شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

حزب النور.. من مساجد الإسكندرية إلى الانقلاب العسكري

حزب النور.. من مساجد الإسكندرية إلى الانقلاب العسكري
برغم تعدد مؤيدي الانقلاب العسكري في مصر وداعمي قائده ومرشحه عبدالفتاح السيسي ، إلا أن متابعة مواقف حزب النور على...


برغم تعدد مؤيدي الانقلاب العسكري في مصر وداعمي قائده ومرشحه عبدالفتاح السيسي ، إلا أن متابعة مواقف حزب النور على وجه التحديد والتعليق عليها ومناقشة أفكاره تكتسب أهمية خاصة ليس فقط باعتباره الداعم الأكبر من بين القوى السياسية للانقلاب العسكري ولكن لخطورة طريقة الدعم التي يقدمها الحزب ورموزه ، تلك التي يحاولون اكسابها صفة الاجتهاد الفقهي الذي ينبغي على الجميع احترامه ، مع محاولات ايجاد متشابهات تاريخية لمواقف الحزب مع اجتهادات بعض السلف في مواقف مختلفة وكذلك مواقف لجماعة الإخوان المسلمين التي يعتبرونها خصمهم الرئيسي– سنناقش هذه المواقف بالتفصيل فيما بعد –

البناء الفكري والتنظيمي لحزب النور .. مواطن الخلل

يرجع تأسيس الدعوة السلفية – مرجعية حزب النور –للعام 1977تحت اسم المدرسة السلفية على يد مجموعة أغلبهم خريجون جدد من كلية الطب بجامعة الاسكندرية وتحت إشراف الدكتور محمد اسماعيل المقدم ، ثم تشكل أول مكتب تنفيذي للدعوة السلفية في العام 1986برئاسة المهندس محمد عبدالفتاح أبوإدريس الذ ي سمى وقتها " قيم الدرسة السلفية " وياسر برهامي نائبا له وعضوية محمد اسماعيل المقدم و4 آخرين .. وظل محمد أبو إدريس رئيسا للدعوة السلفية إلى الآن وهو رجل قليل الظهور قليل الإنتاج العلمي على عكس بقية رفقائه ويدير مركز دراسات يسمى مركز الهدى يعمل به مجموعة من الباحثين الشباب ويوضع على إصداراته اسم محمد عبدالفتاح أبو إدريس !

سميت الدعوة السلفية في كثير في الأوساط البحثية باسم السلفية السكندرية تمييزا لها عن سلفية القاهرة ( الدكتورمحمد عبدالمقصود و الشيخ فوزي السعيد والشيخ نشأت أحمد وغيرهم ) ، حيث توجد اختلافات علمية وحركية كثيرة بين المدرستين فيما يخص قضايا الحاكمية والتكفير ، والبيعة والعمل الجماعي ، وغيرها مما لا يسمح المجال بشرحه ..

تلقت الدعوة السلفية دعما قويا من شيوخ المملكة العربية السعودية المقربين من النظام الحاكم هناك مثل الشيخ بن قاعود والشيخ أبو بكر الجزائري الذي زار مساجد الدعوة السلفية كلها إعلانا للدعم المطلق لها بعد محاولة سبقته من الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق – أحد أبرز سلفيى الكويت – لضم الدعوة السلفية لتيار سلفي حركي عالمي لكنها كانت محاولة فاشلة نتيجة الخلاف الفكري بين الطرفين ..

في العام 1994 على إثر الصدام بين الدولة والجماعة الإسلامية وقتها ، والتضييق على العمل الإسلامي كله مما أدى لتوقيف المهندس محمد أبو إدريسفي قضية تلقي تمويل خارجي قررت الدعوة السلفية البعد عن الصدام والانسجام مع النظام ولو على حساب تنظيمها وفاعليتها الدعوية ! ، فبادر مكتب الدعوة على إثر اتفاق أمني بحل التنظيم فيما عدا قسمي الجامعة والطلائع ، كما تم تسليم معهد الفرقان – معهد دراسات شرعية تابع للدعوة وأحد منابرها الرئيسية –لوزارة الأوقاف حسب اتفاق باستمرار عمل المعهد وهو مالم تلتزم به الوزارة وأغلقت المعهد وكذلك وقف طباعة مجلة صوت الدعوة ، واستمر العمل في القسمين المذكورين بتنسيق أمني كامل اعترف به برهامي في الحلقة الرابعة من مذكراته المنشورة قائلا : " في عام 94 بقي العمل فقط مع الجامعة والطلائع وهو مالم يتم الاعتراض عليه وظل مستمرا حتى سنة2002" ، وفي حوار مع موقع الإسلاميون نشر بتاريخ 1 أكتوبر 2011 قال برهامي :

 " دخلت السجن عام 2002 وخرجت في 2003 والتشديد علينا كان إذا كنت تريد أن تخرج وتظل الدعوة لها وجود فلا بد أن لا يكون هناك أي هيكل إداري هذا هو المحظور الأول ، وأي عمل سري دعوي كإقامة درس في مسجد ليلا أيضا محظور ، ودروسنا كانت بالاتفاق مع الأمن، لنا درس واحد فقط، وكنا نُسأل ماذا سندرِّس وماذا سنقول "

و في العام 2002 عقب تدشين ماسُمى بالحرب العالمية على الإرهاب بعد أحداث سبتمير 2001 ، حلت الدعوة السلفية ماتبقى من تنظيمهابعد خروج برهامي ورفقائه من السجن الذي مكث فيه لمدة تسعة أشهر تقريبا ومُنع كافة مشايخ الدعوة السلفية من العمل خارج محافظة الاسكندرية ، و كان هذا بمثابة القربان الثاني للحفاظ على سلامة أبناء الدعوة ومشايخها ! ، لا سيما في ظل ماحدث في نفس الفترة لسلفيى القاهرة فيما سمى إعلاميا بقضية " تنظيم الوعد " التي اعتقل فيها الشيخ نشأت أحمد وعذب تعذيبا شديدا جدا مع العديد من طلابه وصدرت فيها أحكام بالسجن من المحاكم العسكرية وصلت إلى 15 عاما بحق البعض كما شهدت الفترة نفسها أيضا عدة محاكمات عسكرية للإخوان المسلمين مثل مجموعة أساتذة الجامعات التي كان من بينها الدكتور محمد علي بشر ..ولازال برهامي يبرر حل قسم الجامعة والطلائع بأنه نتيجة للواقع الدولي المعقد وقتها وليس لانزعاج الأمن من نشاطه ..

اقتصر نشاط مشايخ الدعوة خلال السنوات العشر التي تلت هذا التاريخ وحتى اندلاع الثورة المصرية على تنظيم الخطب والمحاضرات العلمية في مساجد الاسكندرية ، لكن الرجل الوحيد الذي اخترق هذا الحظر التنظيمي كان هو ياسر برهامي – طبيب الأطفال و نائب رئيس الدعوة السلفية الحالي ومسئول قسم الشباب والمكلف من الدعوة بالإشراف على حزب النور – استطاع برهامي خلال هذه السنوات العشر وبشكل سري تماما بناء شبكة علاقات تنظيمية في كافة المحافظات من الشباب المواظبين على حضور دروسه وجلساته الخاصة في الاسكندرية ودروس من يعتمدهم ياسر برهامي كممثلين له في المحافظات ، ظل هذا التنظيم السري حكرا على برهامي دون غيره من رفقائه من مشايخ الدعوة ، وليست لدى أية مصادر تشير إلى طبيعة التسهيلات الأمنية التي حصل عليها برهامي في هذه الفترة ، لكن اليقين عندي أن شخصية برهامي بطبعها لا تتحدى السلطة ولاتحب المغامرة ، كما أنه ليس من المتصور مطلقا أن هذا التنظيم – أو على الأقل شبكة العلاقات – تم انشاؤه بعيدا عن علم أجهزة الأمن المصرية لمدة 10 سنوات !

وأهمية هذا التنظيم السري أتت فيما بعد عندما قررت الدعوة السلفية إعادة تنظيم نفسها بعد الثورة ، حيث شكلت مجلس أمناء الدعوة السلفية ويضم الستة مشايخ القدامى محمد أبو إدريس ومحمد اسماعيل المقدم وياسر برهامي وأحمد حطيبة وسعيدعبدالعظيم و أحمد فريد وكلهم أطباء فيماعدا الأول فهو مهندس مدني، بالإضافة للمكتب التنفيذي للدعوة السلفية ويضم 17 عضوا من بينهم المتحدث الرسمي المهندس عبدالمنعم الشحات ومجلس شورى الدعوة ، كما شكلت هياكل تنفيذية للدعوة بالمحافظات ..

والأهمية التي أعنيها هنا لهذه الشبكة التنظيمية التي كشف عنها ياسر برهامي لرفقائه بعد الثورة هى أنه قد تم الاعتماد عليها بشكل كامل في بناء هيكل الدعوة بالمحافظات بدعوى أنهم أهل ثقة وتجربة تنظيمية ومعتمدين من الشيخ ياسر برهامي ! رغم أن أغلبهم من الشباب وهو ماأزعج كثيرا من الكبار وحدثت خلافات تنظيمية كثيرة منها خلاف الدكتور أحمد النقيب – أحد أبرز سلفيى المنصورة – مع ياسر برهامي في بداية التأسيس وانفصاله عنه ، لكن الخلاصة أن ياسر برهامي قد أصبح المرجعية الفعلية للتنظيم الجديد الذي يقوده طلابه وتلامذته في كل المحافظات ..

كذلك تأسس حزب النور في العام نفسه 2011 ، لكن سيطرة ياسر برهامي في البداية على الحزب لم تكن بالقدر المماثل ، وكثير من رموز الحزب وقادته لم يكونوا من مدرسة برهامي ، مثل رئيس الحزب ووكيل مؤسسيه عماد عبدالغفور وهو طبيب جراح عمل في تأسيس الدعوة السلفية منذ بدايتها مع اسماعيل المقدم إلا أنه سافر مبكرا إلى أفغانستان للمشاركة في إغاثة المجاهدين ثم إلى تركيا حيث أقام هناك وعاد بعد الثورة ليواصل العمل مع رفقائه القدامي الذين لم يشاركهم تحولاتهم طوال هذه السنواتفحدث الخلاف سريعا بينهم ، وكذلك يسري حماد – عضو الهيئة العليا للحزب والذي استقال فيما بعد – أستاذ روماتولوجي بكلية الطب وله نشاط دعوي وعلمي واسع جدا ودرّس مواد الشريعة والفقه وهو من تلامذة الشيخ سعيد عبد العظيم ويعتبر هو المراجع لمصنفاته ومؤلفاته ، وكذلك بسام الزرقا نائب رئيس الحزب وهو طبيب ورجل أعمال بدأ مشواره الدعوي مع الدعوة السلفية لكنه تركها مبكرا ، وانضم إلى مجموعة هشام مصطفى التي كانت تتبع علميا للدكتور سلمان العودة حيث كان خطه الثوري ظاهرا جدا في تلك الفترة وتأثر به الكثيرون وشن عليهم برهامي هجوما حادا جدا وقتها واتهمهم بالتكفير وكان هذا الهجوم بمثابة وشاية أمنية أدت لاعتقالهم عدة سنوات خرج بعدها بسام الزرقا ليعود للدعوة السلفية مرة أخرى ! ، وخرج هشام مصطفى بعد أن تغير أيضا وبعد الثورة أسس حزب الإصلاح والنهضة ، بل تغير سلمان العودة نفسه وخفت صوته الثوري والمطالب بالإصلاح السياسي في المملكة بعد اعتقاله بسجن الرياض لعدة سنوات ليخرج مكتفيا بمحاضراته الدعوية إلا في مناسبات قليلة يطالب فيها النظام السعودي بالإفراج عن المعتقلين من تيار الإصلاح وإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية .. وبالمناسبة فبسام الزرقا كان هو طريق تعرف نادر بكار على شيوخ الدعوة السلفية وتلقيه العلم الشرعي عليهم حيث يعمل نارد بكار مديرا تنفيذيا لشركة ترند جروب للاستثمارات المالية والمملوكة لبسام الزرقا .. وكان من بين المسجونين مع الزرقا وهشام مصطفى الدكتور محمد نور المتحدث الرسمي لحزب النور والذي استقال منه أيضا بعد ذلك ..

هذه الخريطة المختصرة تمهد لفهم الخلاف الذي حدث داخل حزب النور في منتصف 2012 وأثناء إجراء الانتخابات الداخلية للحزب ، وقبل هذه النقطة أشير أيضا إلى طبيعة تنظيم الدعوة السلفية فهو- بخلاف تنظيم حزب النور – تنظيم مغلق جدا وعدد أعضائه قليلون ولاتوجد آلية واضحة للانضمام إليه والتصعيد فيه ، ولما حدثت بعض الخلافات بين الحزب والدعوة في المحافظات صدر قرار بتعيين مسئولي الدعوة بكل المحافظات مسئولين عن الحزب إلى أن تتم أول انتخابات (مسئولي الدعوة هم تلامذة برهامي ) !


عندما حان موعد الانتخابات الداخلية ظهر داخل الحزب اتجاه من مسئولي الدعوة السلفية للسيطرة على مفاصل الحزب بطرق مختلفة كان من بينها قرار لجنة شئون العضوية داخل الحزب التي يرأسها أشرف ثابت – المقرب من برهامي ورفيقه في زيارة أحمد شفيق – وبالمخالفة للوائح الحزب الداخلية عدم السماح لعضو الحزببالترشيح أوالتصويت إلا بعد اجتيازه لامتحان تحريري داخل الحزب ، الامتحان تصل مواعيده لأعضاء محددين ولاتصل لآخرين ، ويعطى بعضهم مقررات للامتحان ولاتعطى لآخرين ، هذا لضمان سيطرة الدعوة على الحزب أو بالأحرى سيطرة برهامي على الحزب فظهر الخلاف على السطح وكثرت الشكاوى من الأعضاء ! ، اتخذ عماد عبدالغفور قرارا فاصلا في تاريخ علاقته بالدعوة السلفية فقرر وقف الانتخابات والغاء الامتحانات وحل لجنة العضوية .. كإجراء مضاد اجتمعت الهيئة العليا للحزب بغالبية أعضائها وقررت الاستمرار في الانتخابات !! .. لجأ عبدالغفور لصلاحياته اللائحية كرئيس مؤقت للحزب في تعيين أى عدد يراه في الهيئة العليا لمعاونته حتى إجراء أول انتخابات داخلية فعين عبدالغفور عددا جديدا في الهيئة العليا ، فأصبح للحزب فعليا هيئتان ، اجتمعت الأولى برئاسة سيد خليفة نائب رئيس الحزب لتقرر إعفاء عماد عبدالغفور من منصبه .. واجتمعت الثانية برئاسة عماد عبدالغفور لتقرر فصل أشرف ثابت ويونس مخيون وجلال مرة من عضوية الحزب وإعفاء نادر بكار من منصبه كمتحدث رسمي .. !!

استمرت الأزمة حتى وصل الطرفان لتسوية مفادها أن يستمر عبدالغفور في رئاسته للحزب إلى أول جمعية عمومية وأن تستمر الانتخابات مع النظر في الشكاوى منها ، وفيما يبدو أن مجموعة عماد عبدالغفور أيقنت أن لا مكان لها في الحزب فقررت الانفصال وتأسيس حزب الوطن الذي ُأعلن تاسيسه بحضور حازم أبو اسماعيل ومحمد عبدالمقصود ..إذن لقد نجح ياسر برهامي مرة أخرى !! .. لم يخرج بسام الزرقا من الحزب لكني ذكرت انتماءه السابق لإحساس عندي غير مشفوع بأدلة واقعية أن سبب استقالة بسام الزرقا من لجنة الخمسين بعد أول جلسة ترجع لخلافات حول إدارة الحزب للمرحلة وإن لم تكن خلافات كبيرة ..

نستعرض في المقال القادم ماأسميه باللحظة الذهبية في عمر حزب النور وهى نجاحه في تكوين تحالف سلفي يضم كل المدارس السلفية لخوض الانتخابات البرلمانية في 2011 تحت قيادته ، والدلالات الفكرية لتلك اللحظة وماحدث بعدها ، ثم نحلل خلل البناء التنظيمي للحزب والبنية الفكرية المتعلقة بالتنظيم ثم المتعلقة بالحركة وفهم نمط ومحددات التفكير داخل الحزب والدعوة وهو مايجعل مواقف الحزب بشأن الانقلاب العسكري أمرا متوقعا وبديهيا جدا



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023