مصر، أنه لو صح أن أشخاصاً يعملون في وزارة الداخلية أو لا يعملون فيها ولكن بعلمها يقومون باختطاف أي مصريين وإيذائهم بدنياً أو إهانتهم دون تقديمهم للقضاء، فهذه فعلاً خطوة كبيرة في اتجاه إنهاء دولة القانون بيد القائمين عليه. إن مثل هذه الممارسات تعود بنا إلى عصر ثرنا عليه، وإن لم يكن في الداخلية أو في السلطة السياسية الحاكمة من يدرك ذلك، فهو يغامر بالقضاء التام على ما تبقى من الدولة.
أقول ذلك، وعندي هاجس لا أعرف مدى صحته جاء لي من ضابط شرطة كبير على المعاش، حين انتقد الدستور لأنه غير واقعي في التعامل مع الواقع المصري، وأنه سيجعل بعض العاملين في جهاز الشرطة يحجمون عن الالتزام به وسيلجأون لطرق غير رسمية، وكانت الإشارة مباشرة إلى المواد 31، و36 و80.
وهى للتذكرة المواد التي تنص على أن «الكرامة حق لكل إنسان، يكفل المجتمع والدولة احترامها وحمايتها، ولا يجوز بحال إهانة أي إنسان أو ازدراؤه» (مادة 31)، و«كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته بأي قيد، تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه ولا حبسه إلا في أماكن لائقة إنسانياً وصحياً، وخاضعة للإشراف القضائي. ومخالفة شيء من ذلك جريمة يُعاقب مرتكبها، وفقاً للقانون. وكل قول صدر تحت وطأة أي مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه» (مادة 36)، و«كل اعتداء على أي من الحقوق والحريات المكفولة في الدستور جريمة لا تسقط عنها الدعوى الجنائية ولا المدنية بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء، وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية عنها بالطريق المباشر، وللمجلس القومي لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة العامة عن أي انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل في الدعوى المدنية منضماً إلى المضرور، وأن يطعن لمصلحته في الأحكام» (مادة 80).
هل هذه الضوابط أكبر من أن يتحملها جهاز الشرطة المصري فقرر أن يخرج عليها؟ مرة أخرى، هذا تساؤل ليس مبنياً على معلومات وإنما مخاوف بأننا نسير في الاتجاه الخطأ، وعلى وزارة الداخلية أن تخرج نافية تماماً أي علاقة لها بهذا النهج وأن تعمل على القبض على كل من يتسبب في أمر من هذا، وعلى النيابة العامة أن تحقق في الأمر، وعلى المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يقوم بواجبه في هذا الشأن.
ثانياً: تحذير موجه لبعض النشطاء السياسيين الذين لا يفرقون بين التعبير السلمي عن الرأي، وهو من أسباب نجاح الثورة في مرحلتها الأولى، وبين الحق في التعبير عبر المولوتوف، إن التعبير السلمي عن الرأي مهما كان غير شعبي عبر الطرق السلمية فقط تكسب صاحبه تعاطف الناس معه؛ أما العنف والحرق والحجارة وتعطيل مصالح الدولة، فينال من قدرتكم على إقناع الناس بعدالة قضيتكم.
ثالثاً: أما المواطن العادي، فهو مطالب بأن يعي أن سكوته على الظلم سيعنى إنتاج مظالم أوسع، أو كما قال مارتن نيمولر، أحد مناهضي النازية:
«عندما اعتقلوا الشيوعيين لم أحتج، لأنني لست شيوعياً، وعندما اعتقلوا الاشتراكيين، لم أحتج، لأنني لست اشتراكياً، وعندما اعتقلوا اليهود لم أحتج، لأنني لست يهودياً، وعندما جاءوا لاعتقالي، لم يكن هناك أحد ليحتج».
دعمنا للشرطة مشروط بأن تكون محترفة، غير مسيسة وملتزمة بالقانون.