وفقًا للمواد 12 ، 13 ، 14 ، 15 من النظام الأساسى للمحمة الجنائية الدولية فإنه إذا أحالت دولةٌ طرفٌ فى النظام الأساسى للمحكمة إلى المدعى العام بها حالةً تثير جريمةً أو أكثر من الجرائم الداخلة فى اختصاصها والمشار إليها فى المادة 5 ، وطلبت منه التحقيق فيها ، أو إذا باشر هو – من تلقاء نفسه – التحقيق بناءً على المعلومات التى ترد إليه مباشرةً وبعد استئذان دائرة شئون ما قبل المحاكمة ( الدائرة التمهيدية بالمحكمة ) فإن للمحكمة أن تمارس اختصاصها بالنسبة للدولة التى وقع فى إقليمها السلوك قيد البحث أو كان المتهم بارتكابه أحد رعاياها ، ولو لم تكن طرفًا فى نظامها الأساسى إذا قبلت اختصاصها بموجب إعلانٍ يودع لدى مسجل المحكمة ، ويترتب على ذلك أن تلتزم الدولة القابلة لاختصاص المحكمةِ بما تلتزم به الدولة الطرف وفقًا لما ورد فى الباب التاسع من النظام الأساسى للمحكمة .
فإن صح القولُ بأن مصر لم تصدق على النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية لتكون بذلك التصديق دولةً طرفًا فيه وفقًا للمادة 26 منه ، فإن ذلك لا يحسر عنها التصدىَ للجرائمِ الداخلة في اختصاصها إذا قبلته مصر وهى دولةٌ ليست طرفًا بإعلانٍ تودعه لدى مسجل المحكمة، وتصبح بموجبه ملتزمةً بما تلتزم به الدولة الطرف من واجب التعاون مع المحكمة على نحو ما ورد بالباب التاسع من النظام الأساسى للمحكمة ، لأنه إذا كانت الدولةُ غير الطرف واقعةً تحت حكم انقلابٍ عسكرىٍ اغتصب السلطة الشرعية قيها بالقوة المسلحة الغاشمة ، وارتكب على أرضها فى حق رعاياها الجرائم الداخلة فى اختصاص المحكمة ، فتقدموا رأسًا إلى المدعى العام بها بمعلوماتٍ موثقةً عن تلك الجرائم طالبين منه التحقيق فيها أو تقدمت دولةٌ طرفٌ بإحالة تلك الجرائم إليه ، فهل يكون قبول المحكمة تلك الدعاوى رهين قبول سلطة الإنقلاب الغير شرعية التي ارتكبت الجرائمَ قيد البحث أمامها – اختصاص المحكمة ؟
هل يُقَدِّمُ المجرمون أنفسهم طواعيةٌ لعدالتها وهم عالمون جسامة إثمهم واستحقاقهم أشد العقاب ؟ بالقطع إن من مصلحتهم أن يرفضوا اختصاص المحكمة رفضًا باتًا .
فإذا كان الانقلاب عملًا غير شرعى منعدمَ الأثر من الناحية القانونية ، لا يعترف به أشخاص القانون الدولى: من الدول والمنظمات الدولية ، وكانت المحكمة الجنائية الدولية أحد أشخاص القانون الدولى ، وكاىِّ محكمةٍ يقترن فى الأذهان مُسماها بالشرعيةِ والقانون ، وتبحث أولَ ما تبحث فيهما باعتبارهما صِراطًا مستقيمًا لا انحرافَ عنه ، ولا بديلَ له ، فإن من واجبها بحثَ شرعيةِ صفة من يمثِّل الدول غير الأطراف فى التعامل معها ، ولاسيما إن كانوا موضع اتهامٍ أمامها ، وكان النظام الشرعىُّ مختطفًا قيد اعتقال انقلابٍ مجرمٍ لا يملك التقدم إليها بقبول اختصاصها ، وكانت الجرائم من الفظاعة ما يروع ضمير الإنسانيةِ ويعود بها إلى شريعة الغاب ، وكان ردع مرتكبها يشكل ردعًا عامًا لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثلها ، ويحول دون تكرارها ، وهو الغرض الذى أنشئت المحكمة من أجله ، وهوما يجرى عليه التفسير الصحيح لبنود نظامها الأساسى فى ضوء إرادةِ المشرع الجنائى الدولى الذى وضع قواعد التجريم والعقاب أمامها ، وفى ضوء قواعد العدالة والقانون الطبيعى .
فإذا كان الانقلابُ العسكرىُّ فى مصرَ لم تخلص له السلطة باستمرار الثورة عليه حتى تلك اللحظة ، وهو ما يُسقط الشرعية عن أىِّ إجراءٍ يتخذُه فى سبيل نيلها ، ولا يمكن بذلك التساند إلى نظرية الواقع لاستمار الثورة ضده ، وكان النظام الشرعى فى البلاد حبيس ذلك الإنقلاب ، وكانت السلطة الشرعيةُ على أرض مصر خالصةً للمصريين ، فإنهم بتقدمهم إلى المحكمةِ طالبين التحقيق فيما ارتكبه الإنقلاب من جرائمَ تختص بها المحكمة يعد ذلك قبولًا منهم باختصاصها ، ويكون هذا الطلب مرفوعًا من ذى صفةٍ شرعيةٍ ولاسيما أن من بين المتقدمين بذلك الطلب أركان النظام الشرعى الذى وقعت تلك الجرائم فى حق أفراده ، ولازالت تُرتكب ضده وضد رعاياه .
*رئيس محكمة المنصورة عضو المكتب التنفيذى لحركة قضاة من أجل مصر رئيس حملة الشعب يدافع عن دستوره ضد الإنقلاب