قالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية الشهيرة: "إن سلسلة الكشوف العلمية التي أعلن عنها الجيش المصري بحضور وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي، والرئيس المؤقت عدلي منصور، وكبار قادته، وفريق البحث العلمي ما هي إلا محاولة لتصحيح صورة الجيش التي اهتزت".
وسبب اهتزاز صورته يتعلق بوفاة خمسة من المغامرين المصريين الذين كانوا في رحلة في صحراء سيناء، حيث حاولوا الوصول إلى دير سانت كاترين، لكن عاصفة رملية غمرتهم، وماتوا متجمدين من البرد رغم مناشدة أهالي الشباب الجيش إرسال مروحية لإنقاذهم.
ورغم محاولة المتحدث باسم الجيش شرح موقف المؤسسة العسكرية، وأنه في ظل الظروف الجوية القاسية لم يكن ممكنا إرسال مروحية مجهزة للتعامل مع الأجواء، والوصول إلى الجبل حيث علق الشباب، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لوقف الأحاديث، والثرثرات بين المصريين حول عجز الجيش، ولا مبالاته.
ولهذا السبب تقول المجلة إن الأسبوع الماضي بدأ بشكل سيء وانتهى بشكل أسوأ. ولأن الجيش حريص على سمعته وصورته، قامت دائرة التوجيه المعنوي بالإعلان عن سلسلة من المناسبات التي تؤكد على صورة الجيش، وحرصه على الشعب، وبدأت المناسبات بافتتاح جسر أقامه الجيش على النيل؛ للتخفيف من الاختناقات المرورية، ثم افتتاح كلية طبية عسكرية متقدمة.
وانتهى اليوم بالكشفين العلمين اللذين أعلن من خلالهما عن جهاز يعالج مرض الإيدز، وآخر لعلاج التهاب الكبد الوبائي، وأعلن رئيس الفريق إبراهيم عبد العاطي أنه "هزم الإيدز، وقهر الكبد الوبائي من نوع سي"، وأكد الباحثون أن جهازه له درجة 100% نجاح.
وتعلق المجلة على هذه الكشوف بالقول: "بالتأكيد كان علماء الجيش المصري سيُسدون لشعبهم، والعالم خدمة كبيرة لو كانت كشوفهم صحيحة". وتضيف أن مستويات الإصابة بالإيدز في مصر منخفضة بشكل نسبي.
أما مرض التهاب الكبد الوبائي فقد انتشر في مصر نتيجة سوء إدارة الحكومة لحملة التطعيم في الثمانينات من القرن الماضي للقضاء على مرض البلهارسيا.
ووصلت درجات الإصابة بهذا المرض أربعة أضعاف أي بلد في العالم، ويُعتقد أن نسبة 10% من الـ90 مليون نسمة (سكان مصر) يحملون المرض. وهناك نصف مليون إصابة جديدة تظهر سنويا. وتشير المجلة إلى أن وسائل علاج المرض مكلفة وخطيرة وغير فاعلة في ثلثي الحالات.
ولم يفت المجلة التعليق على كلام عبد العاطي الذي قال فيه إن الاختراع الجديد سيعود بالربح على الاقتصاد المصري، خاصة عندما تفتتح المراكز الطبية لتقديم العلاج الجديد في 30 حزيران المقبل، كما سيؤدي الإكتشاف إلى إنعاش السياحة المريضة، حيث سيتدفق الملايين من الزوار لمصر من أجل العلاج. وأكد الجنرال في لقاء تلفزيوني لاحق أن مصر ستقوم بحراسة الإختراع الجديد حتى لا تسرقه شركات صناعة الدواء الجشعة. وقال في اللقاء إنه رفض عرضا من شركة دولية لم يسمها دفعت له ملياري دولار بعد أن رفضت شرطه، وهو أن تعترف بأن "المخترع هو مصري، عربي مسلم".
وتحدثت المجلة عن احتجاج باحثين علميين مستقلين قالوا إن الاختراع لم يتم فحصه أو نشره في مجلة علمية أو حصل على براءة اختراع مسجلة. ووصف مستشار للرئيس الزعم هذا بأنه "فضيحة"، وفيه إحراج للجيش المصري.
وأظهرت تحقيقات قامت بها صحف مصرية أن عبد العاطي لم يحصل على رتبة جنرال من خلال خدمته العسكرية، بل هو لقب شرفي. وقبل عام ظهر في محطات دينية وقدم برامج حول العلاج الروحي، وعمل مستشارا في طب الأعشاب. وربطه تقرير نشرته صحيفة سعودية بالسحر والشعوذة.
وأشارت المجلة إلى مظاهر السخرية من عبد العاطي واختراعه، خاصة ما دار على وسائل التواصل الاجتماعي التي تبادلت ساخرة كلامه الذي قال فيه إنه سيطعم المريض علاج "كباب الإيدز"، ويشفى المريض بضربة من عصاه السحرية؛ في تلميح واضح للتعذيب في مراكز الأجهزة الأمنية. ومن النكات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي "نعم سيدي لقد جرّبنا الجهاز مباشرة على كل مريض وكلهم يشعرون بالراحة".
في نفس الوقت دافع آخرون عن الاختراع الجديد، وطالب أحد المذيعين بحرمان أي شخص ينكر العلاج السحري من الجنسية.فيما دعا آخر على "فيس بوك" إلى استقالة مستشار الرئيس الذي أنكر الاختراع، واتهم النقاد بأنهم متواطئون في مؤامرة تقودها شركات الدواء متعددة الجنسسيات والصهيونية التي تهدف إلى مواصلة احتكار الصناعة الدوائية.
وتقول إنه لو ثبت زيف الإختراع كما يبدو، فعلى المصريين الذين يعانون من المرض أن لا يصابوا باليأس، فقد شهدت الأعوام الماضية اختراقات مشجعة وتطوير دواء جديد مع أنه مكلف، إلا أنه فعال قام بتطويره مصري، ويجب أن يكون ذلك مشجعا للمصريين.
فالمخترع كما تقول المجلة من مواليد الإسكندرية، ومن عائلة يهودية هربت من مصر في ستينات القرن الماضي، واسمه ريموند إشكنازي، ويعمل في جامعة إيموري، في أتلانتا- ولاية جورجيا.
وحصل إشكنازي على منحة للدراسة في بريطانيا قبل أن يهاجر إلى أمريكا. وطور إشكنازي في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين معظم الأبحاث التي قادت لاختراع الأدوية المستخدمة لعلاج مرض الإيدز.
وسجل إشكنازي باسمه أكثر من 90 براءة اختراع، وفي عام 2011 حصل لنفسه على مبلغ 440 مليون دولار أمريكي مقابل الأبحاث التي بدأها عبر شركة "فارم أسيت" لتطوير علاج مرض التهاب الكبد الوبائي- سي، والتي اشتريت من قبل شركة "غلعاد" في كاليفورنيا بمبلغ 11 مليار دولار أمريكي.
واسم العقار الذي انتجته شركة غلعاد هو "سوفالدي"، وحصل على شهادة من السلطات الأمريكية في ديسمبر. ويكلف العلاج في الوقت الحالي 84 ألف دولار، ومن المتوقع أن ينخفض بشكل سريع، حيث تحاول الدول الفقيرة التفاوض مع الشركة للحصول منها على عقود تتمكن من خلالها من تصنيع نسخ محلية ورخيصة.