النيابة العامة المصرية أحالت يوم الأربعاء الرئيس المعزول محمد مرسى مع عدد من قياديى جماعة الإخوان إلى المحاكمة بتهمة "التخابر" مع منظمات أجنبية خارج البلاد بغية ارتكاب أعمال "إرهابية"، وبينها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وجرى ذكر "حزب الله" ولكن على استحياء شديد جدا.
جماعة الإخوان المسلمين المتهمة بالعمالة لأمريكا "تخابرت" مع واشنطن، وأرسلت الدكتور عصام العطار أحد ابرز قياديها على رأس وفد إلى العاصمة الأمريكية التقى العديد من المسئولين الأمريكيين بينهم أعضاء فى أجهزة أمنية، كما أن الرئيس مرسى زار السعودية وقطر وإيران وموسكو والبرازيل و"تخابر" مع قيادتها والمسئولين فيها، وطار السيد خيرت الشاطر ساعده الأيمن إلى الإمارات وقطر، و"تخابر" السيد عصام الحداد مع المسئولين فيها، ولكن كل هذا التخابر لا يعتبر جريمة، وإنما من الأمور المشروعة، التى لا تستحق المساءلة، التخابر "الخبيث" هو فقط مع حركة "حماس" المحاصرة فى شريط لا تزيد مساحته 150 ميلا اسمه قطاع غزة، وتواجه اعتداءات واغتيالات إسرائيلية متكررة.
النائب العام المستشار هشام بركات قال فى لائحة الاتهام التى أحال على أساسها 35 من قيادات الإخوان إلى المحكمة، أن هؤلاء "تخابروا" من أجل ارتكاب أعمال إرهابية داخل البلاد، وإفشاء أسرار تتعلق بالدفاع عنها (أى مصر)، لدولة أجنبية ومن يعملون لمصلحتها، وتمويل الإرهاب، والتدريب العسكرى لتحقيق أغراض التنظيم الدولى للإخوان، وارتكاب أفعال تؤدى إلى المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها".
***
لا نعرف متى تخابر هؤلاء مع "إمبراطورية" حماس هذه، فهل تم التخابر أثناء تولى الرئيس مرسى السلطة بعد فوزه فى انتخابات أجمع الجميع على نزاهتها، ونحن لا نتحدث هنا عن نجاح حكمه أو فشله، وهل يعقل أن يتآمر رئيس لزعزعة استقرار وسلامة واستقلال بلد هو حاكمها؟ وإذا كان هذا التخابر تم بعد الإطاحة به، فكيف جرى ذلك وهو خلف القضبان، أما إذا كان قد تم قبل الرئاسة فلماذا يسمح له بالترشح لخوض الانتخابات.
ثم ما الأسرار التى تتعلق بالأمن القومى المصرى وجرى تسريبها إلى حركة "حماس"، أسرار القنبلة النووية المصرية مثلا؟، أم خطط الهجوم التى أعدتها هيئة أركان الجيش المصرى لتدمير سد النهضة الإثيوبى الذى يمكن أن يهدد بناؤه حياة ملايين من أبناء مصر، أم أن هذه الأسرار تتعلق بهيئة التصنيع الحربى المصرى التى يرأسها حاليا الفريق أول عبد العزيز سيف الذى يحظى باحترام كبير فى القوات المسلحة.
حركة "حماس" هذه التى حولها الإعلام المصرى إلى قوة عظمى لا تقل أهمية وخطورة عن الاتحاد السوفييتى فى عز أمجاده، والولايات المتحدة فى ذروة قوتها، لم تستطع أن تتعاطى مع غرق قطاع غزة فى شبر ماء جراء أمطار نصف يوم فقط، واستعانت بمراكب مهلهلة، لصيادين فقراء، لإنقاذ الغرقى والمحتمين بأسطح منازلهم من الفيض والسيول، فكيف يمكن أن تستخدم وهذا حالها أسرار الدولة العسكرية المصرية "العميقة" بل العميقة جدا، لتهديد أمنها واستقرارها؟
الرئيس حسنى مبارك "تخابر" مع حركة "حماس" واستضاف جميع قياديها على نفقة الدولة، وغض النظر عن حفرها أكثر من 1300 نفق تحت حدود القطاع من مصر، ولم يدمر نفقا واحدا رغم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية الضخمة، وأبقى "سفيرا" مصريا لدى سلطتها فى المدينة المحاصرة، ولم يسحبه مطلقا رغم "انقلابها" على سلطة الرئيس محمود عباس الذى كان يؤيده، ولكننا نحن الذين تابعنا محاكمة الرئيس الأسبق لم نر تهمة "التخابر" هذه فى وثيقة الاتهام.
نزيدكم من الشعر بيتا ونقول إن المخابرات المصرية العامة كانت الجهة التى "تتخابر" مع حركة "حماس" وكل الحركات الفلسطينية الأخرى، بما فى ذلك الجهاد الإسلامى، وبتفويض رسمى من الحكومة ومع ذلك لم نر ضابطا فيها يقدم إلى المحاكمة بتهمة "التخابر" هذه.
نشعر بالخجل ونحن نقارن بين حكم الرئيس المخلوع "الأول" وحكم مصر الحالى فيما يتعلق بطريقة التعاطى مع قطاع غزة، ونحن الذين لم نقل كلمة طيبة واحدة فى حقه عندما كان يحكم، وأيدنا الثورة المشروعة للإطاحة به، وسامح الله الذين أجبرونا على ذلك.
السلطات المصرية الحالية دمرت جميع الأنفاق، وتفتح معبر رفح يوما لتغلقه أسابيع، وتمنع الكهرباء والوقود عن مليونى إنسان انطلاقا من نزعة انتقامية ثأرية وتمارس كل أنواع المضايقات والإذلال ضد أبناء القطاع وتعتبرهم جميعا إرهابيين يشكلون خطرا على مصر وشعبها، وتحتجز من يمرون بمطارها مضطرين فى غرف تحت الأرض لا تصلح للحيوانات، ولأيام عدة دون ذنب، كل هذا لأن الرئيس مرسى كان "يعطف" على حركة "حماس" ويتعاطى مع أبناء القطاع بطريقة إنسانية تعكس أخلاق أبناء مصر وطيبتهم وحبهم لأشقائهم العرب والفلسطينيين منهم خاصة، ونصرتهم للمظلومين.
***
فى مصر حكم جديد، يريد أن ينتقم من حركة الإخوان المسلمين، ويجتثها من جذورها، ويجد تأييدا ومساندة من قطاع عريض من المصريين، وهذا واضح للأعمى قبل البصير، ولكن لماذا الزج بحماس والشعب الفلسطينى من خلفها، وتصوير هؤلاء على أنهم أعداء لمصر الكبيرة العظيمة التى بالكاد أن يشكل أبناء قطاع غزة جزءا من أحد أحياء عاصمتها، ويحبون مصر، ويحفظون جميلها، ويشاهدون قنواتها ويفرحون لفرحها ويحزنون لحزنها، ويشجعون أنديتها الكروية.
اعتقلتم الرئيس مرسى بعد الإطاحة به من حكم وصل إليه عبر صناديق الاقتراع، وأصدرتم قرارا بتجريم حركته الإخوانية ومنعها من العمل السياسى، ثم ألحقتموه بآخر بحل حزب الحرية والعدالة الذى تأسس وفقا للقانون المصرى وأحكامه، فماذا تريدون أكثر من ذلك، ولماذا الزج بالقضاء أو ما تبقى منه فى هذه المعركة؟
لنكن صرحاء ونعترف بأن التهم الموجهة إلى الرئيس مرسى ورفاقه سياسية، وليست جنائية، والدستور الجديد الذى سيطرح الشهر المقبل على الشعب المصرى للتصويت عليه، يبيح محاكمة السياسيين أمام محاكم عسكرية، ولذلك نرجوكم أن تعيدوا حالة الطوارئ، والأحكام العرفية، وتصدروا الأحكام التى تريدون، بعيدا عن هذه المسرحية التى لا تقنع أكثر السذج سذاجة.
خريطة الطريق، أى خريطة طريق، متى تنجح وتعطى أُكُلها يجب أن تكون واضحة ديمقراطية شفافة ومقنعة، وليست مليئة بالمطبات والحفر والتعرجات الخطرة. وأعتقد أن أصحابها يعرفون جيدا ما أعنى.
_________________