حاول إعلام الدعارة (آسف لا أجد أخف من هذا الوصف المهذب) أن يصور السيسى قائدا لمعركة وطنية ضد أمريكا إلى حد التهديد بتدمير الأسطول السادس والسابع عشر لأمريكا ومحو إسرائيل من الوجود. ولا أدرى لماذا لم يتصل بإيران صاحبة هذه الشعارات والتى تملك فعلا أن تفعل ذلك، فهل سيدمر السيسى الأسطول الأمريكى بطائرات (إف 16) الأمريكية المستعملة بدون ذخائر وبدون قطع غيار من أمريكا؟! الخلاف كان حقيقيا فى كيفية إدارة الأزمة مع الإخوان المسلمين، والطرفان يتجهان إلى التوافق تدريجيا، وهو النوع نفسه من الخلافات التى كانت موجودة مع حكم مبارك،والتى هى موجودة دائما بين الحاكم العميل والدولة العظمى المتبوعة.
فالحاكم العميل أكثر من مجرد مخبر ومنفذ، فهو لديه أجهزة وإمكانيات وقوات ولديه بناء على ذلك تصورات تختلف تكتيكيا مع السيد الأمريكى، ولكن الطرفين يتوافقان فى نهاية المطاف ما دام الهدف واحدا، ولكن الخلافات التكتيكية مع أوروبا وأمريكا تضعف من حالة استقرار الانقلاب.. ولعل من أسباب هذا الجنون فى الحرب على أهلنا فى سيناء وغزة هو تقديم أوراق الاعتماد بأن حكم السيسى أكثر نفعا من حكم مبارك، ولكن البحث عن المشروعية من الخارج يزيد فجوة عدم المشروعية فى الداخل، وهذه ورطة الانقلاب أو المصيدة التى أوقع نفسه فيها.
الحرب على الإرهاب
ويسعى الانقلاب لإيجاد غطاء شرعى لمايسمى «ثورة 30 يونيه» وغطاء لهذه الحملة الشعواء على الإخوان المسلمين. لقد كانت الحملة على الرئيس «مرسى» والإخوان تقوم على أساس أنهم فاشلون، وإذا صحت النوايا فقد كان يكفى عزلهم، أما الحديث عن التجسس والهروب من السجن والإرهاب والعنف، فهذه وقاحة وقلة أدب وكذب وتخريب لكل معانى القانون والسياسة والثورة والوطنية، بل وصلت الاتهامات إلى حد سرقة الشقق والغسيل!! لقد وصلنا إلى حالة انتهاك عرض الكلمات، وأصبح الكلام لامعنى له؛ فأصبحت الراقصة فقيهة فى الشريعة وشهيدة إذا ماتت وهى فى طريقها إلى (الكباريه)، وأصبح التجسس مع إسرائيل وأمريكا (لصالح الأمن القومى المصرى)، والتعاون مع المقاومة الفلسطينية هو وحده المدان.
وعندما فشلت هذه الحملة المزعومة على «الإرهاب» وزاد نطاق وحجم وعدد المظاهرات.. بدءوا فى افتعال الحوادث الإرهابية المدبرة، ولكن الإخراج كان فاشلا إلى حد لايستحق الرد عليه وأثار زوبعة من النكات على «فيس بوك» واعتبر الناس أن هذا نوع من الترفيه فى ظل الأجواء الكئيبة للانقلاب على طريقة (الكاميرا الخفية)؛فهذا مذيع يعلن عن انفجار قبل وقوعه، وعربات المطافئ تصل قبل وقوع الانفجار، والمذيعون يظهرون بالبيجامات ولايوجد أى قتيل أو مصاب فينشرون صور المصابين فى غزة!!
يمكن أن ننتقد سياسات الإخوان المسلمين فى عديد من الأشياء، وأنا شخصيا أفعل هذا لأننا نتحدث عن مصير ثورة ووطن، ولكن (حكاية الإرهاب والعنف) لا أساس لها من الصحة، وهى التى توقع الانقلاب فى سلسلة لانهائية من الأكاذيب، وتلفيق مثل هذه الاتهامات التى تصل عقوبتها إلى الأشغال المؤبدة (وقد حصل فى السويس) أو الإعدام.. تهديد لكل مواطن مصرى، لأن كل شىء سيصبح مستباحا. وهو ظلم لايقبله صاحب دين أو حتى صاحب إحساس.
لماذا يطول الموت السريرى للانقلاب؟
يطول الموت السريرى للانقلاب لعدة أسباب:
أولا: أننا هذه المرة نُسقط نظاما ونحرر أمة من طغيان 51 سنة، أى منذ حريق القاهرة فى 26 يناير 1952حين أُعلنت الأحكام العرفية واستمرت حتى مابعد ثورة 2011. إسقاط مبارك فى 18 يوما فقط كان بسبب مؤامرة العسكر مع أمريكا وعلى أساس استمرار النظام نفسه، وهذا ماحدث. واليوم لن نقبل بعزل السيسى وحده، لذلك فإن استطالة الجهاد الذى يدخل الآن شهره الثالث وسقوط 6 آلاف شهيد وعشرات الآلاف من المصابين ومئات المفقودين ومالايقل عن 10 آلاف معتقل يحقق إنجازات كبرى، فقد تم فرز حقيقى، واكتشف الناس قادة جيش كامب ديفيد والنخبة الفاسدة التى تقتات الآن على دماء الشهداء من أجل منصب زائل أو برنامج تلفزيونى أو سبوبة.. لم يعد أحد يستطيع اللعب على الحبل أو إمساك العصى من المنتصف؛ فإما أن تكون مع الانقلاب الدموى، أو ترفضه وتعرض نفسك للقتل والاعتقال وتحطيم أثاث المنزل أو الشوى أو التعذيب أو خطف زوجتك وأبنائك أو سرقة ذهب زوجتك وأموالك.
الخيار أصبح حادا بين الشرف والخيانة
الخيار أصبح حادا بين الشرف والخيانة، بين أن تكون رجلا أو تكون مخنثا، أن تختار بين الدنيا والآخرة، بين الكرامة ولحس البيادة؛ لذلك عندما نسقط الانقلاب بإذن الله فسنبنى على نظافة بعد تطهير الجسم من كل هذا الصديد الذى اسمه «النخبة».
ثانيا: الخصم يدرك هذه الحقيقة، لذلك هو يقاتل دفاعا عن ملياراته وقصوره وامتيازاته وصولجان الحكم وأبهته ومملكته العسكرية والمدنية (لاحظوا أننا لم نحصل على مليم أحمر من أموال مبارك وكل معاونيه)، ويعرف أن البديل هذه المرة لن يكون فى مستشفى المعادى بل على أعواد المشانق. وهذا الأمر لايخص السيسى، بل كل المجلس العسكرى على الأقل.
ثالثا: انتقال الشرائح التى خُدعت بالحملة الإعلامية المروعة ضد حكم الرئيس «مرسى» والإخوان من موقف 30يونيه إلى موقف المحايد، ثم انتقال شرائح متزايدة من موقف الحياد إلى موقف المعارضة النشيطة للانقلاب إلى حد المشاركة فى التظاهر. وقد أخذ هذا وقتا، وهذا مايفسر تزايد حجم المشاركين فى المظاهرات مع مرور الوقت؛ فقد بدأت الناس تدرك أن الحملة كانت على «الإسلام» وليس على «الإخوان» (انظر إلى لجنة تعديل الدستور وإغلاق المساجد والفضائيات الإسلامية…إلخ)
فالانقلاب أسقط فكرة الديمقراطية وألغى كل اختيارات الشعب عبر عامين كاملين. إن كرامة المواطن عادت تتعرض لكل أشكال المهانة فى الأقسام وغيرها..إن الحالة الاقتصادية أصبحت (جيم) والانقلاب خرّب كل شىء وأوقف كل شىء وأسعار البطاطس أصبحت أغلى من أسعار (المانجة) فى عهد «مرسى». ولايعنى هذا أننا ندافع عن سياسات حكم «مرسى» على طول الخط، ولكننا قلنا ولانزال نقول: لقد كان حكما وطنيا نظيف اليد ومنتخبا، وقد كان هذا كافيا ليكون أحسن من حكم مبارك وطنطاوى والطرطور، ولايعنى هذا أننا لن نعارض حكم «مرسى» عندما يعود إذا سار فى النهج القديم نفسه مع أمريكا وإسرائيل وصندوق النقد. لقد قلنا إننا نعارض هذا الحكم، ولكننا نرى تغييره بالانتخابات البرلمانية الوشيكة ثم الانتخابات الرئاسية فى مواعيدها الدستورية، لتظل العصمة دائما فى يد الشعب.
المهم أن انتقال الشرائح المترددة إلى خانة المعارضة الصريحة للانقلاب هو الذى يغيّر المعادلة، ويقرّب يوم سقوط الانقلاب. ولابد أن نذكر بمنتهى التقدير والإعزاز مواقف القوى الوطنية العلمانية التى توسعت تدريجيا فى معارضتها للنظام،فبالإضافة إلى شخصيات عديدة نشير إلى شرائح عديدة من حركة «تمرد» و«الاشتراكيين الثوريين» وحركة «مسيحيين ضد الانقلاب» وحركة «أحرار».اتساع نطاق هذه الحركات يؤكد فكرة أن المعركة بين الشعب والانقلاب، وليست بين الإخوان والانقلاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ