شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

محمد إلهامي يكتب: قناع السياسة

محمد إلهامي يكتب: قناع السياسة
السياسة في واقعنا الحالي ليست أكثر من القناع الذي يوضع على الحقائق.. والحقائق هي ما يجري على الأرض.. هي القوة...
السياسة في واقعنا الحالي ليست أكثر من القناع الذي يوضع على الحقائق.. والحقائق هي ما يجري على الأرض.. هي القوة بكافة مفرداتها: قوة السلاح، قوة العلم الذي يصب في قوة السلاح، قوة المال التي تمول العلم الذي يصب في السلاح أو تشتري السلاح والعلماء.
ولهذا فإن دراسة السياسة على النحو الذي يجري في جامعاتنا ومعاهدنا، يشبه تماما من يتثقف سياسيا من خلال الصحف والقنوات الإخبارية.. وكلاهما يساوي الضلال الكبير.
وقد صرت لا أتعجب حين أرى السياسي "أكاديميا" يمثل حالة فريدة من السذاجة والجهل وإن كان طيبا مخلصا.. في حين يصدق وصف السياسي حقا على صاحب التجربة والمعاناة والخبرة في متاهات الحياة وسراديب العلاقات الخلفية التي لا تكشف عنها الصحف ولا القنوات، بل لا تنكشف إلا للمتحرك في أرض الواقع بحسب حركته وقوتها وسعتها.. وبحسب ذكائه ومواهبه الشخصية وإدراكه مواطن القوى.
هذا العالم الخلفي لن تقرأه في كتب "العلوم السياسية" ولن تراه في الصحف والمجلات والأخبار.. بل ينكشف جزء منه حقا في "مذكرات الساسة وصناع الأحداث".. خصوصا أولئك الساسة الذين يكتبون بعد "انتهاء اللعبة" حين تكون المعلومة لا فائدة منها.
وهنا تستفيد أمريْن: الثقافة السياسية الحقيقية.. ومعرفة دور الإعلام في تضليل الناس حين يصنع هذا العالم الوهمي من التحليلات والمناقشات.
مثال:
الحقائق التي لا يشك فيها أدنى عاقل: ما حدث بمصر انقلاب عسكري، مدعوم ومصرح به من أمريكا والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، المستهدف منه حرب على الإسلام باعتباره العامل الحي في التحرر ومحاربة الهيمنة اليهودية الصليبية وأذنابهم العملاء الذين يحتلون بلادنا بالوكالة.. ولذلك فهو لا يتوقف عند مصر بل يستمر إلى تونس وليبيا وسوريا واليمن وتركيا وكل بلد يمكن أن يمثل تغير حاله تهديدا.. والمعركة عالمية لا علاقة لها بالحدود المرسومة، ففيها يتعاون السعودي والإماراتي والفتحاوي والحفتري والعلماني والإيراني والعراقي..
لكن الإعلام وبعد عشرة أشهر من الانقلاب ما زال يطرح الأسئلة الأولى المضللة: هل ما حدث انقلاب أم ثورة؟ ما موقف المجتمع الدولي؟ هل بدأت أمريكا تراجع موقفها؟ هل ستتخذ محكمة العدل الدولية إجراءا؟ ما هو تقييم الاتحاد الأوروبي لما جرى من "انتهاك للديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان"؟ هل ما جرى في تونس متأثر بما جرى في مصر؟ وهل يمكن أن يؤثر هذا على ليبيا؟…. إلخ: وضع في هذه الخانة كل الأسئلة المطروحة عن القانون الدولي والأمن القومي وحقوق الإنسان وتفاصيل إجراء الانتخابات وتحليل بنود الخطابات واللقاءات والقوانين والقرارات.
الثقافة السياسية لا يمكن أن تتولد في عقل يرى الخريطة كما هي على الورق ويحسب أنها دول ذات سيادة ولها بعض الاستقلال في قراراتها.. بل أول خطوة لتولد الثقافة السياسية هي أن تنظر في خريطة القواعد الأمريكية المنتشرة حول العالم (وبعضها مجهول) بالإضافة لخريطة عملائها في الأجهزة والكيانات السياسية (وهؤلاء تعرفهم في لحن القول إذا ظهروا وتكلموا وفي العمل على الأرض إن كانوا في المؤسسات الأمنية والاستخبارية).
المعركة عالمية..
وسقوط مرسي في مصر مصيبة على كل العالم الإسلامي، كما أن سقوط الانقلاب في مصر مصيبة على اليهود والصليبيين والعملاء جميعا.. ولو سقط السيسي فلن يفكر حفتر إلا في مكان آمن، بينما لو نجح السيسي فلن يروي ظمأ حفتر إلا رئاسة ليبيا، وقل مثل هذا على كل الأنحاء.
إن مما علق بذهني ولم أنسه منذ قرأته، هو قول أبي مصعب السوري منظر الجهاديين في كتابه الكبير "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" من أن خلاصة العمل الجهادي في القرن الماضي تؤكد أن المعركة عالمية ولا ينفع فيها المحلية والإقليمية بحال.. وأن أي محاولة منفردة في مكان ما يستفرد بها الحلف العالمي فيجتمع عليها صفا واحدا، ولذا لا بد من إيجاد طريقة تجمع الأمة كلها على خوض المعركة في وقت واحد.
كان السؤال الكبير: كيف؟
أما الآن فلم يعد سؤالا.. صار واقعا، الأمة اشتعلت فيها الثورات بقدر الله وحده وبهذا التتابع العجيب المدهش، إلى حد أن أفشل ثورتين (تونس ومصر) هما اللتان مهدتا الطريق لأنجح ثورتين حتى الآن (ليبيا وسوريا).. كأنهما عود الكبريت الذي انطفأ ولكنه أشعل حريقا لا ينطفئ.
وهذا بخلاف الساحات المشتعلة في أماكن لم تصلها ثورات: بورما، إفريقيا الوسطى، مالي، العراق، أفغانستان، باكستان، بنجلاديش، تركستان الشرقية.. وساحات أخرى حبلى مثل: الهند، الجزائر، نيجيريا، الصومال.
الدعوة لأي تراجع في هذا الظرف وفي أي بلد هو تضييع للحظة لا تعوض ينشغل فيها حلف الشر بكل هذه البؤر معا، وتشعر فيها أنظمة العمالة والخيانة بالخوف والقلق مع تأثير الدومينو هذا الذي يبدو وكأنه يبتلعها، فكل توقف عن المقاومة في أرض هو مكسب ضخم لحلف الشر وهزيمة مؤثرة في رصيد المسلمين وتفويت لفرصة نادرة.. فالشعوب لا تثور بالطلب!
ولا بأس من تكرار القول الذي كررناه حتى مللنا وأمللنا: كل خسائر المقاومة أقل بكثير جدا من خسائر الاستبداد الذي يستمر نصف قرن قادم، فيعمل في طحن المسلمين وتمهيد الأرض لليهود والصليبيين.
ومن نكباتنا أن كثيرا من أهل العلم الذين يُفترض أن يكونوا أعلم الناس بهذا هم أجهل الناس به، وعليه: فهم جزء من المشكلة.. بل هم أصعب جزء فيها.
ومشكلتهم هذه تحديدا تنبئك عن جانب من الضرر العظيم لاستقرار الاستبداد في أرض ما، لقد عزل الاستبداد هؤلاء عن مناصب القضاء الشرعي وعن منافذ التأثير والتوجيه حتى صاروا لا يعلمون ولا يفقهون كيف تسير الأمور وكيف يحول الاستبداد الناس من الإيمان إلى الكفر ومن الأخلاق إلى الانحلال.. وصارت ثوابت الدين المشهورة في حكم المجهولة كما صارت أخلاق راسخة -كالغيرة على النساء- في حكم المفقودة.
بل ولقد ظهر فينا من يقول بأن المتغلب إمامنا ولو كان بريمر أو شنودة، وظهر من يتلو من الإنجيل تقربا وتعايشا مع الصليبيين.. فلا أدي كيف سيكون الوضع لو استقرت الانقلابات نصف قرن آخر.. هل سيشرعنون عبادة الشيطان جهرة ويقولون: ما دام متغلبا على النفوس وعلى الأرض فهو إمامنا حتى يأتينا الله في ظلل من الغمام والملائكة؟!!! اللهم ثبتنا على دينك حتى نلقاك..
أعجبني · 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023