بين عشية وضحاها تنقلب موازين الاعتبارات العالمية في نظرتها إلى أم الدنيا سابقا، ست الدنيا حاليا، وبرغم انتشار المصطلح مؤخرا كنوع من السخرية على ستة أجوال مباراة مصر وغانا الشهيرة، إلا أنها ليست سخرية سطحية كما يبدو للبعض؛ بل تحمل في طياتها الكثير والكثير من الأنات والحسرة!
إذ إنها عبرت بشكل رمزي على مدى التحول الذي اعترى مصرنا الحبيبة منذ أحداث الانقلاب العسكري الغاشم. فبعد أن ظلت لعام كامل – وبمحاولات حثيثة من الرئيس المنتخب محمد مرسي – صاحبة السيادة والريادة والإباء بين شقيقاتها من الدول العربية، جاءت أيدي الانقلاب لتجتث كل محاولات فرض السيادة والريادة لتضرب بها عرض الحائط غير عابئة بشيء سوى بتمكين أخطبوط الانقلاب وبتر كل ما يفسد عليه نموه.
سأسرد هنا بعضا من تلك المفارقات بين مصر ونظرة العالم لها قبل وبعد الانقلاب :
(1) سأبدؤها بالتصريحات المشينة لوزيرة إعلام الانقلاب، والتي تساوم خلالها قناة الجزيرة القطرية بالإفراج عن مراسليها المصريين مقابل التنازل عن فرض تعويض مالي نتيجة لسرقة التلفزيون المصري حقوق البث الحصري لقناة الجزيرة.
شيء مؤلم أن تستباح كرامة المصريين لهذا الحد أمام العالم أجمع، وأن تباع هكذا حرياتهم في سوء النخاسة على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
لا تتخيلون كم الرسائل الضمنية التي تحتويها هذه التصريحات وبخاصة لإخواننا المصريين المغتربين في كافة بلدان العالم، حيث: "إن كنتم مهانين في بلدكم لهذا الحد، فمن حقنا أن نساوم بكم كيفما نشاء"
(2) مصر من "محضن" إلى "محجم" لغزة! وانتقالا إلى الجزء اللصيق بنا، الذي جارت عليه الأقارب والأعادي، من حضن ومأوى والسبيل الوحيد لرؤية النور واستنشاق نسمات الحرية عبر معبر رفح طوال عام كامل قضاه الرئيس المنتخب، إلى سجن كبير بمعاودة غلق المعبر وتضييق خناق الحصار وهدم الأنفاق. ويا ليت الأمر توقف عند هذا الحد؛ بل طالتهم آلة التشويه الإعلامي بأذرعها الأخطبوطية، وأحكمت عليهم القبضة، حتى أن إحدى المذيعات أعلنت عقب الانقلاب أن قطاع غزة كان هو السبب فيما لاقاه المصريون من أزمات اقتصادية وأمنية وكهربائية! فتحولت مصر من الأيدي الحنون الراعية إلى الأيدي الجاثمة الباطشة بشقيقاتها.
(3) من غزة إلى سوريا، يا قلبي لا تحزن! كان من الطبيعي أن ينحاز الرئيس المنتخب محمد مرسي إلى صف ثوار سوريا ويدعمهم، وكيف لا وهو الرئيس المنتخب بعد ثورة شعبية أطاحت بنظام طاغية متعربد مثله مثل طاغيتهم بشار. فكانت قرارات "يونيو" الماضي بقطع كافة العلاقات مع النظام السوري، وإغلاق سفارته في القاهرة، وسحب القنصل المصري من دمشق، وفتح أبواب مصر أما الفارين من بطش بشار بترحاب تام وحفاوة مشهودة، ولكن لم تطل كثيراً فسرعان ما قطع النظام الانقلابي حبل الدعم واستبدله بحبل الشنق للثورة السورية، وشهدنا جميعاً طائرات الوافدين السوريين تعود من حيث أتت، وشهدنا السوريات المقيمات بمصر يبكين بحرقة على تشويه الإعلام المصري لهن. وشهدنا احتجاز نساء وأطفال سوريا بأقسام الشرطة ومطاردتهم وإهانتهم بالطرقات.
(4) صفقات معقودة، أم إعلانات التسول؟! كلنا شاهدنا الرئيس المنتخب وهو يجوب العالم بلا كلل أو ملل ساعيا لعقد صفقات وجذب استثمارات وعرض وجهة نظر مصر وزيادة نفوذها دون أن تمس كرامة المصري أو تتراجع قيد أنملة. وفي المقابل جاء عصر الانقلاب ليشاهد المصريون إعلانات التسول الخليجي على مصر يعلن عنها إعلامهم الرسمي على مرأى ومسمع من العالم، أضف لذلك أن رئيس الانقلاب عدلي منصور لم يزر منذ توليه سوى دول معدودة هي الدول الداعمة للانقلاب، وأما باقي الدول فيرسل لها رسله كي يروجوا لانقلابه المشئوم.
في الختام، دعونا نتساءل: من المستفيد من جراء هذا التحول؟ من الذي يرفض أن تستعيد مصر مكانتها المرموقة بين الأمم؟ في مصلحة من أن توأد كل محاولات فرض السيادة والريادة المصرية؟
بإجاباتكم على هذه التساؤلات ستدركون حجم المؤامرة التي دبرت لمصرنا، و ماهية مدبريها.