الانقلاب مات إكلينيكيا.. (ألف مبروك)، ولكن لماذا يبدو أن السيسى يحكم مصر.. والطرطور فى الاتحادية.. والمخمور فى رئاسة الوزراء وإن كان لايدخل مقر المجلس، بل يداوم فى وزارة الاستثمار!!.. ومخمور آخر يكتب الدستور المزوّر بأنفاس البانجو وكئوس الويسكى.. وعميل إسرائيل مايزال فى وزارة الدفاع. فعلا هذا مايظهر فى وسائل الإعلام الرسمية..
لايزال ميدان التحرير محتلا بالدبابات.. الدبابات والمدرعات على نواصى الشوارع أكثر من التكتك، وزوار الفجر عادوا يملئون السجون بالشرفاء ويتم تحصين اللصوص وكبار سراق الوطن والقتلة صغارا وكبارا من أى عقاب.. تمت مصادرة النيابة والمحاكم إلى حد صدور حكم يؤيد المواقع الإباحية.. رئيس الجمهورية المنتخب لايزال مخطوفا فى مكان غير معروف، ويزعمون أنهم يحققون معه، وكلمة «تحقيق» مضحكة مع شخص ممنوع من الاتصال بذويه أو بمحاميه، محجوز فى مكان مجهول؛ فهذا لايحدث إلا فى عرف العصابات المسلحة الخارجة عن القانون.
حقا لم يعد هناك دستور، ولكن لم يبلغنا أحد أن القوانين كلها ألغيت، حتى يسطو كل منا على جاره أو يقتله ويأخذ شقته، أو ننظم مجموعات علنية لسرقة البنوك أو الدخول للمحلات وأخذ البضائع دون أن ندفع الثمن لأننا نملك رشاشا أو مطواة…إلخ.
رغم كل هذه المظاهر التى تحاول أن تؤكد أن الطرطور يحكمنا وأن رئيس الوزراء الذى يخشى أن يذهب إلى مكتبه والذى أجاز قتل الشعب المصرى كما قتلت أمريكا الفيتناميين، هو رئيس الوزراء بالفعل.. لماذا نقول إن الانقلاب قد مات إكلينيكيا؟ أقول إن هناك دائما مسافة زمنية بين الموت الإكلينيكى والموت النهائى الحقيقى، وغالبا وبنسبة 90% لاينجو المريض من الموت الإكلينيكى، بل حتى فى حالة الـ10% من النجاة فإن المريض لن يعود إلى حالته الطبيعية. فى حالة النظم السياسية فإن الموت الإكلينيكى أو السريرى لاحل له، والمسألة مسألة وقت.
القلعة الساقطة
فى عام 2008 قلت إن نظام مبارك أشبه بالقلعة الساقطة، وحدث بالفعل إضرابان عامّان ناجحان، بعدها بأسابيع كنت فى إحدى الندوات وقال لى «المناضل» اليسارى: (انت قلت النظام ساقط وأهه زى البمب وماحصلش حاجة). وترفّعتُعن هذه السخرية، ولكننى شرحت للشباب فيما بعد: إن القلعة أو الموقع الحصين يكون فى وضع الساقط عسكريا، ولكن إذا لم يهاجم الخصم بصورة صحيحة فسيتأخر بالتأكيد سقوط الموقع، وهذه المعارضة البليدة من أهم أسباب تأخر سقوط نظام مبارك. والحقيقة أن الشعب المصرى هو الذى حسم الموقف فى 25 يناير وأجبر النخبة الإسلامية والعلمانية على السواء أن تنزل إلى معترك المواجهة.
الوضع الآن ليس شديد الصعوبة إلا من زاوية رعونة القهر والقمع والحماقة فى استخدام القوة فى وقت لم يعد فيه الشعب يخشى الموت أو السجن ومابينهما من مشاق. فإذا كان الانقلاب قد أعاد نظام مبارك صراحة إلى مواقعه مع جرعات أعلى فى القمع والعداء للإسلام، إلا أنه يظل انقلابا فاقدا للشرعية والمشروعية، ولايمكن تحويل الفسيخ إلى شربات إلا فى الأمثال الشعبية، كما قال عضو الكونجرس الأمريكى ببساطة شديدة: البطة هى البطة. والانقلاب هو الانقلاب. ولايمكن تحويل الانقلاب إلى ثورة بأغنية ساقطة أو مظاهرة الـ6 ساعات بينما لا يتم الاعتراف بمظاهرات ممتدة منذ أكثر من شهرين صباحا ومساء. ويكفى لمعرفة حجمها أن نذكر عدد شهدائها ومصابيها ومفقوديها ومعتقليها ومجموعهم لايقل عن 50 ألفا، بل إننا مانزال نحصيهم ونحصرهم حتى الآن، بل تكفينا أرقام الانتخابات والاستفتاءات التى أشرف الجيش على أمنها وفرزها ومعه القضاء الذى برهن على أن أكثر من نصفه مع التيار المناهض للتيار الإسلامى.
الانقلاب وضعه هش للغاية لأنه جاء على إثر ثورة خلقت مشروعية جديدة، ليست مشروعيةالإخوان المسلمين أو التيار الإسلامى، ولكن بالأساس مشروعية الإرادة الشعبية التى تختار حكامها وممثليها، وتتمتع بالحقوق والحريات التى حرمت منها عقودا وسنين، ولذلك فإن حكم الناس بالسوط والبيادة والرصاص مستحيل؛ قد ينفع فى زمن آخر وليس فى هذا الزمن مع هذا الشعب فى هذا البلد.
ولكن ما أقصده بالموت السريرى:
*على المستوى السياسى والشعبى: 70% على الأقل من الشعب المصرى ضد الانقلاب، بسبب مصادرة الحريات، والإجراءات القمعية المخيفة، وعودة رموز نظام مبارك، وأزمة اقتصادية وغلاء مخيف، وانسداد كل أبواب الأمل، والحرب على الإسلام، والإمعان فى القتل واستخدام البلطجية. وباختصار توقف الحياة بشكل عام خاصة التجارية والاقتصادية وانعدام الأمن والأمان، وانكشاف المؤامرة الإعلامية البوليسية المخابراتية لإسقاط «مرسى» حتى وإن كانت تقديرات الكثيرين لاتزال سلبية على سياساته، ولكن بالتأكيد فإن الأوضاع الراهنة ليست أسوأ فحسب باعتراف الجميع، بل هى أوضاع انهيار، وكل يوم يزيد رفض الانقلاب؛فربماكان فى البداية 55أو 60% وبالتأكيد أنه سيتجاوز الـ70% فى الأيام القادمة وسيصل سريعا إلى 90%.
*على المستوى الاقتصادى: لايمكن -كما ذكرنا-الحديث عن مقارنات مع مراحل أخرى؛ فنحن أمام انهيار عام وصل إلى نقطة الصفر فى عديد من القطاعات، ويمكن الرجوع إلى الصفحة الاقتصادية بالجريدة لمن يريد التفاصيل، وهذا الوضع لايمكن أن يستمر طويلا؛ فالقدرة حتى على مجرد صرف المرتبات أصبحت مشكوكا فيها، وطباعة النقود فى هذه الحالة سترفع الأسعار إلى مستويات خيالية، وأموال السعودية والإمارات لاتصلح فى شىء إن وصلت فعلا، فمشكلة الاقتصاد ليست فى توفر أوراق البنكنوت، ولكن فى دوران عجلة الإنتاج وتوسعها، وكل الأوضاع السياسية الحالية لاتساعد على ذلك.. حظر تجول، وعصيان مدنى، وإضرابات، ومظاهرات، ووقف قطارات.. فالمناخ لايسمح بأى استثمار، بل لايسمح بمجرد الذهاب إلى العمل! ومن ثم فإن وقف تحويلات المصريين بالخارج كان ضربة قاصمة، وكذلك سحب الأموال من البنوك والامتناع عن دفع فواتير الكهرباء والمياه والغازوالضرائب، ولايوجد حل اقتصادى لهذا الوضع.. الحل سياسى فقط، وهو رحيل الانقلاب. بعد قليل سيُضرِب الموظفون داخل الوزارات والهيئات ولن نحتاج إلى محاولة اقتحام الوزارات، وقد بدأت تحدث بوادر ذلك.وسيضرب العمال داخل مواقع العمل والإنتاج، وسيضرب عمال النقل…إلخ.
*على المستوى الإقليمى والدولى:الانقلاب معزول إقليميا وإفريقيا ودوليا، وهذا يزيد من حالة عدم مشروعيته التى يحاول أن يفرضها بمنطق الأمر الواقعحتى على مستوى الجيران المباشرين؛ فإن العلاقات مع ليبيا متوترة إلى حد منع المصريين من دخول ليبيا بدون تأشيرة، وقد تم تأكيد هذا القرار بعد لقاء بين رئيس وزراء ليبيا والسيسى!! أما السودان فهو بالتأكيد غير متحمس للانقلاب، وحدث توتر بين الطرفين بسبب تحذيرات الانقلاب للسودان من أى تعاون مع الإخوان المسلمين فى مصر. أما غزة فالانقلاب يشن حربا عليها بمنتهى الفخر والاعتزاز، ولم يبق من الجيران إلا إسرائيل حيث المحبة التى تحولت إلى «تطابق استراتيجى» حسب تعبير صحيفة «هاآرتس»؛ إذن مشروعية الانقلاب من الجيران لا تأتى إلا من إسرائيل، حتى يوقن الشعب المصرى أن كامب ديفيد ونظامها، أى العلاقات المثلثة (الأمريكية – المصرية – الإسرائيلية) هى سبب الوبال الأساسى فى مصر.
تونس لاترد على الهاتف
على المستوى العربى تونس لاترد حتى على المكالمات الهاتفية للانقلاب (هذا موقف قادة البرازيل أيضا)، ولايزور مصر إلا عملاء أمريكا ومدبرو الانقلاب: الإمارات، والسعودية، والأردن.
على المستوى الإفريقى لاتزال عضوية مصر مجمدة فى الاتحاد الإفريقى، وأعلنت إثيوبيا أنها لاتتعامل مع نظام غير شرعى وأوقفت مباحثاتها بخصوص سد النهضة، ثم أعلنت أوغندا عن بناء سد جديد بتمويل صينى.. حتى حجاج بيت الله الحرام من غرب إفريقيا عزفوا عن استخدام «مصر للطيران» وبدءوا فى التعاقد مع الخطوط الإثيوبية. بالفعل نحن أمام موقف لم يحدث لمصر فى تاريخها أبدا حتى وهى تحت الاحتلال. الموقف التركى قاطع فى رفض الانقلاب، الموقف الإيرانى يتسم بانتقاد الأوضاع المزرية لحقوق الإنسان والتوسع فى العنف وسفك الدماء. أغلب دول العالم لاتتعامل مع الانقلاب،أو لاتجد ضرورة لتحديد موقفها لأنها لاتجد الوضع قد استقر. وأشاع الانقلابيون أن «بوتن» سيأتى لزيارة مصر، واتضح أنها إشاعة للضغط على أمريكا. أمريكا شريك أساسى فى الانقلاب، وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لاتملك أن تدبر الانقلابات بعيدا عن مجمل المؤسسة الحاكمة.
أمريكا تأمل أن يستقر الانقلاب مع تقليم أظافر الحركة الإسلامية مع بقاء الإخوان والإسلاميين عموما فى المشهد السياسى من أجل الاستقرار، مع الاحتفاظ بمفاتيح السلطة مع العسكر الذين تربوا فى أحضان الكليات الحربية الأمريكية والبريطانية كالسيسى. الخلاف الذى حدث بين الانقلاب وأمريكا كان فى معدلات استئصال الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية. تخفيض حجم المذابح وبعض الإفراجات وتقليل مستوى الاعتقالات يرجع إلى الضغط الإسرائيلى الأمريكى مع الأسف الشديد؛ فهم الذين ينصحون بضرورة التمسك بالعقلانية، وتحقيق الأهداف المرجوة بدون فضائح! فهم أساتذة فى الإجرام، ولكن السيسى (غشيم) ومستجد على المذابح، فلايعرف كيف يقتل فى الظلام وفى السر وكيف لايرفع الجنود الرشاشات فى وجه النساء ويطلقون الرصاص فى عز الظهر والموبايلات تصور…إلخ.
للحديث بقية