شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

السقوط في حفرة الزمن – شيرين عرفة

السقوط في حفرة الزمن – شيرين عرفة
  بدأ عام جديد , بعد أن رحل عنا بلا عودة عام 2013 م والذي وصفته مجلة ال ( science ) الأمريكية الشهيرة بأنه ( عام...

 

بدأ عام جديد , بعد أن رحل عنا بلا عودة عام 2013 م والذي وصفته مجلة ال ( science ) الأمريكية الشهيرة بأنه ( عام الإنجازات العلمية والطبية ) .. 
 
و قد ذكرت أهم تلك المنجزات التي شهدها العام المنصرم فكانت كالتالي :
 
1_ شهد هذا العام نقطة تحول في علاج مرض السرطان , حين بدأت تجارب العلاج المناعي ضد الأورام تؤتي أكلها وتثبت تطورا ملموسا في العلاج , وهذا النوع من العلاج لا يستهدف الأورام بشكل مباشر وإنما الجهاز المناعي فيحفزه ويدعمه في حربه ضد المرض .
 
2_ كما شهد أيضا تطورا هائلا في الجراحات الجينية المجهرية , وتحديد الجينات في الشريط الوراثي وبالتالي تعطيلها او تحفيزها او تغييرها بدقة متناهية .
3_ كما طور علماء من جامعة ستانفورد نوعا جديدا من التصوير الطبي للدماغ يمسمى ( clarity ) وهذه الطريقة من التصوير تحول الدماغ إلى كتلة شفافة كالزجاج مما يسهل دراسة أنسجته بمعدل يفوق مائة مرة طرق التصوير السابقة , وقد ذكرت المجلة أن ذلك النوع من التصوير هو خرق علمي وطبي ويعد من أهم منجزات عام 2013 م
 
4_ كما تمكن العلماء أخيرا في هذا العام من استنساخ نسيج جنيني بشري ثم تحويله إلى مصدر للخلايا الجذعية , في خطوة انتظرها العالم منذ عقود طويلة .
 
5_ كما شهد هذا العام تطوير عدد من علماء جامعة ( أوهايو ) لجهاز تنظيم ضربات القلب والذي يرسل صدمات خفيفة للمناطق المتضررة من الدماغ مما يحفز ذاكرة من يعانون الخرف ( الزهايمر ) على التفكير والتذكر , وهو إنجاز طبي يعطي الأمل لعشرات الملايين من المرضى حول العالم .
6_ كما شهد أيضا تطور طبي هام من خلال روبوت طبيبت يتجول في المستشفيات ويقدم استشارة طبية عن بعد بفضل محادثة فيديو تجمع المريض بطبيبه .
7_ و شهد هذا العام إنجاز طبي كبير وهو عبارة عن سائل لاصق لجبر العظام المكسورة ابتكره فريق من الباحثين في ( المعهد الملكي للعلوم والتكنولوجيا باستكهولم ) يغني عن الجبيرة التقليدية وكذلك الشرائح المعدنية والمسامير التي كانت تستعمل من قبل .
 
وبينما شهد العالم إنجازات علمية وتكنولوجية هائلة حدثت في العام الفائت 2013 م تخرج منه مصر وكأنها سقطت في حفرة للزمن عادت بها عشرات السنين إلى الوراء ..تدخل مصر عام 2014 م وهي خارج سباق التاريخ والأحداث , وهي خارج المعادلة الدولية أساسا , وبعد أن تحدث زعماء العالم واصفين ما حدث في ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 م ( أن المصريين صنعوا التاريخ كالعادة ) ينتهي عام 2013 م ومصر منبوذة من أغلب دول العالم , بل ومطرودة من منظمة الإتحاد الإفريقي و من عضوية اتحاد برلمانات العالم , و غير مرحب بها في أي محفل دولي , تعود مصر لعصر الإنقلابات العسكرية وحكم الجيوش وسلطة الدبابة , تدخل مصر عام 2014 م وهي تعاني من انهيار كامل في كافة المجالات الإقتصادية و السياسية والإجتماعية , بل تفقد مصر مكانتها الدولية , حتى تلك المكانة المخزية في عهد المخلوع ( حسني مبارك ) حينما كانت مصر مجرد أداة بيد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل , إلى شبه دولة لا تملك إرادتها مطلقا بل تحكم من أكثر من مكان وأكثر من دولة كما أكد على ذلك الكاتب البريطاني الكبير ( روبرت فيسك ) في مقاله الشهير ( القصر الرئاسي المصري في دبي ) والمنشور بتاريخ 6 نوفمبر 2013 
والذي كشف فيه عن تخصيص الإمارات لقصر رئاسي شرق دبي لإدارة الشأن المصري , وأوضح فيسك أن السيسي كغيره يتلقى التعليمات من خلال هذا القصر بعد ضياع البلاد من تحت سيطرته وعجزه عن وقف التظاهر .
 
هكذا وصل الحال بمصر أن تصبح تابع لدولة صغيرة لا تقارن بوزن مصر عربيا وإقليميا , وأصبح حديث الساسة فيها إقتصاديا ينصب فقط على المعونات التي تتسولها من الدول الخارجية وما تمن به عليهم تلك الدول , و بعد أن تراجع العالم كله عن حديث ( الحرب على الإرهاب ) , وقد اكتشفت أغلب دول العالم أن عنف الدولة و قمع السلطة هو ما يصنع الإرهاب بها , بل وشهد عام 2013 م انتهاء عدة مشاكل أثارت العنف في العديد من الدول ومنها الفلبين حيث انتهت الدولة من صياغة قانون سينهي الصراع الذي دام 40 عاما مع جبهة تحرير ( مور ) الإسلامية والتي طالما وصفتها الحكومة من قبل بالإرهابية وذلك بإنشاء كيان يتمتع بحكم ذاتي لإدارة جنوب البلاد حيث أغلب السكان من المسلمين .
 
بينما في مصر ولأن عقارب الساعة بها تسير للوراء , نجد أن أكبر تنظيم سياسي واجتماعي وديني عمره أكثر من ثمانين عاما وحاز على ثقة الشعب في خمسة استحقاقات انتخابية نزيهة وحرة , و شكل أعضائه الأغلبية البرلمانية في مجلسي شعب وشورى و وصل أحدهم لأعلى وأرفع منصب في البلاد وهو منصب ( رئيس الجمهورية ) , تقوم حكومة الإنقلاب العسكري بها بإعلانه ( تنظيما إرهابيا ) , التنظيم الذي اعتقل كافة قيادته بدون أي مقاومة تذكر , بل و يصر على التظاهر السلمي ويراق دماء أعضائه يوميا في تلك التظاهرات .
 
و تشهد مصر رغبة محمومة من السلطة الإنقلابية على إدخال البلاد في صراع مقيت يطحن الجميع من خلال قمع وانتهاكات لم تشهد البلاد مثيلا لها منذ عهد الفراعنة , فالمجازر شبه يومية والإعتقالات عشوائية , وقوات الجيش تشتبك مع طالبات المدن الجامعية , وكل شئ يبدو جنونيا وغير منطقي , من قوانين بإعدام المتظاهرين وسجنهم , أو سجن من يرفع أصابعه لأعلى أو يحمل صورة لأربعة أصابع مرفوعة , أو الحكم بسجن من يقوم برسم جرافيتي على حوائط الشوارع , أو إعتقال طالب لحمله مسطرة عليها علامة رابعة , وإعلام رسمي وغير رسمي يتحدث جميعه بنفس اللغة , ويعرض الرأي والرأي ذاته , ويقدم لك محتوى أقل ما يوصف به أنه خبل عقلي و تخلف ذهني , إعلام يحاول أن يقنعك بالشئ وضده , ويثبت لك بالدليل القاطع أن الإنسان أصله حمار , وأن الشمس تظهر ليلا والقمر يشرق نهارا , إعلام يتحدث عن ثورة قام بصنعها وتسويقها للشعب المصري في الثلاثين من يونيو و يقنع متابعيه بوجود مؤامرة كونية تشترك فيها دول العالم أجمع لوصف ما حدث فيها بأنه إنقلاب , إعلام يتحدث عن رئيس أمريكا الإخواني , و أعضاء التنظيم الذين يحكمون البيت الأبيض ويسيطرون على أغلب وأشهر صحف العالم , وعن تنظيمهم الذي تسبب في سقوط الأندلس , وتمويل الزعيم النازي ( هتلر ) لهم , ومظاهراتهم التي لا يخرج بها سوى العشرات ولكنها تعطل المرور وتتسبب بإنهيار الإقتصاد , وأخيرا ..يكشف لنا ذلك الإعلام العجيب عن تطور علمي مذهل وهو إمكانية تفجير الإنسان لنفسه أكثر من مرة وهو على قيد الحياة , حينما أدرجت قناة ( cbc ) خبرا عن كشف الأمن المصري لهوية الرجل الذي اعتاد تفجير نفسه ..
 
للأسف دخل العالم عام 2014 م بمنجزات علمية و تكنولوجية , بينما خرجت فيه مصر من التاريخ , وكأنها سقطت في حفرة ما وراء الزمن ..في مستنقع قامت أغلب دول العالم بردمه وتخطيه وهو مستنقع الإنقلابات العسكرية , 
 
ليس من المهم الآن الحديث عن مشاكل مصر وإخفاقاتها أو حتى فضائحها المتتالية منذ الإنقلاب وحتى اليوم , ولا يجدي الكلام عن الدستور المشوه أو الإستفتاء الذي سيزور أو قمع السلطة أو القتل أوالإعتقالات فالحديث يجب أن يتركز على أمر واحد .. وواحد فقط ..هو كيف ستخرج مصر في عام 2014 م من مستنقع الوحل الذي سقطت به .. كيف سينتهي ذلك الإنقلاب لتعود مصر مرة أخرى إلى مجرى الزمن ومسار التاريخ .
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023