د. رفيق حبيب:
مع مشاهد حمام الدم الذي سال في ميادين الاعتصام في يوم الأربعاء الدامي، توالت مشاهد عنف وإرهاب السلطة، حيث حرقت جثث الشهداء، بل حرق الجرحى أحياء، وتم حرق المستشفى الميداني، وجامع رابعة العدوية. ومع توالي مشاهد إرهاب الدولة، خطط قادة الانقلاب لحملة إعلامية، تتهم رافضي الانقلاب بالإرهاب، خاصة جماعة الإخوان المسلمين،
في محاولة لتصنيع حالة من الفوضى والعنف، ودفع البلاد إلى حافة الهاوية.
وبهذا يعتمد الانقلاب على مخطط لتوسيع دائرة العنف، حتى يتمكن من تحويل الاحتجاج السلمي، إلى احتجاج عنيف، فيشن حربا لا هوادة فيها، تحت عنوان الحرب على الإرهاب. فالاحتجاج السلمي المنظم، هو أقوى سلاح في وجه الانقلاب العسكري، لذا يحاول قادة الانقلاب، إجهاض عملية تنظيم الاحتجاج السلمي، حتى يتم إجهاض سلمية الاحتجاج بعد ذلك.
والمعركة الرئيسة في مواجهة الانقلاب، تتمثل في إفشال سيناريو جر البلاد إلى العنف والفوضى، فإذا سقطت مصر في منزلق العنف والفوضى، تفشل حركة مناهضة الانقلاب السلمية. ولكن جر مصر إلى مرحلة الفوضى والعنف، لن ينجح الانقلاب العسكري، كما يتوقع قادة الانقلاب، ولكنه سوف يدفع البلاد للدخول في مرحلة الدولة الفاشلة، وانتشار الجماعات المسلحة، وتدخل البلاد في حرب استنزاف طويلة، قد يكون المنتصر فيها، هو الجماعات المسلحة، والتي اكتسبت مبررات جديدة، بعد إجهاض عملية التحول الديمقراطي.
لذا، فإن قادة الانقلاب، يريدون دفع البلاد عند حافة الهاوية، حتى يثيرون خوف عامة الناس من موجات عنف وفوضى، مما يمكنهم من فرض مخطط الانقلاب، وإقامة دولة عسكرية علمانية. ويبدو أن قادة الانقلاب، يكررون خطأ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي تصورت أنها يمكن أن تدير حالة فوضى، اعتبرتها خلاقة، ومن خلال السيطرة على حالة الفوضى، يمكن بناء نموذج الدولة، المناسب للمصالح الغربية في المنطقة، خاصة الأمريكية. وثبت لعدة مرات، أن من ينشر حالة الفوضى، لن يستطيع التحكم في نتائجها، وأن الفوضى مثل السحر الذي ينقلب على الساحر.
فنجاح مخطط الانقلاب، يمثل واقعيا، البديل الأقل احتمالا، أي البديل الذي يصعب تحقيقه، لأن حالة الحراك في الشارع، أصبحت أكبر بكثير من أي مخطط يعتمد على السيطرة البوليسية القمعية على المجتمع. ومع فشل السياسة البوليسية، تنجح حركة الاحتجاج السلمي، وتسقط الانقلاب. ولكن إذا نجحت تلك السياسة في إجهاض الاحتجاج السلمي المنظم، وأصبح الاحتجاج عفويا وتلقائيا وغير منظم، مما يجعله قابل للانزلاق في العنف، فإن حالة الفوضى والعنف الشعبي، سوف تجهض أيضا المخطط البوليسي القمعي، ولكن بعد دخول البلاد في مرحلة فوضى شاملة، تفتح الباب أمام جماعات العنف، لتعود من جديد.
فحركة مناهضة الانقلاب، بالسلمية والتنظيم، لا تجهض الانقلاب فقط، بل تجهض أيضا احتمالات الدخول في مرحلة العنف والفوضى. وإجهاض الاحتجاج السلمي المنظم، يجعل المواجهة بين الانقلاب العسكري، وحالة غير منظمة من العنف والفوضى، وإذا كان الانقلاب العسكري قادر على إجهاض حركة الاحتجاج السلمي المنظم، إذا استخدم السلاح، وأسال بحور من الدماء، وأسقط عشرات الألاف من الشهداء، فإن الانقلاب العسكري، لن يتمكن من مواجهة العنف والفوضى، ولن يتمكن من مواجهة انتشار ظاهرة العنف السياسي، والتي يمكن أن تتحول بعد فترة إلى جماعات عنف منظمة، وتبدأ حرب شوارع، تستمر لسنوات، كما حدث في العديد من الدول، بسبب التدخلات الغربية.