من قبل يناير 2011 وغالبية المصريين قلقون من أن يتحرك المهمشون بلا عقل ولا وعى ولا رحمة، وحين جاء يناير 2011 أخرجت مصر أجمل وأنبل ما فيها، وأنقذت هذه الثورة مصر من شر مستطير، أنقذتها من عواقب الظلم الاجتماعى والاقتصادى الذى اكتوى بناره عشرات الملايين ممن يقيمون تحت خط ثقيل اسمه خط الفقر، وأصبح الجميع يعيشون على أمل أن تنصفهم الأيام، وأن يتحقق العدل، ولكن للأسف سارت الأمور بشكل آخر.
ستجد عزيزى القارئ مئات المقالات والحلقات المتلفزة التى تحدثك عن ثورة الجياع، وستجدها ممتدة على مدار سنوات وسنوات، وليس معنى أنها لم تقم حتى الآن أنها وهم، أو أنها أمر لا يحدث، لقد تحدثنا سنوات أطول عن الثورة ثم قامت فى النهاية، ومن الممكن أن تقوم ثورة الجياع أيضا فى أى لحظة. إن حظر التجول، وحالة الحرب الإعلامية على الإرهاب، والإجراءات الاستثنائية العنيفة، لها أهداف سياسية، وقد يكون لها أهداف أمنية، ولكن فى النهاية يدفع الثمن بسطاء المصريين الذى يجمعون قوتهم يوما بيوم، وفى كثير من الأحيان (طقة بطقة)، أى وجبة بوجبة، وقد ينجح فى ثلاث وجبات فى اليوم وفى أحايين أخرى قد لا ينجح.
هذا النوع من المصريين هو من يتأثر بحالة السياحة، وهيهات أن يأتى سياح الآن ومصر تعلن فى العالم كله أنها فى حالة حرب، والعالم كله يرى ما حدث فى الثالث من يوليو بطريقة أخرى غير ما يراه الخطاب الرسمى. من أسوأ ما حدث خلال الشهور الماضية أيضا هو حالة التضييق على العمل الخيرى، وتم ذلك لأسباب واهية، وكلها حساسيات أمنية لا معنى لها. أعرف من رجال الأعمال وأهل الخير من يخاف أن يخرج زكاة ماله أو أن يتصدق كما تعود خشية أن يقال إنه يمول جهة ما، أو خشية أن يتضح أن الجهة التى تعود أن يعطيها ماله لها علاقة بأى فصيل سياسى مغضوب عليه اليوم، أو غدا.
اقتصاد البلد فى حالة من أسوأ ما يكون، وهناك طبقات لا تتحمل هذا الأمر خصوصا بعد ثلاث سنوات عجاف مرت على الوطن، لذلك أتمنى من كل المسؤولين أن يرحموا من فى الأرض لكى يرحمهم من فى السماء، فإما أن يعينوا هؤلاء (الغلابة) على معيشتهم – وهو أمر فوق طاقة الحكومة بالطبع – وإما أن يتركوا أهل الخير وأصحاب العمل الخيرى فى شأنهم، لعل الله يدرأ بأعمالهم شرا كبيرا عن مصر كلها. وأكرر ما قلته فى بداية المقالة، ليس معنى أن مصطلح (ثورة الجياع) قد استهلكه المتحدثون، ليس معنى ذلك أنها أمر مستحيل، بل هى أمر – فى رأيى – يوشك أن يحدث، ونسأل الله السلامة.