أوردت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا عن وفاة الناشط السياسي محمد الجندي الذي ظل ثلاثة أيام مشاركا في مظاهرات بميدان التحرير وقد توعد في مقابلة تليفزيونية بالرد على الحكومة الإسلامية إن أعادت من جديد نظام الدولة البوليسية, كما نشر تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر أساء فيه للرئيس محمد مرسي موجها له السباب, وبعد ذلك بساعات عُثر عليه وهو ينزف في الشارع ثم مات بعدها بأسبوع. وجاء في التقرير أنه "بعد ثلاثة أشهر يظل مقتل الناشط السياسى محمد الجندى، لغزا محيرا ويحمل الكثير من الاتهامات الوحشية، للشرطة والانتقام السياسى وتستر الدولة والتواطؤ بين القادة الإسلاميين الجدد وقوات الأمن نفسها التى كانت تعتقلهم وتضربهم في الماضي.
وأضافت الصحيفة، أن مقتل الجندى يؤكد واحدة من أكثر التحديات الشائكة التى تواجهها الحكومة الجديدة، وهى كيفية ترويض قوات الأمن غير الخاضعة للمساءلة والمُحتقرة بدرجة كبيرة فى مصر، كما يثير التساؤلات بشأن التزام الرئيس محمد مرسى، بإصلاح جهاز الشرطة، واستعداده لغض الطرف عن مقتل خصم سياسى، وخشيته من الصراع مع وزارة الداخلية الخاصة به.
ويقول مستشارو الرئيس مرسى إنه يسير على نهج تدريجى فى إصلاح قوات الأمن، ويخشى تمرد الشرطة فى وقت يحتاج فيه بشدة لقوات الأمن، لقمع الفوضى فى الشارع من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادى والعملية السياسية، بينما تحذر الجماعات الحقوقية والمعارضة السياسية من مغبة العودة إلى الحكم الاستبدادى.
لقد باتت قضية الجندى أبرز مثال على انتهاكات الشرطة، منذ مقتل خالد سعيد، الذى أشعل الثورة ضد مبارك، ومع عدم المبالاة بمطالب المساءلة، فإن هذا الفشل فى كبح جماح الشرطة لن يجلب سوى مزيد من الاضطرابات فى الشوارع. كما ذكرت الصحيفة عملية اختفاء الجندى، واستمرار أسرته وأصدقاءه فى البحث عنه لعدة أيام قبل أن يعرفوا بوفاته، على غرار خطف النشطاء وتعذيبهم فى ظل النظام السابق.
وأشارت إلى احتجاز الجندى فى معسكر الجبل الأحمر، سيئى السمعة الذى استخدم فى عهد مبارك، مؤكدة أن هناك دلائل على أن الشرطة المصرية لم تتخل عن أسلوبها السابق. حتى قبل صدور أى تقرير من جهات التحقيق، أو الطب الشرعى، بادر كبار مسئولو الحكومة بتبرئة الشرطة، وأعلن وزير العدل أحمد مكى، بشكل قاطع أن الوفاة ناجمة عن حادث سيارة، ومع ذلك فإن الطبيب الشرعى لم يقدم مثل هذا التقرير المزعوم.
كما أكد سائق سيارة الإسعاف والمسعفون أنهم لم يدلوا بمثل هذه الشهادات، ثم بعد ذلك، أقر مكى أن معلوماته تلقاها من وزير الداخلية الذى طلب منه أن يعلن ذلك، خشية من مهاجمة الناس لمديرية الأمن ومبنى المحافظة.
وقال محمد عز الرجال، سائق سيارة الإسعاف، إنه حاول أن يخبر المحققين أن إصابة الجندى لا يمكن أن تكون ناتجة عن حادث سيارة، لكن وكيل النيابة قال له "لا تضع استنتاجات، فهذا حادث سيارة حتى يثبت العكس، ويؤكد عز الرجال: "لقد قلت شيئا والنيابة كتب شيئا آخر".
وتؤكد التقارير الطبية، أن الجندى لا يمكن أن يكون توفى نتيجة حادث سيارة، نظرا لآثار الكدمات والتعذيب على جسمه ورأسه. وقال الدكتور أيمن فودة، أحد أعضاء فريق الفحص الطبى السابق للجثة: "هذه جريمة وليست حادث سيارة"، وهو ما وافق عليه طبيب الأعصاب.
ولا يزال الغموض يسيطر على عملية مقتل الجندى، حتى أن رئيس هيئة الطب الشرعى سافر إلى الخارج ولم يستطع أحد الوصول إليه للحديث معه في القضية، بينما يوجد لدى النائب العام شهاداتان تؤكدان أنه توفى نتيجة حادث سيارة مسرعة، وإحدى الشهادتين لضابط شرطة خارج الخدمة، والثانية لسائقه، الذى لم يتم التوصل إليه بعد.
وأوضحت الصحيفة أن عددا من مستشاري الرئيس مرسى، تحدثوا لنيويورك تايمز شريطة عدم ذكر أسمائهم، قالوا إنهم يتشككون بشأن قصة الشرطة، لكنهم لا يجدون دليلا على ارتكاب مخالفات، وأضافوا أن الرئيس سعى لتجنب مواجهة مفتوحة.
وقالت الدكتورة باكينام الشرقاوى، مستشارة الرئيس مرسي، إن انتهاكات الشرطة لم تعد منهجية وليست بمباركة الدولة، وأن الرئيس مرسى ملتزم بالتحقيق فى انتهاكات حقوق الإنسان، مشيرة فى رسالة بالبريد الإلكترونى للصحيفة أن ثقافة المؤسسة الأمنية تتطلب إستراتيجية شاملة متوسطة الأجل، وأن الإصلاح التدريجى من شأنه أن يساعد أفراد قطاع الأمن على الاندماج فى المجتمع، ومصر الجديدة بدلا من الإقصاء.
وأشارت الصحيفة إلى أن أحمد حلمى، نائب وزير الداخلية للأمن العام، فى رده على إصلاح الشرطة تحدث عن عملية إعادة التوزيع الجغرافى، وقال: "قبل أن نتحدث عن حقوق الإنسان، علينا أن نحدد من هو هذا الإنسان"، وأضاف: "هل من المعقول أن أُطالب برعاية المواطن الذى يحمل قنابل المولوتوف أو البندقية؟!".
وتختتم الصحيفة بالقول إنه على الرغم من الأدلة الشرعية، فإن وزير الداخلية تعهد بالاستئناف لإثبات أن الجندى توفى فى حادث سيارة. كما ذكر الرئيس مرسي أن لجنة من خمسة خبراء أكاديميين تقوم حاليا بإجراء فحص أخر. وطاب الرئيس بمزيد من الصبر في عملية الإصلاح حتى يأتي بنتائج طيبة.