وقفت متعلقة بقضبان السجن منتظرة أن يطل عليها زوجها بمحياه الباسم ليزيح عنها آلام الاعتقال بغير جريرة؛ اللهم إلا تهمة التعبير عن الرأي في وطن ضاق بآراء أبنائه وأصواتهم في ظل انقلاب عسكري لم يرحم أنوثتها، طال انتظار "رشا" العشرينية وهي تمني نفسها بزيارة زوجها.. دخل الزوار تباعا، لم تلحظ نظرات الشفقة التي تحيط بها إلا بعد أن أتم الزوار دخولهم ولم يكن معهم، لتكون الفاجعة: "البقاء لله.. زوجك مات وهو ينتظر في طابور زيارتك".
"رشا منير الغضبان" لم تكن وحيدة خلف قضبان المعتقلات، فمعها أعداد من المعتقلات ترفض سلطات الانقلاب الإفصاح عنه، بينما هناك تقديرات متفاوتة حول العدد الحقيقي معظمها يشير إلى كارثة إنسانية، المفارقة أن من بين المعتقلات أيضا "هند منير" شقيقة رشا هي الأخرى.
والمفارقة أنه عقب وفاة زوج رشا والذي تسببت في موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي اقتحمت سلطات الانقلاب في 9 أبريل وبعد وفاة زوجا بأيام في طابور الانتظار منزل رشا وهاجمته ودمرت ما فيه واعتقلت شقيقها بحيث يصبح الإخوة الثلاثة معتقلين والزوج متوفى.
وتعد قصة رشا واحدة من بين تلك القصص مأساوية؛ فهي فتاة في العشرينيات من عمرها معتقلة هي وأختها وتوفي زوجها في طابور الانتظار أثناء زيارته لها وبعدها هوجم منزلها وتم اعتقال شقيقها.
رشا منير الغضبان وشقيقتها هند فتاتان في العشرينيات من العمر، معتقلتان بتهمة التظاهر، حيث تم اعتقالهما من قبل قوات أمن الانقلاب منذ أحداث رمسيس الثانية في 16 أغسطس من العام الماضي. وتعتبر الزيارة بالنسبة لهما الفرصة الوحيدة للتعرف على ما يجري خارج أسوار السجن، والاطمئنان على أحوال أسرتهن.
في 5 أبريل الجاري وأثناء انتظار زيارة زوجها طال تأخره فكثر سؤالها عن سر تأخره لإدارة السجن فكانت الإجابة أنه مات، كانت هذه فاجعة أما وأين مات وكيف فكانت فاجعة أخرى.
فقد استيقظ مبكرا كعادته في أيام الزيارة، جهَز أشياءه القليلة المفترض به أن يذهب بها لزوجته المعتقلة الشابة في سجن القناطر مع أختها، بعض الملابس البسيطة وطعاما وبعض الحلوى، ثم غادر المنزل على عجل حتى يلحق بموعد التسجيل في دفتر الزيارات.
إن لم يلحق التسجيل في الموعد فلن يتمكن من زيارة زوجته الشابة التي تنتظره أسبوعيا، والتي يقضي معها في الأماكن المخصصة للزيارة نحو نصف الساعة فقط. ولذا فإنه لم يتناول شيئا منذ يوم مضى، فهو منشغل بالزيارة وبترتيباتها الخانقة التي يتحملها على مضض من أجل رؤية زوجته المعتقلة السياسية.
في طابور التسجيل وقف الشاب النحيل، يبدو عليه الوهن، اسم زوجتي “رشا منير الغضبان”، قالها لعنصر الشرطة الذي يطلب من المنتظرين اعلان اسم المسجونات، المعاملة سيئة جدا، وحالة التربص والتعطيل وازعاجهم واهانتهم لا تخطئها العين.
ولكن طال الوقوف في طابور التسجيل انتظارا للزيارة، ولا يوجد سبب واضح للتأخير، ولا يوجد من تسأله عن السبب، وإن سألت فلن يجيبك أحد، بل ربما تتلقى جوابا مهينا يضم شتائم ولعنات، أو ربما تمادى من يتولى الرد للاعتداء بالأيدي والركلات.
فجأة وقع زوج المعتقلة الشاب وسط الطابور مغشيا عليه، تجمع حوله الواقفون، وسط صياح بعضهم "طلبا لطبيب أو سيارة الإسعاف"، جاءت سيارة الإسعاف بعد فترة، وقبل أن يحملوه أجرى عليه المسعف فحصا أوليا قبل أن يقول للمتجمعين "البقاء لله.. لقد مات".
ويقول مراقبون وحقوقيون إن قصة رشا ما هي إلا قصة جديدة من مآس إنسانية وأسرية لم تراعها سلطات الانقلاب الذي أطاح بأول رئيس منتخب في مصر.