جمهوريّةُ البطيخ" الّتي أسّسَهَا مجرمُو عَسكرِ مِصْرَ سنةَ ١٩٥٢م جعلتنَا مِنْ أفقرِ دُوَلِ العَالمِ، وأكثرها تخلّفًا وانحطاطًا. ابتلانا اللّهُ بعصابةٍ مجرمةٍ استغلتِ الزّىّ العسكريّ للنّصبِ علَى العِبادِ، ونهبِ ثرواتِ البلادِ. "جُمهوريّةُ البطّيخِ" الّتي وَضعَ حَجرَ أساسِهَا المجرمُ عبد النّاصرِ، تقومُ في المقامِ الأوّلِ على الجهلِ.
فالقياداتُ العسكريّةُ المزعومةُ تعليمُهَا بسيطٌ بسيطٌ، وثقافتُهَا محدودةٌ محدودةٌ، وأفقُهَا ضيّقٌ ضيّقٌ، وعلمُهَا ضئيلٌ ضئيلٌ، وكراهيتُهَا للعلمِ دفينةٌ دفينةٌ، وقدرتُهَا علي التّحصيلِ ضعيفةٌ ضعيفةٌ، وبديهتُهَا بطيئةٌ بطيئةٌ، وعقلُهَا أتفهُ من عقلِ فرخةٍ صغيرةٍ صغيرةٍ.
لَقَدْ جعلنَا مجرمُو العَسكرِ مسخرةً أمامَ شُعوبِ العالمِ، وَصرنا نخجلُ من تخلّفنا، وفقرنا، وجهلِنا، أمامَ شُعوبِ العَالمِ المتقدّمةِ. عسكرُ مِصْرَ سَرطانٌ خَبيثٌ، يا ناسُ. عَسكرُ مِصْرَ جعلوا بلدنَا تبدو هِيَ الأخرى وكأنّها سَرطانٌ متوحّشٍ. فَفِي الوقتِ الّذي تحرصُ فيه دولُ العالمِ المتحضّرةُ على استغلالِ كلّ سنتيمترٍ من أرضها، أهملَ مجرمو عسكرِ مصرَ تنميةَ بلدِنَا، وجعلوا النّاسَ تتكدّسُ في بقعةٍ صغيرةٍ جدًّا من المساحةِ الكلّيّةِ لمصرِ، مهملينَ استغلال نحو تسعينَ في المئةِ من مساحةِ مصرَ، بسببِ جهلِهم، وجشعِهم، وغشمِهم. مُجرمُو عَسكرِ مِصرَ جَعلونا مُتخلّفينَ جِدًّا، يا ناسُ.
مَنظومةُ الحكمِ العَسكريّ المجرمِ لا تعتمدُ عَلَى الجهلِ مِنْ فوقُ فَحسبُ، بلْ تتمسّكُ أيضًا بالجهلِ مِنْ تحتُ. فكمَا أنّ القِيَادَاتِ المزعومةَ تعليمُها بَسيطٌ، وعقلُها خفيفٌ. فكذلكَ الجنودُ، تَعليمُهم شِبه معدومٍ، وعقولُهم غيرُ مَوجودةٍ أصلًا. يعتمدُ العسكرُ عَلى جَيشٍ مِنَ الأمّيّينَ، وَحملةِ الابتدائيّةِ أوِ الإعداديّةِ بمجموعٍ ضعيفٍ ضعيفٍ، مثل مجموعِ قياداتهم في الثّانويةِ العامّةِ الضّعيف جدًّا. وهَذا سببٌ أساسيٌّ لتفشّي السّرطانِ الخبيثِ في جسدِ بلدنا الطّاهرِ، وانتشارِ المرضِ القاتلِ في جسمِ مصرنا الواهنِ.
إذ يكفي أنْ يصدرَ القائدُ الأرعنُ أوامرَهُ بقتلِ شرفاءِ المصريّينَ، حتّى نرى جنودًا بلهاءَ يطلقونَ النّارَ على المواطنينَ العزّلِ. وليس يستفيدُ من منظومةِ الجهلِ هذه إلّا أعداءُ مصرَ، وأعداءُ الإنسانيّةِ. فأعداءُ مصرَ يستغلّونَ جهلَ عَسكرِ مصرَ، ويحرّكونهم كقطعِ الشّطرنجِ، لخدمةِ مَصَالحهم. ثمّ يقومُ مجرمو عَسكرِ مصرَ بدورهم باستغلالِ جهلِ الجنودِ المصريّينَ البسطاءِ، الّذينَ لم تسمحْ ظروفُهم بتلقّي أيّ تعليمٍ، أو تحصيلِ أيّ ثقافةٍ، وبالتّالي يمكنُ إقناعُهم بسهولةٍ بأنّ المتظاهرينَ المسالمينَ مجرمونَ ينبغي قتلهم.
حوّلَ مجرمو عَسكرِ مصرَ بلدنا إلى "جمهوريّةِ بطّيخٍ" حقيقيّةٍ. و"جمهوريّاتُ البطّيخِ" لهي أشدُّ تخلّفًا مِنْ "جمهوريّاتِ الموزِ". فـ "جمهوريّةُ البطّيخِ" لا تعتمدُ على الجهلِ والجهلةِ فحسبُ، بلْ تعتمدُ أيضًا على النّصبِ والنّصّابينَ فِي المقامِ الأوّلِ. فصارَ النّاسُ في مِصرَ لا يدخلونَ الكلّيّاتِ الحربيّةَ من أجلِ الدّفاعِ عَن أرضِ مِصْرَ، بل لكي يُصبحوا رجالَ أعمالٍ بزيٍّ عسكريٍّ. وليسَ يحدثُ هذا إلّا فِي "جمهوريّاتِ البطّيخِ".
كلُّ شيءٍ مقلوبٌ في دنيا العَسكرِ المجرمينَ. لقدْ فرضَ هؤلاءِ المجرمونَ علينا تقاليدَ في غَايةِ القُبحِ والغرابةِ. فصارَ تليفزيونَ الدّولة ينقلُ إلينا بانتظامٍ ما يسمّونه "حفلَ تخريجِ دفعةٍ جديدةٍ من الكلّيّةِ الحربّية". وهي تقاليدُ في غايةِ الغرابةِ فعلًا. فلماذا الاحتفالُ أصلًا بتخريجِ ضبّاطٍ، ونحنُ في حالةِ سلامٍ مزعومٍ مَعَ إسرائيلَ منذ أربعينَ عامًا؟ ولماذا لا ينقلُ التّليفزيونُ الحكوميّ لنا أيضًا حفلاتِ تخريجِ طلبة كلّيّة الطّبّ، أو كليّاتِ الهندسةِ، أو سائر الكلّيّات الأخرى؟ لكن هكذا يبدأُ مسلسلُ النّصبِ على الشّعبِ الغلبانِ، وهكذا يشرعونَ فى تضليلِ النّاسِ.
يتخرّجُ هؤلاءِ الضّبّاطُ المزعومونَ، الحاصلونَ على ثانويةٍ عامّةٍ بشقّ الأنفسِ، بعدَ فترةِ تدريبٍ قصيرةٍ جدًّا، لا تتعدّى عدّةَ أشهرٍ، لا نعرفُ بالطّبعِ لأيّ شيءٍ تكفي. أيتمُّ تلقينُ هَؤلاءِ الضّبّاطِ أنّهم الأسيادُ، ونحنُ العبيد؟ أم أنّهم يتعلّمون فعلًا إطلاقَ النّارِ، تمهيدًا لقتلِ أفرادِ الشّعبِ؟ أمْ أنّهم يتدرّبونَ على كيفيّةِ إدارةِ المشروعاتِ الاستثماريّة؟ أم يقوم المدعو السّيسي بتعليمهم حِيَلَ جذبِ النّساءِ؟ إنّ المستوى المهنيّ لضّبّاطِ مصرَ في الحضيضِ، يا ناس.
ويكفي أن تلاحظَ، أيّها القارئ الكريمُ، المنظرَ العامّ لقادةِ العسكرِ المزعومينَ. فليسَ يوجدُ من بينهم ضابطٌ واحدٌ يتمتّعُ بلياقةٍ بدنيّةٍ عاليةٍ. بلْ إنّ غالبيّتهم يعانونَ من زيادةِ الوزنِ، والأمراضِ المزمنةِ. وحرصُ قائدِهم المزعومِ عَلى صبغِ شعرِ رأسِهِ مثل الحريمِ، لجذبِ النّساءِ، أكثرُ من حرصِه على رفعِ كفاءةِ جنودِهِ القتاليّةِ. فالعسكرُ همُ أشدّ النّاسِ مقتًا للحياةِ العسكريّةِ، وأكثرهم كراهيةً للعيشِ في الثّكناتِ.
ولنتذكّرْ كيف تكالبوا على احتلالِ قصورِ الملكِ فاروق، بعدَ انقلابهم الأسودِ سنة ١٩٥٢م، وضلّلوا النّاسَ بتغيير اسمها من "قصورٍ ملكيّة" إلى "قُصُورٍ جمهوريّة"، مثلما ضلّلتْ خنازيرُ جوروج أورويل سائرَ الحيواناتِ الأخرى بالعبارةِ الشّهيرةِ: "كلُّ الحيواناتِ متساويةٌ. لكنَّ بعضَهَا أكثرُ مساواةٍ من غيرها"! ولا يمتلكُ المرءُ إلّا الاستعجابَ من براعةِ العملاقِ جورج أورويل في تصوير "استهبالِ" خنازيره لباقي الحيواناتِ، مثلما يستهبلُنَا اليومَ مجرمُو العَسكرِ تمامًا.
ويسألونك عَنِ النّصرِ، قُلِ النّصرُ آتٍ لا محالةَ، بإذنِ واحدٍ أحد. ويسألونك: متى يأتي نصرُ اللّهِ؟ قُلْ هُوَ أقربُ ممّا تتصوّرنونَ، بإذنِ واحدٍ أحدٍ. عندما كنتُ أدرسُ تاريخَ العقيدةِ في الإسلامِ، كنتُ أتعجّبُ من حرصِ المعتزلةِ الشّديدِ على مبدأِ العدلِ في الإسلامِ والقرآنِ. وَكَانَ طلبةُ الدّراساتِ العليا في جامعةِ لوتسرن يتعجّبونَ من إعجابي الشّديدِ بمبدأ العدلِ في الإسلامِ، عندما كنتُ أشرحُهُ لهم.
نحنُ شعبٌ نأبى أن يستعبدنا مجرمو العسكرِ، ونفضّل الشّهادةَ بكرامةٍ على العيشِ في ذلٍّ ومهانةٍ. شعبُ مصرَ اليومَ ليسَ كشعبِ مصرَ سنةَ ١٩٥٢م. شعبُ مصرَ اليومِ أكثرُ وعيًا، وأكثرُ علمًا، وأكثرُ تحضّرًا. شعبُ مصرَ اليومَ فاضَ به الكيلُ بِهِ من مظالمِ العسكرِ، ونفد صبره من جرائمِ النّصّابينَ من العسكرِ وغيرِ العسكرِ. شعبُ مِصْرُ اليومَ صارَ يُفضّلُ الموتَ عن أن يرى إنسانًا أرعنَ مثلَ المدعو السّيسي يحكمه. هذا المدعو السّيسي هو عارٌ على مصرَ. بل هو عارٌ بالمناسبةِ أيضًا على اليهوديّةِ، بعدما اكتشفنا أنّ أمّهُ يهوديّةٌ.
فاليهودُ الّذينَ أعرفهم في أوروبّا يهودٌ محترمونَ، لا يتميّزونَ بالتّفاهةِ، والسّخافةِ، وخفّةِ العقلِ، والدّناءة، الّتي نراها من المدعو السّيسي. يهودُ أوروبّا يركّزونَ على أعمالهم، ويتقنونها، بعكس المدعو السّيسي الّذي نعجزُ عن تصنيفه: أهو عسكريٌّ محترفٌ، أم رجلُ أعمالٍ بزيّ عسكريّ؟ أهو ضابطٌ محترمٌ، أم عسكريّ نصّابٌ؟ أيرتدي هذا المدعو السّيسي الزّيّ العسكريّ ليفتخرَ بانتمائه للجيشِ المصريّ، أم يرتديه لاصطيادِ النّساءِ؟ أيستخدمُ المدعو السّيسي هذه البدلةَ العسكريّة ليرمز إلى عراقةِ جيشنا، أم ليرهب شعبنا، ويقتل أبناءَنا، وينهب ثرواتنا؟
فليعلمْ مجرمو العسكرِ، وقائدهم الأرعنُ، أنّ المصريّينَ ليسوا عبيدًا، وأنّ شعبنا منتصرٌ على هذه الحثالاتِ المجرمةِ لا محالةَ. أتتذكّرْ، أيّها القارئُ الكريمُ، كيفَ قهرَ شعبُ مصرَ البطلُ مجرمي الشّرطةِ في الثّامنِ والعشرينَ من ينايرَ سنةَ ٢٠١١م؟ أتتذكّرونَ كيفَ ثأرنا لكرامتنا، وانتقمنا من أعداء البلادِ والعبادِ في ذلكَ اليومِ المشهودِ؟ أتعلمْ، أيّها القارئُ الكريمُ، أنّ عصابةَ الشّرطةِ، وعصابةَ عسكرِ مصرَ، لا مفرّ لنا من سحقهما جميعًا، حتّى نخلّصَ مصرَ من شرورهما، قريبًا بإذنِ اللّهِ.
مستحيلٌ أن نقبلَ بهذا العبثِ. مستحيلٌ أن نقبلَ ببقاءِ عصابةٌ تظنُّ أن بوسعها استعبادَ شعبنا البطلِ. شعبنا ليسَ عبيدًا، يا مجرمونَ. شعبنا شعبٌ حرٌّ، أبيّ، محترمٌ، يفضّل الموتَ بكرامةٍ عنِ الحياةِ بمهانةٍ. شعبنا آتٍ، يا مجرمونَ، وسوف يسحقُ المجرمينَ جميعًا، في السّادسِ من أكتوبرَ سنةَ ٢٠١٣م، وبعدَ السّادسِ من أكتوبرَ سنة ٢٠١٣م. شعبنا سوف يُطَهّرُ مصرَ الخالدةِ من كلّ هذه الحثالاتِ والرّممِ الّتي أهدرتْ كرامته، وانتهكتْ حقوقَه، وأزهقتْ أرواحَهُ، واعتقلتْ قياداته، وعذّبتْ شرفاءه.
شعبنا سوفَ ينتقمُ لنفسِهِ من كلّ هؤلاءِ المجرمينَ. والويلُ لكلّ مجرمٍ عربجيّ من انتقامِ الحليمِ. سوفَ نردّ الصّاعَ صاعينِ، بإذنِ اللّهِ. تسعونَ مليونَ مصريٍّ سيسحقونَ مليونًا أو مليونينِ من مجرمي العسكر والشّرطةِ في السّادسِ من أكتوبر ٢٠١٣م، وبعدئذٍ إنْ شاءَ اللّهُ. ستنزلُ الأغلبيّةُ الشّريفةُ وتدحرُ الأقلّيّةَ الدّنيئةَ. سيفرضُ الشّعبُ إرادتَهُ. وعندما يُقرّرُ الشّعبُ أن يستردّ كرامته، لن تجدي معه أيُّ وسائلَ قمعيّةٍ، أو أساليب إرهابيّة. قد يحاولُ المجرمونَ مواصلةَ إرهابهم لنا. لكن عندما يحتشدُ شرفاءُ المصريّين، ويصمّمونَ على استردادِ حقوقهم المسلوبةِ، فلن ينفعَ المجرمينَ الرّصاصُ، ولن تجدي القنابلُ نفعًا، حتّى لو كانتْ قنابلَ ذرّيّةً. وعندئذٍ سوفَ تُغرّدُ الطّيورُ فرحًا، وسوفَ تُسبّحُ المخلوقاتُ حمدًا، وسوفَ يرتّلُ المؤمنونَ سورةَ النّصرِ امتنانًا، وسوفَ نردّدُ جميعًا أبياتَ شاعرِنَا العظيمِ محمّد الفيتوريّ ظفرًا:
"يا أخي في الشرق ، في كلِّ سكن
يا أخي فى الأرض ، فى كلِّ وطن
أنا أدعوك .. فهل تعرفنى ؟
يا أخا أعرفه .. رغمَ المحن
إنني مزَّقت أكفانَ الدجى
إننى هدمتُ جدرانَ الوهن
لم أعدْ مقبرةً تحكى البلى
لم أعدْ ساقية تبكى الدّمن
لم أعدْ عبدَ قيودى
لم أعدْ عبدَ ماض هرم عبد وثن
أنا حيٌّ خالدٌ رغمَ الرَّدى
أنا حرٌّ رغمَ قضبانِ الزَّمن
فاستمعْ لى .. استمعْ لى
إِنَّمَا أذن الجيفةِ صماءُ الأذن
إن نكن سرنا على
الشّوكِ سنينا
ولقينا مِن أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكنْ بتنا عراةً جائعينا
أو نكن عشنا حفاةً بائيسنا
إن تكن قد أوهتِ الفأسُ قوانا
فوقفنا نتحدَّى الساقطينا
إن يكنْ سخَّرنا جلادنا
فبنينا لأمانينا سجونا
ورفعناه على أعناقنا ولثمنا قدميه خاشعينا
وملأنا كأسه من دمنا
فتساقانا جراحا وأنينا
وجعلنا حجر القصر رؤوسا ونقشناه
جفونا وعيونا
فلقد ثرنا على أنفسِنَا ومحونا وصمةَ الذّلةِ فينا".
ا. هـ.