شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

دعوة لحملة حقوقية لوقف جريمة الإخفاء القسري في مصر

الإخفاء القسري

تحدثت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان” ملف المختفين قسريا في مصر، الذي يعد الأكثر قسوة وفظاعة من بين ممارسات رئيس النظام عبدالفتاح السيسي الحقوقية منذ العام 2013، والتي تصفها منظمة العفو الدولية بـأنها “أداة الإرهاب”.

والمختفون قسريا يصعب تقدير أعدادهم بالضبط، وغير معروف مصير أكثرهم حتى الآن، ولا يعرف إن كانوا بين الأحياء أم في عداد الأموات، فيما لا تكل عائلاتهم عن المطالبة بـ”معرفة مآلهم وحتى ولو كان إلى قبر يزورونه”، وفق قول بعض الأهالي.

ويحل في 30 أغسطس من كل عام، اليوم الدولي للإخفاء القسري، تلك الجريمة التي يواصل نظام السيسي ارتكابها بحق المعارضين لنظامه، مسجلا أرقاما غير مسبوقة بحق المعتقلين السياسيين من المصريين الذين مر أغلبهم بجريمة الاختفاء القسري وكانت سببا في انتزاع اعترافات منه تسببت في الحكم عليه بالإعدام أو المؤبد أو عقوبات قاسية.

“دعوة للتدوين”

ودعت الشبكة، المصريين وجميع المهتمين بالملف الحقوقي بالتدوين اليومي حتى مطلع سبتمبر المقبل، عن المختفين قسرا، الذين اختفوا بظروف غامضة دون أي تفسير أو معلومات من السلطات، وذلك في محاولة لوقف جميع أشكال الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وما يصاحبها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وقالت المنظمة الحقوقية: نطلق السؤال الذي يردده آلاف الأهالي لسنوات: “أولادنا فين؟”، مؤكدة أن “هذا النداء يعكس الألم والمعاناة اليومية التي يعيشها ذوو المختفين قسريا”، موضحة أن “الإجابة على هذا السؤال تكمن في مكاتب وأدراج ضباط الأمن الوطني بوزارة الداخلية”.

وفي 30 أغسطس 2023، الموافق لليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، دعت “لجنة العدالة” مصر للانضمام لاتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري والتوقف عن تلك السياسة الممنهجة.

وقالت: “في مصر، ومنذ يوليو 2013، ارتفعت وتيرة الاختفاء القسري وخلال فترة سوداوية بتاريخ مصر الحديث، تم رصد 482 حالة اختفاء قسري، وسط تعتيم وتجاهل رسمي، ما سهل هروب مرتكبيها من العقاب”.

“الأقدم والأشهر وبعض المنسيين”

ومن بين أشهر الشخصيات المختفية قسريا الطبيب والبرلماني المصري السابق مصطفى النجار منذ 28 سبتمبر 2018.

وبحسب رصد الشبكة المصرية لحقوق الإنسان -التي تجري تحديثا على آخر بياناتها- فإن من أقدم الأسماء المختفية قسريا، محمد صديق عجلان منذ (جمعة الغضب) 28 يناير 2011.

ومنذ الانقلاب العسكري منتصف 2013، هناك عمرو إبراهيم عبدالمنعم، وخالد محمد حافظ، منذ مجزرتي الحرس الجمهوري والمنصة، 8 و27 يوليو 2013..

ومحمد خضر علي، وعادل درديري عبدالجواد، وسيد سعيد رمضان، وعمرو محمد علي، منذ “فض رابعة” 14 أغسطس 2013.

وفي العام 2014: تم إخفاء رأفت فيصل علي 13 يناير، وأمير افريج 16 أغسطس، وعبدالرحمن محمود عبدالنبي 10 سبتمبر .

وفي العام 2015: سمير محمد الهيتي 9 يناير، وأسعد سليمان محمد 12 أبريل، وحسني عبدالكريم مقيبل منذ 11 أغسطس.

وفي العام 2016: عصام كمال عبدالجليل 24 أغسطس، وأحمد جمال الدين طاهر، 21 سبتمبر، وسيد أحمد سالم وأبنائه الأربعة 7 نوفمبر.

ومنذ العام 2017: محمد على غريب 5 أكتوبر، وعبدالله محمد صادق 21 نوفمبر، وسليمان عبدالشافي محمد، ورضا محمد أحمد، وعبدالرحمن كمال محمود والطفل عبدالله بومدين (12 عاما) 4 و21 و31 ديسمبر.

وفي عام 2018: سيد ناصر محمد 4 مايو، وسمير أبوحلاوة، وإبراهيم شاهين 25 يوليو، ومحمود حسين 11 أغسطس، وجعفر عبده عبدالعزيز 30 أكتوبر.

وفي عام 2019: عبدالرحمن مختار إبراهيم، وأحمد شريف، يومي 19 و27 أبريل، وأمين عبدالمعطي أمين، وطارق عيسى صيام، والفتاة وصال محمد حمدان، أيام 4 و19 و21 يونيو، ومصطفى يسري محمد، ومحمد سمير عزازي، وحسام صالح سليمان أيام 1 و12 و19 يوليو، وعبدالرحمن محسن السيد، 29 أغسطس، وسيد رمضان مغازي 30 نوفمبر.

وفي العام 2020: محمد عبداللطيف عمر 7 يناير، وأحمد صلاح عبدالله، ومصطفى محمد عبدالعظيم، يومي 11 و27 يونيو، وأسامة صلاح حامد 17 أغسطس، ومحمد أمين الجزار 28 سبتمبر، وسعد محمد علي أبوحطب 13 ديسمبر.

“جريمة ضد الإنسانية”

والاختفاء القسري، وفق (المادة 2) من الاتفاقية الدولية للحماية من الاختفاء القسري، هو “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص المختفي من حريته أو إخفاء مصيره أو مكان وجوده”.

وتقول (المادة 5): “تشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق وتستتبع العواقب المنصوص عليها”.

وفي يونيو 2019، أكد تقرير لمجلس “جنيف للحقوق والحريات” تورط السلطات المصرية بانتهاكات الاختفاء القسري ضد معارضين وحقوقيين وصحفيين، حيث قال: “السلطات المصرية تمادت بجرائمها تلك وساعدها صمت حلفائها الدوليين”.

“الأكثر إيلاما وقسوة”

وفي تعليقه، قال المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان الحقوقي أحمد العطار، إن “ملف المختفيين قسريا بمصر وأي مكان بالعالم الأكثر إيلاما وقسوة على المختفي وأسرته والمجتمع بأسره، خاصة عندما يضيع الأمن والأمان ويختفي إنسان ما بقرار اعتقال من ضابط أو مخبر أمن وطني، ويتم تركه تحت رحمتهم بل ونسيانهم بالشهور والسنين”.

وفي حديثه أكد أن “هذا القرار من شأنه أن يقلب حياة إنسان بل أسرة بأكملها رأسا على عقب؛ لذا فإن تعبير حي أو ميت الذي كنا نستخدمه ببداية ارتفاع وتيرة الأحداث وجدناه يعبر عن الواقع الذي يعيشه أهالي المختفيين، وسؤالهم الدائم: (أولادنا فين؟، أهم أحياء أم أموات؟”.

وأضاف: “نحن في الشبكة، بصدد تعديل قائمة المختفيين قسريا لسنوات (نعم سنوات وليس لأيام أو شهورا)، وذلك قبيل إصدار التقرير السنوي نهاية الشهر الجاري، حيث تمت إضافة أعداد جديدة لم نتمكن من توثيقها من قبل، وسيتم حذف أسماء 3 شباب عانوا سنوات من الاختفاء، وظهروا العام الجاري”.

ولفت إلى صعوبة التوثيق، موضحا أنه “وفق تقديرات الشبكة فإن هناك نحو 140 مختفي قسريا في مصر”، مشيرا إلى أن لديهم “أسماء 6 من المختفين كانوا أطفالا عند اعتقالهم من منازلهم أو بحسب شهادات شهود العيان ولا زالوا رهن الاختفاء القسري، وذلك بجانب إخفاء عائلة بأكملها هم الأب سيد أحمد سالم وأبنائه الأربعة من وسط سيناء منذ نوفمبر 2016”.

وتابع: “لدينا 3 أشقاء رهن الاختفاء القسري منذ سنوات”، مبينا أنه “لدينا ملفات مؤلمة وقاسية لمختفين كان يعول عليهم ذويهم بأنهم سيكونوا السند عند الكبر، ولكن للأسف غابت دولة العدل وأصبحنا في دولة الأمن الوطني”.

وقال إن “الأمر لم يقف عن الإبلاغ عن حالات الاختفاء بل يتجاوزه بقيام الأهالي باتخاذ بعض الإجراءات القانونية برفع قضايا أمام القضاء الإداري بإلزام وزير الداخلية بالكشف عن مكان تواجده، لكن للأسف الداخلية تتجاهل ذلك، بل تصر على الإنكار، وتوكد أنها بريئة وترد: (لا نعرف عنه شيئا)”.

وأكد أنه “هكذا يتم الاستخفاف بأحكام القضاء وبأعمار المختفيين قسريا وحياتهم، وبمشاعر ذويهم”، موضحا أن “الدستور وقانون الإجراءات الجنائية المصري لديه من المواد التي تحترم الإنسان وتقدره وتحافظ عليه وعلى أمنه وسلامته، ولكن الأمر ليس له علاقة بذلك”.

وختم مبينا أن “الأمر يتعلق بسياسة ممنهجة تتجاهل الإنسانية قبل الدستور والقانون، ليصبح حكم جهاز الأمن الوطني هو السيد، وغابت دولة القانون والمؤسسات”.

“تدشين عهد هتلري”

وقال السياسي المصري والبرلماني السابق، ممدوح إسماعيل، إن “الاختفاء القسري، اسم مخفف لجريمة كبيرة ضد الإنسانية والحق في الحياة والعدالة، ابتكرها الزعيم النازي أدولف هتلر، بموجب مرسوم (الليل والضباب) ديسمبر 1941، استهدف به المعارضين له خلال الحرب العالمية الثانية”.

المحامي والحقوقي المصري أضاف ، أن “كل الطغاة ساروا على درب هتلر، وأشهرهم الطاغية السوري حافظ الأسد ونجله بشار، إذ سجلت التقارير الدولية حالات اختفاء قسري بعشرات الآلاف”.

لكن الأخطر في رأي إسماعيل، هو أن “حالة الاختفاء القسري غالبا تكون عنوانا للتستر على حالة قتل تحت التعذيب، فقليل منهم يبقى على قيد الحياة، والقصد منها بث الرعب بقلوب الناس بأنه لا يوجد قانون بل سلطة طاغية تفعل ما تشاء”.

وأوضح أن “التقارير الحقوقية سجلت عشرات الحالات بعهد حسني مبارك، وقد تقدمت ببلاغ للنائب العام بعد ثورة 25 يناير 2011، للكشف عن مصير نحو 20 حالة اختفاء قسري منذ بداية تسعينات القرن الماضي، حتى العام 2011، ولم تظهر، وكان الرد الشفوي: (لا أمل في حياتهم)”.

وأكد عضو مجلس الشعب السابق، أن “حالات الاختفاء القسري زادت بعد الانقلاب في مصر بصورة لا مثيل لها، وصلت لآلاف الحالات، وذلك لتدشين عهد هتلري جديد تحت القاعدة التي دشنها قائد الانقلاب حينما قال: (الضابط أحمد يقتل ولن يُحاسب)، فتم إخفاء آلاف المعارضين، ظهر بعضهم بعد سنوات بقضايا مختلفة وبقي الكثيرين لا يعلم عنهم أحد إلا الله تعالى”.

وأشار إلى أنه “رغم أن الأمم المتحدة جرمت الاختفاء القسري عام 2010، إلا أنه لم تتراجع أي دولة عن تلك الجريمة لعدم وجود آلية عقاب رادع، وكذلك في القانون المصري فتجريم احتجاز شخص بدون سند قانوني بحسب (المادة 280) عقوبته سنة أو غرامة لا تتجاوز 2000 جنيه، وهي عقوبة مخففة جدا”.

ويعتقد إسماعيل، أن “المشكلة الأكبر، أن قانون الضابط أحمد يقتل ولا يحاسب هو ما يتم تنفيذه”، معربا عن أسفه من أن “مصر لا يوجد فيها قانون يحكم، إنما حاكم مطلق السلطة، يعاونه أتباع في القضاء والشرطة ينفذون ما يريد”.

ولفت إلى أن “أشهر واقعة اختفاء هي للبرلماني مصطفى النجار، رغم المناشدات الدولية والتحرك الإعلامي؛ إلا أن نظام الانقلاب لا يبالي لأنه مدعوم من قوى الشر في العالم، أمريكا التي يقدم لها القرابين فتحميه دوليا، و(مجزرة رابعة) خير دليل”.

وفي نهاية حديثه قال إن “الاختفاء القسري جريمة مؤلمة جدا نفسيا لأهالي المختفين، حتى أن أحدهم قال لي: (أريد فقط معرفة مكان قبر ابني كي أزوره)”.

“خطط فرض الرعب”

وفي رؤيته، قال السياسي والحقوقي الدكتور أشرف عبدالغفار: “لعل هذا جزء من خطط السيسي لفرض الرعب على الشعب، إذ أن الاختفاء القسري يحمل في طياته الكثير من الألم والمعاناة أكثر بمراحل من ظهور الشخص البرئ -قطعا- في محاكم التفتيش أو نيابات الباستيل أو سجون أبوغريب، لأن الناس في النهاية -ويال القهر- تفرح أنه مازال حيا”.

وفي حديثه لـ”عربي21″، أكد أن “المختفي حتي في الشرع له أحكامه المختلفة عن المسجون، هل هو حي، أم ميت؟، وهل توزع تركته؟، وهل تتزوج زوجته؟، أسئلة كثيرة لا جواب لها، فمن مات نظل نبكيه ولكن الحياة تسير، ومن في السجن نزوره ونراه بالمحكمة، أما المختفي في دولة بلا ضمير ولا أخلاق، فهذه معضلة”.

ولا يرى عبدالغفار، “سببا واحدا يدعو لممارسة هذا النوع من الإجرام من قبل نظام انقلاب لا يختلف عن الكيان المحتل في شيء، وفي النهاية الخاسر هو الوطن والمواطن”، مؤكدا أنه “لن تقف هذه الفظائع إلا بأيدي المصريين ولن يحاسب الجناة إلا المصريين، فالثورة هي الحل”.

ويعتقد أنه “يوم أن تنجح الثورة فسيبيع العالم السيسي، وأعوانه، كما باعوا حسني مبارك”، مؤكدا أن “الإحساس بالمظلومية ومطالبة الآخرين بالإنقاذ أمر مهين ولن يُحدث تغييرا، فالعالم كله احترم المصريين يوم ثورة يناير 2011، وبعد الانقلاب نسيهم العالم، ولن يأبه باستغاثاتهم وتوسلاتهم”.

“نهج منظم للأمن المصري”

وفي رؤيتها قالت الحقوقية هبة حسن: “للأسف ملف المختفين قسريا مستمر ويتزايد مع مرور الوقت، وبالرغم من إنكار النظام المصري لوجود مختفين قسريا لكن الكثير من الملفات الموثقة والشكاوى التي تم نشرها أو تقديمها للمؤسسات الدولية تثبت استمرار الاختفاء القسري كنهج منظم للأمن المصري منذ سنوات مع كثير من الحالات ولشرائح المجتمع المختلفة”.

المديرة التنفيذية لـ”التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”، أكدت لـ”عربي21″، أنه “يُمارس كنوع من التعذيب للمعتقلين، وقد تمتد فترات الاختفاء القسري من أيام لسنوات -كما الحال لبعض الحالات منذ ثورة يناير- مثل عمر حماد، -ومن بعدها من اعتصام رابعة- مثل خالد عزالدين، وعمر إبراهيم متولي، المختفي من أحداث الحرس الجمهوري”.

وأوضحت أنه “وعبر السنوات الماضية أمثال البرلماني مصطفى النجار، والآلاف غيره، ممن مازالوا مختفين أو ظهروا بعد اختفاء لفترات طويلة متفاوتة، وكان أقرب حصر تقريبي يتخطى 15 ألف مختفي، فضلا عن من لم يُعرف بهم وخافت أسرهم من الإبلاغ أو إعلان اختفائهم”.

وترى الحقوقية المصرية أن “النظام المصري بإنكاره وإصراره على رفض الإفصاح عن مصير كل هؤلاء برغم البلاغات التي يقدمها الأهالي، ومطالبات المنظمات الحقوقية المصرية والدولية؛ مستمر في اعتماد نفس النهج القمعي البوليسي ضد المصريين والتغطية على كم الانتهاكات والتعذيب الممارسة لديه”.

وأشارت إلى أنه “الاستمرار في اعتبار هذا النهج في وجود حالة من الرعب والخوف الدائم لدى المصريين يمنع أي معارضة أو مطالبة بالحقوق أو تفكير في تحقيق دولة حريات وعدالة كانت حلما للمصريين بعد ثورة يناير”، وفق قولها.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023